كلام في الصميم.. إلى أين سيتجه الأردن بعد كورونا؟

لا نريد أن نعتقد بأن هناك استغلالا من النظام للوباء من أجل الحصول على شعبوية لغسيل فساده، أو لصنع ثقة بنهجه المسئول عن التراجع المتدحرج للدولة وشعبها. فالهجوم الوقائي على الوباء باستخدام ما تبقى لدى الشعب من رمق حياة وعزيمة، وبما تبقى من رمق في وسائل اقتصاد الدولة بلا حسبة وحساب لطبيعة الحرب التي تضرب غدنا بيومنا، هو بمثابة زراعة لقنابل موقوتة تنفجر مع حلول أجل الوباء. فنحن نرى جهوداً ونجاحا مبهراً وشفافية في قهر الوباء بحد ذاته وبحد مرحلته في الميدان فقط، ولا نرى تخطيطاً شمولياً متخصصاً برؤية مستقبلية لمواجهة تداعيات حرب الوباء العالمية التي ستطالنا.
فالحرب التي يشنها كورونا حرباً ذكية على بنية الدول وعلى قدراتها المستقبلية على الإستمرار، ولا تكون مواجهتها الآمنة إلا بإدارة ذكية متخصصة، نهجها حمائيا لمستقبلنا كما هو وقائيا لحاضرنا، بما نُقَدم من إجراءات ونؤخر في هذه المواجهة. إنها حرب يبدأ وطيسها بعد أن تضع أوزارها. فإما أن تجد الدولة نفسها في حالة عجز يدمرها، وإما أن تجد نفسها محصنة بجدار حماية ومناعة انتبهت لبنائه الدول الراشدة أثناء المواجهة الحالية بتعزيزها لمكونات فرصة النهوض على أساس سليم لتتعافى وتتطور.
العقلاء يتساءلون ماذا بعد كورونا؟. ولكن يكفي القول بأن العودة لوضع إلى ما قبل كورونا شبه مستحيل في كل دولة حتى لوكان وباءاً مصطنعاً. وأن سلوكنا في مواجهة كورونا وثيق الصلة بمواجهة تداعيات ما بعدها. فما يجري في العالم بسببها يشكل مقدمة منطقية علمية نتيجتها ركود اقتصادي عالمي ونكسة في النظام النقدي وشح في الغذاء والدواء وبطالة ومجاعات وقد تصبح دول وقضايا غنيمة حرب أو تتحرر. وهذا بحد ذاته يصبح مقدمات علمية إما للتغيير الطوعي الراشد دوليا وعالمياً بعد مخاض قد يكون مؤلماً، وإما للفوضى التي لا يمكن إلا أن تنتج نظاما بالمحصلة آمناً، ولكن ليس قبل أن تنال من الدول وشعوبها وتسلب منها وقتاً ثميناً، والدول الضعيفة والفقيرة والتي شعوبها مقموعة ومهمشة هي التي إذا لم تستبق النتائج بالتغيير وتتسلح بالحكمة والشرافة والنزاهة ستضيع بين الأرجل.
ما نراه، أن فكرة التغيير ما زالت غير واردة عند نظامنا مع أنها فرصته. نعم الجيش واستخدامه في هذه الحرب غير النمطية سلاح لضبط تنفيذ التعليمات الوقائية الخاصة بحركة المواطن وأمنه وخدماته اللوجستية، وكذا بقية أجهزة الدولة المدنية العامة. لكن المهم هنا هو طبيعة هذه التعليمات والأوامر وطبيعة المنسي منها، وفيما إذا كانت من ضمن خطة شاملة وممتدة لما بعد الوباء لمواجهة تداعياته. وهذه مهمة مرتبطة بطبيعة المخططين وخطتهم، أي بطبيعة من يدير الأزمة. ففي هذه الطبيعة النجاة أو الموت.
ولذلك أتساءل، هل إدارة الدولة للأزمة اللّا نمطية بنفس علبة الفشل والفساد والتدمير صالحة لكل زمان ؟. نحن في حرب ذكية خفية نتائجها الوخيمة ستظهر بمجرد وقف الجانب الكوروني لاطلاق النار وانسحابه، وسترمي عندها بظلالها على حاضرنا وعلى مستقبلنا في حرب أشمل وأخطر. فالتخطيط الاستباقي الحمائي يجب أن يكون شموليا واستشرافياً في الاجراءات لمرحلتي الحرب وما بعدها بالتوازي، وبالتوازن الذي لا تكون فيه إجراءات أحدها على حساب الأخرى. وأن يكون هذا التخطيط من قبل المختصين على عدد تنوع الاختصاصات المطلوبة، وعلى أن يكون كل ذلك مرتبطاً بضمائر تحس بالوطن وناسه. وهذا المخطط والتخطيط لا نلمسه للآن.
النجاح المبهر في الجانب الظرفي الميداني للحرب لا نريده على حساب جوانب تفوقه بالأهمية لأنها حرب تطال مستقبل الوطن والأجيال، ولا نريد غياب العبرة من تجربة الماضي ولا انعدام التخطيط لرؤية ما بعد كورونا ولا نريد جاهلا ولا فاسدا في هذا الظرف من العلبة ولا نريد نصيراً لهم من محيط الملك. إن سياسة جمع المال غير الراشدة والقائمة على العماء وشرعنة كل الوسائل لهذه الغاية دَمرت بلدنا وهددت حياة مواطننا، والآن ما زالت في هذا الظرف تستحوذ على عقلية النظام. وكأنه مطلوب من تخطيط وتعليمات عينة العلبة رأس الشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وأصحاب البسطات وكل مرفق استثماري محلي، وأن يستسلموا ويسلموا أنفسهم ومستقبلهم ومستقبل وطنهم بمعية ضريبة الخاوة التافهة على الشركاء والمتعاونين في نهب هذا الوطن. (وقد أبهجني جدا وأنا أكتب هذا المقال سماع خبر النية بدعم الشركات والقطاع الخاص، وأرجو أن يكون ذلك مرتبطا بخطة لا مجرد ردة فعل للصيحات.
المال مطلوب اليوم. ولكن ممن ولمن ولماذا؟ ولمن الأسئلة توجه. بالتأكيد ليس للعجزة والفاسدين بالفطرة ولا للحيطان. إنها للمسئول الذي يستمع، وله قدرة القرار النافذ. هذا الوقتُ وقت تواضع الملك أكثر لله وللوطن والشعب. والوقت الذي يكون فيه الملك لكل أبناء الوطن لا للعلبة فقط. إنه وحده عقل النظام ورأسه وصاحب القرار. وبدون صلاحه لا يستقيم أمر. فله الأسئلة وعليه المسئولية وعنده الحل الآمن. إننا أحوج ما نكون لاستدامة حكمة وحزم الملك في هذه الحرب لتطال مستقبل الأردن ونجاته وتطوره بعد كورونا، نريد نصراً حقيقياً لا تكون نهايته كارثية، ولا يكون هذا إلا بالبدء بالتغيير الآن، لا نريد أن نسمع من رئيس أو وزير عبارة (أمر الملك بشراء كذا جهاز)، لماذا ينتظر الملك ليأمر بهذا ؟ هذا إحباط وضياع، وسلوك من لا مسئول ولا أمين على عمله. حقاً إن دلالة التغيير تبتدئ بالتطلع للمستقبل بعين العودة لأصالة الدستور وسلطة الشعب، وبعين ترى البقاء للأردن وطناً بشعب حر مصانة مواطنيته وحقوقه وقضاياه ومقدراته. وهذه هي الترجمة الحقيقية لمصداقية ووعي تلك الحكمة والحزم الملكي.
فالظرف هو ظرف تأميم كل المسروقات والمنهوبات والمبيوعات من هذا الوطن وهذا الشعب مهما كان الشكل الذي استقرت عليه، وظرف رفع الحصانة عن الفساد وتجار الكوارث ووضع الأصبع على الزناد تهيئاً لفرصة اطلاق رصاصة الوداع على وباء النهج السياسي والإداري، وتعظيم قدراتنا المالية مما لنا ولحمتنا الوطنية على قاعدتها الطبيعية. واستخدام المال لدعم ما تبقى من وسائل الإقتصاد الوطنية لإبقائها خمرة حية للبناء عليها، والمسارعة لإعادة هيكلة كل القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية الغذائية للمرحلة القادمة، وإبعاد شبح اضطراب الأمن بدعم عمال المياومة وصغار الموظفين والعاطلين وبؤر الفقر والحرمان، إنهم منطقة حرام لاستقرارنا وأمننا، بل إنهم الشعب..
يا صاحب القرار، عليك أن تعيش اللحظة العالمية بتغيراتها العميقة الحالية والمقبلة، وتسترجع تاريخ الاردن وسيرورته السياسية والإقتصادية، لقد جعل منفذي وعد بلفور مستقبل الأردن السياسي هلامياً على طاولتهم ليأخذ الشكل القادر على التعامل مع المتغيرات الدولية بما يخدم المشروع الصهيوني. إنهم اليوم في غيهم وضعفهم وهمومهم يعمهون والضحية نظامهم. إنها فرصتك في الداخل الأردني فلا تجعلها على نفسك وعلينا. بل لنا ولك، ابدأ بتشكيل طاقمك لهذا الغرض واحجر على علبة الفساد حجراً سياسياً ليبقى الأردن. وتذكر بأن عارنا التاريخي كعرب ومسلمين هو بتخاذلنا وتواطؤنا بقضية فلسطين الذي جر علينا الويلات، وعلى الأردن الموت مع وقف التنفيذ. فلعله الوقت للتمرد عليه.