هل تبقى في الاردن ما يساعده على دخول دائرة الضوء الدولية.. وأين الملك من هذا ومن ما نحن سائرين إليه.. ولمن تعود “الأمانة” ً اليوم شرعاً في الأردن وفلسطين

ليس في الأردن ضمن حدوده القطريه القائمه ما جعله لعقود محط اهتمام دولي أو لاعباً سياسيا إقليميا سوى أهميته لإسرائيل ودوره المخطط له في القضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني. ولولا ذلك لما شَكل عبئا اقتصاديا على نفسه وعلى القضية وعلى المجتمع الدولي، كدولة صُممت لتكون فقيرة بالإفقار وفاسدة بالإفساد وأن تبقى ثرواتها مدفونة دون استغلال بقرار أمريكي بريطاني صهيوني كي تبقى فقيرة وهشة لاهثة وراء أمنها وغذائها رهن انجاز دورها الوظيفي في فلسطين، وليتعمق فيما بعد وضعها هذا لِما نحن عليه اليوم توطئة لوقوعها أسيرة للنفوذ الصهيوني ومشروعه ذاته. وإن أهمية الجغرافيا الأردنية لهم والمتمثلة بحدوده الطويلة مع اسرائيل قد اقتضتها مرحلية المشروع الصهيوني، وهي اليوم قيد الإزالة.
فاليوم يفتقد الأردن كدولة ونظام أهميته وحضوره الدولي والإقليمي التقليدي على خلفية تطور المشروع الصهيوني في فلسطين وامتداده إلى الأردن وإلى إدارته السياسية والأمنية، وتحوله الى دولة فاشله وصورية، مكبلة باقتصاد منهار وديون لا يمكن سدادها إلا بثمن سياسي، وبعلاقة منتهية بين النظام والسكان والأرض كوطن، وبلا بوصلة وطنيه. هذه الحالة حقيقيه بأثارها الخطيرة على الدولة كمؤسسة وكوطن وعلى شعبها وعلى خواتيم القضية الفلسطينية.
ومع هذا التطور تُطرح تساؤلات في جانب معين هو موقف الدول المؤثرة من غير أمريكا وبريطانيا الراعيتين للمشروع الصهيوني إزاء الأردن كدولة ونظام، وعما إذا أصبح تعاملها معه استخدامي النزعة، أم في اطار خدمة استمرايته كدوله أو انقاذها لتبقى قائمة أو مستقلة أو حرة؟. للإجابة نسأل أنفسنا بعيدا عن مسرحيات الدبلوماسية الأردنية ووهميتها عما إذا تبقى لدينا ما يمكن أن نستند إليه في جعل الأردن ومحنته في دائرة الضوء كدولة وقضيه، وأين الملك من هذا، فهو في نظامنا المِرآة التي تعكس الكثير من الحقيقة وما يؤشر إلى أين نحن ذاهبين.
إن الملك ضمن تكوينه في المعيارين القومي والوطني وبطانته الداخلية المصنوعة له ومؤهلاته واعتباراته، وأمام الفراغ السياسي في الساحة الاردنية وردة الفعل الشعبية المرتبكه والبعيدة عن واقع المشكله، أقول إنه ضمن هذه الصورة لم يعد مهتما بالمواجهه والانقلاب على وضعه أو على النتائج الكارثية على الأردن كدوله وشعب.
لا شك أن للمجموعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي ثقلها، ولديها الإمكانات في فعل شيء للأردن وفلسطين ولديها في هذا مسئولية تاريخية رئيسية لدورها في صنع أساس المشكلة وصولا للوضع الحالي، الى جانب مسئولية المجتمع الدولي. إلا أن طبيعة ما يمكن أن تقدمه الدول مرتبط بطبعية الظرف السياسي الذي تعيشه الجهة المتلقية وبالمعيقات والجاذبات، وهذا ما علينا تلمُّسه في حالتنا.
فالوضع الأردني والفلسطيني الرسمي متماهيًاً وساحتيهما الشعبيتين هي كذلك، وضع يخلو من أي جاذب للتدخل الدولي الداعم أو الايجابي، بل يدعو للنفور أو الاستخدام. فضمن المعادلة القائمة التي تتماهى فيها سياسة النظام الأردني والسلطة الفلسطينية بإدانة القرارات الأمريكية والممارسات الإسرائيلية والتعاون معها بنفس الوقت في زواج محرم، أقول لا يمكن مع هذه السياسة لدولة في العالم أن تصطدم مع أمريكا واسرائيل لحساب قضايانا على هذه الخلفية. بل إن مصلحة تلك الدول في هذه الحالة أن تستفيد من الوضع وتستخدمه دون كلفة. فهي تعرف ارتهان القرار السياسي الأردني، وتعرف حدود الملك واهتماماته وتقتات عليها.
ويجب أن يكون معلوما من خارج النص الصحفي الوظيفي أن أية مراسلات أو اجتماعات أو زيارات تجري بين تلك الدول والأردن في هذا الظرف من الحقبه بأي طار كان،عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا، فإن طبيعتها لا تكون غير اقتناصية لخدمة إدارية أو لوجستية أو أمنية يقدمها لتلك الدول. ولا تهدف ولا تمس أي شأن أردني موضوعي يخص أزماته واحتياجاته على الصعيدين الخارجي والداخلي، إنها تعاملات ذات طبيعة شكلية لنا ومجرد حركات وعلاقات عامه تشبع الغرور الإعلامي والرغبة بالحضور الزائف، فدول العالم كلها وعلى رأسها الأوروبية وروسيا تعلم ما آلت اليه أوضاع الاردن وتتعامل معه في ضوئها وعلى قدرها.
ليس من سبب واحد يجعل حاضر الاردنيين ومستقبلهم ومستقبل دولتهم محل اهتمام دولي، فهم ليسوا على بال أي قوة خارجية ما لم يفرضوا وجودهم السياسي في ميدان الشارع. ولا من سبب يجعل امريكا وكيانها اللقيط يلامسان الكوابح في سيرورة انقلابهما على كل أوراق التوت التي دأبت أنظمة وحكام العرب على الإختباء وراءها وعلى رأسهم السلطتين الأردنية والفلسطينيه. ولننتبه بأن المجتمع الدولي لم تتحرك شعرة في جسمه إزاء لفوضى السياسية والقانونية والأخلاقية المترتبة على القرارات الترمبية والممارسات الاسرائيلية بشأن فلسطين، وإن ادعاء الدول الأوروبية بمعارضتها لها وبثباتها على مواقفها من القضية الفلسطينية لم يترافق مع أي مبادرة سياسية أو عمل منها على الأرض. وهذا لا يعني أقل من أنهم لن يكونوا عربا أكثر من العرب ولا ملكيين أكثر من الملك.
وعلى المخلصين التوعيين بالشأن العام وبالحالة التي تعيشها الدولة والملك والاردنيين، ويبحثون عن الحل والسلامة، أن يكونوا مدركين ومُنَبِّهين بأن هذه الحالة وكل معاناة للدولة وشعبها هي سياسية استراتيجية صهيو- أمريكيه مرسومة، وأن مردها مرتبط بدخولنا مرحلة الاستهداف الصهيوني في مشروعه، وهم من يديرون السياسة في الأردن اليوم، وأن المطلوب لهم هو أن ننشغل بقوتنا حتى نركع ونبقى راكعين وننشغل بأنفسنا. فالقضية الفلسطينية ما كانت لحظة إلا قضية أردنية هكذا ابتدأت في وعد بلفور وهكذا ستنتهي بمخططهم، ولن ينالنا كأردن وأردنيين إلا ما نال فلسطين والفلسطينيين. وان الصهيونية وعملاءها اشتغلوا ماية عام على إثارة الفتنة والبغضاء والتجزئة بيننا حتى جعلوها قضيتنا لنبقى غافلين عن عدونا الحقيقي وعاجزين عن المواجهه الفاعله والنهوض. فما لم نُنجِز مسألة وحدة مكوِنَي مواطِني الدولة الرئيسيين على أسس المواطنة الواضحة ويكون العمل مشتركا والقلوب على بعضها فلن ينجح لنا مشروع سياسي ولن يكون هناك حراك فاعل ولا سليم، بل محل طعن. وهذا ما يجب أن يكون أساساً للتوعيه ولأية مبادرة وطنية.
أمانة المسئولية التاريخية لفلسطين رُدَّت اليوم شرعاً الى الشعب الفلسطيني، رجال السلطة وأتباعهم ورثوا عن العرب دور المتاجرة بالقضية الفلسطينية بالمال ,وإن الإكتفاء بتحميل المسئولية لخائنها هو اختباء وموقف بائس ويائس.
وأمانة المسئولية التاريخية للأردن رُدَّت اليوم شرعاً الى الشعب الأردني بأطيافه بأجلى الصور، فلا اختباء عاد مقبولا وراء علك الكلام والحجج الساقطة ولا وراء الإقليمية ولا تصريحات الملك التفاؤلية بينما الفعل داميٌ أمامنا. فانفكاك النظام عن هموم الاردن والاردنيين والاستجداء بثمن هموم اسرائيل وأمنها هو الحقيقه المستجده. الصالونات السياسية في عمان تتزاحم بينما الساحة فارغة منهم، والكُتَّابُ يتزاحمون على الورق والقرَّاءُ أقل منهم. والمتابعون الى “لايفات” المعارضين التوعيين في الخارج والداخل تجاوبهم أمام هول ما يحدث والمصير السائرين اليه هو بحجم ” حسبي الله ونعم الوكيل ” النعم بالله دائما وأبدا، ولكنّا لسنا من يردون القضية التي أوصانا بها تعالى إليه قبل أن نعمل بها. آمل أن لا ننهض متأخرا.