ماذا ينتظر الأردنيون؟ الجواب بلا تردد، إنهم ينتظرون الملك ليُحدِث التغيير الذي ينعكس عليهم معاشيا بعيدا عن البعد السياسي في مستقبلهم ومستقبل دولتهم. لا بأس فكل الطرق ببلدنا للنهوض ستؤدي في النهاية للسبب السياسي. فهل لدى الملك إجابة وماذا ينتظر؟ وما هي حدود امكانياته وماذا عساه قادر على فعله أمام الصورة المتدحرجة بالدولة وشعبها للهاوية الصهيونية. هذا التساؤل يجب أن نناقشه وأن تكون الاجابة عليه هي الهادي للأردنيين ومن أين يبدأوا. ولكن لن تكون هذه البداية إلا مرهونة بواقعهم ومخرجاته التي من جنسه قبل أن يصرفوا عبارات التحدي الفاقدة لأسسها باتجاه التغيير المطلوب.
وعندما أقول الأردنيين في هذا السياق، فإنما أستثني منهم أولا الطبقة السياسية والادارية والرأسمالية التي تشكل جسم النظام وأداته ولا عمل لها سوى التسابق للوصول للمواقع لتنفيذ برامجه بعيدا عن مصلحة الوطن وناسه ومستقبل الدولة، وتُجري التحالفات فيما بينها والمنافسات على الرذيلة. هؤلاء أدوات تدمير للأردن وليس في عقولهم سوى العبودية لمصالحهم بشتى انواع الفساد بالقانون وهذا منطلقهم في علاقتهم بالنظام والدولة والشعب. وأستثني ثانيا الحركة الوطنية التقليدية بكل أحزابها وتجمعاتها المعارضة لفشلها وتحولها لاقتناص الفرص.
فالأردن اليوم تحول إلى فريسة سهلة بيد السلطة العميقة التي أعتبرها أمريكية –بريطانية ولم يعد يهم النظام وطبقته غير الاستمرار في خدمة تلك الدولة العميقة لتعظيم مكاسبهم. وليس المطلوب لنا كشعب أقل من أن نفقد خاصيتنا كشعب ونقطع صلتنا بأنفسنا وبالوطن وأن نبقى بعيدين عن الحقيقة ومجردين من وسائل الدفاع عن نفسنا ومن وسائل مقاومتهم، لنلتحق بركبهم التحاق القطيع الذي يعيش للذبح وطعاما للسيد.
أنتم كشعب لتاريخه، لا تمتلكون من الأسباب إلا ما يعمق مأساتكم ومأساة الدولة. فما زال عصي عليكم أن تكونوا شعبا، ويتجنبون فكرة الوطن وهويته الجامعة وتقترفون جرم العصر بحق أنفسكم ووطنكم حين تعيشون خزعبلة العشيرة والقبيلة وعنجهياتها الواهمة، وكذبة القرية والمدينة وخدعة الغربية والشرقية، وحين تألفون كل ما دفنته ديناميكية عقل الإنسان وحركة التاريخ لتحقيق الحرية والكرامة للشعوب وبناء الأوطان وهوية الأوطان. وتجهلون المحصلة التاريخية لما تتمسكون به من مخلفات الشعوب حين كان ينادي مناديهم بالبوق في لحظة الحقيقة، أن اخرجوا الى الساحة رافعي الايدي وخافضي الرؤوس. انتم عشرة ملايين ومن يخرج لشارع الوطن حتى لو كان كراجا في الرابع هم مئة، حتى أصبح هذا العدد تهمة يتسلح بها النظام ليقول هؤلاء فقط هم المعارضون.
أقول لكم بوضعكم هذا فلن يكون باستطاعتكم فعل شيء لانفسكم سوى الإذعان وقبول الاذلال والعودة للتسول عبيدا لمن يجود عليكم. وستكونوا البرلمان الشعبي الذي يصادق على بيع الأردن للصهيونية. فقطعاً تُقطع الألسن التي تنطق كفرا حين تغني وتهتف لغير الوطن الواحد والشعب الواحد في هذا الظرف، وحين تنزلق للمعيبات. أنتم معزولون عن انفسكم وعن السلطة والقرار والمعلومة في دولة جديدة تتشكل بمؤسسات موازيه بالقطعة على أيد أجنبية وعلى أنقاض الدولة الوطنية
علينا الانتباه، إن استهداف الأردن ككيان سياسي واستهداف شعبه في اطار مستحقات المشروع الصهيوني، هو مخطط ركيزته استخدام الملك ثم استهداف الملك ثانية كمؤسسة عرش لفرط عقد الدولة وإعادة صياغتها. وإن مرحلة استخدام الملك في نهاياتها، وتتزاوج منذ عقدين بمرحلة استهدافه بعلاقته بالدولة وبالأردنيين بكل الوسائل. وهناك استدراج للأردنيين تَستخدم فيه الدولة العميقة أجهزتنا الأمنية والقضائية نحو العصا القذرة والاعتقالات الظالمة وارتكاب المحرمات بحق تقاليد وثقافة وعادات الاردنيين من خلال طرائق الاعتقالات والدخول للمنازل وأساليب الدولة البوليسية بالنسخة الاسرائيلية، والتمييز في الظلم والمعاملة بين مكونات الأردنيين لسببين. الأول هو، لتعميق الثنائيات والجهويات بين الاردنيين منعا لأي توجه نحو وحدة مكونات شعبنا بوجه ما يرسم لهذا البلد. والثاني، لتشويه صورة الملك والنظام الملكي وفك ارتباطه بالدولة وشعبها بتحميله المسئولية وبأنه الآمر بقرارات الشأنين الخارجي والداخلي.
ولقد انجر بعضُ الاردنيين لمخطط الدولة العميقة وجنح عن الخطاب المطلبي والسياسي والى هتافات بعبارات قاسيه بحق الملك شخصيا بالساحات وفي وسائل التواصل خارقة للعادة وفي غاية الخطورة لأنها تصب في مساق يمهد وينذر بانتهاء علاقة الأردنيين بالمؤسسة الملكية (مؤسسة العرش ) في ظرف لا يوجد فيه بديلا أردنيا سياسيا وطنيا، ولا شعب للمواجهة ولا وحدة وطنية، ولا يقبل فيه الغربي بالشرقي ولا الشمالي بالجنوبي، وبما يؤدي إلى قصور وفوضى سياسية واجتماعية وعنف يفتح المجال لإعادة هيكلة الدولة وشعبها لصالح المخطط الأمريكي- الصهيوني. فنحن الأردنيين بحاجة لتغيير سلوك الملك ودمقرطة المملكة، لا الى تغيير الملَكية.
لنترك سلوك الملك فقد وصمته فربما الحمل عليه أكبر مما نتصور ولا نحكم إن كان ما يجري مرتبط برغبته أم بحالة عجز يعيشها وأسير لها. فما أمامنا ونقرأه أن الدولة العميقة وأجهزتنا الأمنية التي تمتلكها يحافظون على سلامة الملك ويقومون بنفس الوقت بتجريده من صلاحيته وتشويه صورته.؟ فالمسألة بين الشعب والملك لم تعد مسألة فساد، ولا الملك في وضع يؤهله لعملية مكافحة فساد. بل إن المسألة أصبحت في الوقوف على حقيقة وضع الملك على خارطة الأردن فهي من الغموض والتراجع ما يجعل غياب سلطته الحقيقية محل تساؤل. ويجعل من الكرة في ملعب الشعب. إنها في ملعب الشعب وعلينا التعامل معها، فإما أن يكون، وإما أن يكون بكينونة الممسوخين أغناما.
فلا بد لهذا الشعب أن يخرج من ضلعه نخبة وطنية واعية تضع خطوط صلبة لخارطة طريق له تُكتب حروفها مما تكتنزه صدور الشعب المهمش والمعزول بكل مكوناته من هواجس مشروعة وتساؤلات، ومن قلب الوطن والدولة المتدحرجين للهاوية الصهيونية قبل فوات الأوان. خارطة تُبنى على ما يُقنع الناس ويزيل العقبات الموضوعية التي تحول دون صنع شعب واحد، وتوضح لهم رؤية شفافة للمستقبل المطلوب لهم ولهذا البلد. ولتكون هذه الخارطة في مواجهة خارطة طريق الدولة العميقة وطبقتها المحلية التي تشاركها في افتراس الوطن وأهله وقضيته، وكافية لصنع شعب وتيار شعبي واسع وقادر على تشكيل ضغط سياسي ودبلوماسي وإعلامي محلي للتغيير المطلوب. وإن تصوري لثوابت هذه الخارطة سيكون في المقال القادم بإذن الله.