الرويبضة تقود في الشارع وفي الدولة وتتماهى بالسلوك المدمر.. والملك يقرأ المشهد ويمضي بعيداً.. الطرح في الصالونات تحت خط الفقر المدقع إنها مأساة دولة ووطن وشعب، إنه السقوط

ما كان بالمنطق السليم لجسم سياسي شعبي أو رسمي في نظام شمولي ووظيفي إلا أن يكون مزيفا وزائفا، وما كان للشخصيات الوطنية والأحزاب التي تنشأ بقانون النظام وفي عباءته أن تكون إلا بسقوف أقنان الدجاج. يتحولون في يوم الغارة إلى قاصرين ومقصرين بين منزوين أو مخربين. وهذا وحده ما أدى إلى وضع سياسي مستقر وإلى استقرار هش في الشارع والمؤسسة على السواء لمدة ثلاثة عقود في الأردن.
هذا الاستقرار التي فرضته معادلة التدجين لم يعد بقاؤه ممكنا مع وصول نار حريق الدولة لحياة المواطن مباشرة، والذي توقع أن تتحرك الحركة الوطنية وتسعفه وتسعف الدولة، إلا أنه اصطدم مع وهميتها ورسوخ المعادلة، وانكشفت له حقيقة أن الساحة السياسية فارغة. فكان أن امتلأت اليوم هذه الساحة بغير أهلها وأصبحت السياسة لعبة مشاعاً لأرباع وأخماس المثقفين وللأميين، فيها القطاط شبعى والجرذان تنتشر، والعسكر حرامية والحرامية واعظين، والصالونات السياسية تذكرنا بالمضافات بسطحيتها التي لا تلامس كعب الجوهر. تُناغش الحكومات بالهمسات وتخاطب الملك بالغمزات.
عامان والشارع والصالونات تزدحم بالمتطلعين للظهور والأنا والتسويق الشخصي وبالفطاحل والأبطال الاستعراضيين والمدَّعين الجهلاء بأبجدية السياسة. فكلهم يطرحون أنفسهم قادة ومخَلِّصين ومنظرين وليس فيهم من مستمع أو متلقي ولا بمرتبة عضو، فالحوار عَلْك للمعلوك ومهاترة طرشان، وفيها من جنون الجهل السياسي ما يطير العقل من الرأس.
عامان والمعزوفة واحدة في هذه الصالونات المناسفية. توصيف وتشخيص وتشريح للحالة الأردنية وللنظام، وأحاديث بالديمقراطية والاصلاح وبالفساد والفاسدين والبطالة والفقر وبالخطر الصهيوني الداهم على الدولة ووو… ويستمرون على نفس المعزوفة في كل لقاء ولا خطوة للأمام بحكم منطق العجز والبعد عن مكان الجرح، مع أنهم يعلمون بأنه لا خلاف على مفردات المعزوفة وبأن مشكلتنا هي في اقناع أو إجبار النظام على تغيير نهجه والإنصياع لتحقيق المطلوب، ويعلمون بأن هذا غير ممكن بدون ضغط شعبي فاعل نحن نفتقده ووحده الذي يسمعه ويستجيب له النظام ومن وراءه. لكنهم يهربون من حقيقة أن استقطاب جموع الشعب لصنع هذا الضغط في الشارع لا يمكن أن يكون إلا بشعب متصالح ومتفاهم ومنسجم على قاعدة المواطنه الحقيقية للجميع والرؤية المستقبلية المشتركة والمطمئنة لكل مكونات الشعب التي أفرزها وفرقها المستعمر والنظام ومأجوريه…… وعلى تقديس مكونات القضية الفلسطينية.
لا تدفنوا رؤوسكم بأرز المناسف، لقد جعلوا منا في هذه الدولة العربية السايكوسبيكية مكونين وهويتين وجغرافيتين وما كنا يوما هكذا عبر الدهر، ولكن لنكون عوناً لهم على أنفسنا ووطننا. فالخروج من هذه الحالة هو مربط الفرس والتحدي وميدان العمل المنتج. لا صالون جاد ولا ناجح لصنع مشروع سياسي وطني أو حراك جماهيري مؤثر في الشارع ما لم يكن على أجندته وعلى سبيل الأولوية إعادة توحيد مواطني الدولة بمكون واحد وشعب واحد وقضية واحدة وعمل سياسي مشترك رغم أنف النظام ومن وراءه، رغم أنف امريكا واسرائيل وكل متعنصر وإقليمي بغيض لا يتق الله في الوطن ولا بأخيه. ولا مؤتمر وطني إلا على مستوى الوطن وحجمه. الدولة اليوم في حالة انهيار ورضوخ للمستعمر الصهيو\ امريكي والباقي ضحك على الذقون أو تفاصيل. فالمشروع الصهيوني وصل الدولة كمنطقة كانت وما زالت مشمولة بوعد بلفور قبل أن تصبح دولة وظيفية.
الرويبضات اليوم تستأثر بالسياسه والإداره في الصالون والشارع وفي أجهزة الدولة على السواء، والطرح لدى الجميع تحت خط الفقر المدقع بوعي متعمد أو بجهل. والمفارقه أن السياسة والسلوك والعقلية التي تحكم الشارع والصالون هي نفسها التي تحكم عقلية وسلوك أجهزة النظام وأزلامه. الطرفان يتعاملان مع مظاهر الأزمة ومشكلاتها ويجعلانها القضية، ويبتعدون عن سببها ومنبعها وجذورها، وكلاهما يتجاهل انفصام الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية ويعمقانها، وكلامهما معزول عن الشعب وطموحاته وينفخون أنفسهم الى طبول صوتية، والملك يقرأ كل هذا ويقرأهم فيجلس على عرشه مرتاح يُصَدق كلاهما فيأخذ طريقا ثالثا من خارج الحدود. إنها مأساة دولة وشعب. إنه طريق السقوط.
يحضرني في هذا قصة ملك مملكة الخزر الوثنية والثرية عندما تنافس عليها البيزنطيون ودولة الخلافة العباسية لحث ملكها “بولان ” على اتباع ديانة كل منهم. والملك الذي لا يريد الوقوع تحت نفوذ أي منهما طلب وفدا من كلا الامبراطوريتين ليشرحون له عن ديانتيهما كي يختار واحده، فجلس مع الوفدين على انفراد وتحدثوا ولم يسمع منهما سوى الحط من ديانة الأخر. فاغتنمها فرصة. وجمع الوفدين وقال لهما لقد صدَّقت كل ما قلتموه لي ولا أكذب فريقا منكم، ولذلك اخترت التلمودية ( اليهودية ). فاعتنقها واعتنقها شعبه وجلب الحاخمات من العراق للوعظ وإدخال الحرف العبري. وهم اليوم من يحتلون فلسطين باسم بني اسرائيل وأبناء ابراهيم في أكبر كذبة بالتاريخ.
الوقت مهم والنظام يلعب عليه. ونحن في أزمة انتماء، فلِمن الإنتماء والوفاء عندكم اليوم ؟ فإن كان لله فعليها وهيَّا، وإن كان للوطن فعليها وهيا، وإن كان لأبنائكم وأجيالكم وكرامتهم ومستقبلهم فعليها وهيَّا. وإلَّا فنحن نعيش في المكان غير الصحيح والسكوت على الظلم طريق العبودية. وهذه مزبلة أذلة التاريخ مفتوحة لأصحابها، والطريق أمام الرجال لا تُغلق.