إن لم يستمع الملك.. فليسمع الشعب

من المستغرب جداً أن تكون مسألة ضم الضفة الغربية مفاجِئة للنظام العربي وخاصة الأردني، ولا أن تكون محل استهجان وغضب بعد صمت على صفقة القرن، وقبلها على تاريخ من الخطوات والاجراءات الممنهجة والمتواصلة لتهويد وابتلاع الارض وصولاً لضم ما تبقى من فلسطين والفتك بالأردن. إن الإستهجان والغضب الأردني الرسمي الذي عبر عنه الملك بما ينطوي على إيحاء بالتهديد بلا أساس، لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد لا أردنيأ ولا من قبل الاحتلال الصهيوني نفسه ما دام الماضي مكرساً في الحاضر.
المستنبطات والتوقعات التي عبر عنها الكثيرون إزاء الموقف الأردني المنتظر، كلها معزولة عن الواقع وفات أوانها وأصبح العلك بها مجرد حركات تَحمل رَدّة فعل فارغه، بل وينتظر الكيان الصهيوني وقوعها. فوادي عربة هي كأوسلو قضت وطرها وأصبحت مستنفذة ومنتهية على الأرض، وكل ما تلاها وقام على أساسها من ألوان التطبيع هو تعبيد طُرُق تؤدي الى ما وصل اليه الأردن اليوم. ولا يمكن إلا أن نَفترض بأن تمرير نظامنا لها كان عملا محكوماً بنهج سياسي تبعي ثابت. والانقلاب عليه لا يكون إلا بنهج مغاير وهذا هو التحدي الذي يواجهه الملك إن كان جاداً، فذلك وحده الذي يجعل كل مفردات التطبيع التي خدمت الاحتلال وفتكت بالأردن بدءا بوادي عربة وانتهاء بصفقة الغاز مقبورة بحكم الواقع على أرضية جادة وصلبة بعيداً عن متاهات التكتيك والدبلوماسية.
وعليه، فإن مصداقية وإنتاجية أي حديث يصدر عن الملك أو عن أي سياسي بشأن مواجهة التطورات العميقة في خطورتها على الأردن لا يمكن أن يكون جاداً أو يُبنى عليه بمعزل عن النظرة لواقع الدولة وللأرضية السياسية التي يقف عليها النظام الأردني، والانطلاق منها. وبهذا أقول بداية إن سياسة التحالف هي سمة العصر التي لا تنتصر بدونها الدول القوية بينما تسحق بدونها الدول الضعيفة. والأردن اليوم دولة بلا حليف عربي أو أجنبي ومكبلة من قبل من يحالفهم نظامنا استراتيجياً من طرف واحد وهم الأعداء.، والأوراق التي كانت بيده أفرغتها الصهيونية من مضمونها بعد أن قضت وطرها وأصبحت عليه لا له، وعادت الدولة مفلسة مالياً واقتصاديا وسياسياً لا في العير ولا في النفير. مع أنه يمكن لها والفرصة أمامها أن تكون مركز الحدث في العالم. والأهم من كل ذلك أن نظامها يسير في طريق الإفلاس شعبياً وكل ذلك بإرادة أمرو- صهيونية.
وعلى المتحدث من برجه أن يُدرك بأن الأردن بدأ وما زال أشبه ما يكون بإقليم تحت الادارة الاستعمارية وبأن هذه الإدارة لم تهيئه للاستقلال الحقيقي فليست هناك هوية اردنية وطنية سياسية جامعة ومرتبطة بأرض المملكة التي تخلو من كل رموز الدولة المستقلة. ومفهوم المصلحة العامة والدولة الوطنية لم يتبلور، ومفهوم الديمقراطية غائب تحت وطأة الحرب على أدواتها والتي لم تتوقف لحظة. وقوالب السياسة والعمل السياسي ديكورية فارغة المضمون. وبالتالي لم يتشكل للآن بديل سياسي وطني أردني مؤهل ومقبول للحكم من ناس الوطن. مما يعني أن غياب النظام الملكي أو العبث بمؤسسة العرش بأي شكل من الأشكال مهما كانت بسيطة ضمن هذه الظروف على الأقل هو كارثي سواء كان عن وعي أو جهل. بل إن التخلص من النظام الملكي أصبح هدفاً لأمريكا وإسرائيل. فمستقبل هذا البلد واستقراره وأمنه وتطوره مرتبط بالملكية الدستورية التي نرنوا إليها.
لقد كشفت المآسي والفساد بأنواعه وقسوة المعاناة التي يعيشها الأردنيون وما حل بالدولة بأن استقرار الأردن الهش وصمود النظام الملكي نابع من تمسك العقلية والوعي العفوي الجماعي للأردنيين بالنظام الملكي من أجل سلامة الأردن كدولة وكوطن رغم علم هذا الشعب بمسئولية الملك عما يحدث. وهذا التمسك بالملك معضلة أمريكا والكيان الصهيوني. وعلى الملك أن يستثمر ذلك لا أن يستغله. فنحن نستمع لكلامه عند كل طعنة أمرو- صهيونية، ولا نجده كلاماً مقنعاً ولا شفافاً ولا مكتملاً ولا واضحا ولا يتبعه فعل. فالملك يتخذ دور المرسل لشعبه ولا يستقبل. وكأنه يَصرف كلاما لقوم لا يعقلون أو أن سلطته ديكورية.
وأخر كلامه كان تعقيبا على عزم الكيان الصهيوني الخزري بضم الضفة بجملة غامضة رماها وأصبحت مدار تحليلات سطحية نفاقية فاشله. وما كان له أن يختصر حدثا بهذا العِظم والخطورة بجملة عابرة انطوت على تهديد لا أساس له، ولم يقم بإجراء يلامس المستوى المطلوب أمام وطن يواجه الاحتلال، ودولة تواجه التفكيك وشعب يواجه الاذلال ليُرمى كالكلاب الضالة في أصقاع العالم. فأيا كان الإيحاء الذي يقصده من تعقيبه عليه أن يتذكر بأن الكيان الصهيوني أشبه بالولاية الأمريكية ولا يواجه بدولة خاوية صفحتها مفتوحة على هذا الكيان، وبلا حليف ولا جار صديق، وبشعب منهك وغير متصالح مع نظامه، وجبهتها الداخلية غير متماسكة وفي أسوأ حالاتها، وعليه أن يضيف لذلك كعنوان بأن القيادة الهاشمية أصبحت عبئا على الكيان الصهيوني، وأن هذا الكيان هو الذي قد يلجأ للحرب أو الفتنة ليتخلص منها ويُدخل الأردن في دوامة التدمير والتفكيك وصولا لمبتغى المشروع الصهيوني؟ ألا يعلم الملك بأنه في مرحلة لم يعد فيها يمتلك شيئاً تحتاجه أمريكا والكيان الصهيوني منه غير الرحيل؟
سيدي إعلان الكيان الصهيوني الخزري بضم الضفة والأغوار الذي تتبناه أمريكا لا يُفترض أن يكون مفاجئاً لك، ومن هنا لا نريد أن نتصور أو نتخيل أنك بصدد المناورة لإخراج نفسك أو التخلص من المسئولية ومن التداعيات الشعبية في فلسطين والأردن التي سترافق ساعة الضم. فإن كان الأمر كذلك فهذا شأنك، وإن كنت فعلا تبحث عن حل فالحل مع اعتقادي بأنك تعرفه إلا أني أضع ملخصه (لا تفصيلاته) في نهاية المقال.
كما لا نريد أن نتصور ونتخيل بأن الملك يجر الشعب لليأس منه؟ إن كان الأمر كذلك فالشعب بالتأكيد وبالمحصلة في هذه الحالة سيغامر به لا بالوطن وبمستقبله. والمغامرة لن تكون محسوبة بل إلى حيث ألقت. هذه دولة ليس منها في بطانة الملك رجل واحدٌ مؤهل ليتكلم معه بلسان وطني صادق لا عوج فيه، أو يفهم منه ليفسر لنا شيئا، أسأل الملك ما هي مصلحتك بذلك، أنت سيدي لن تفلت من النتائج. نحن لا نعلم على وجه اليقين أو المعلومة بماذا تفكر في هذه الظروف. لكنا أمام أحداث تَسقط أمامها كل المحذورات والأعذار والذرائع. فتصفية القضية الفلسطينية بل مجرد ضم الضفة الغربية يعني التطهير العرقي للفلسطينيين من وطنهم بالهلاك أو الترحيل للأردن، ويعني نهاية الأردن. فالإستهداف نُطِق بوعد بلفور متكاملاً وواحداً على الضفتين دون فصل في الأرض والشعب والمصير الواحد، ولكنه لم يكن قرارا أو ارادة بريطانية فقط بل كان قراراً وإرادة لكل دول مجلس عصبة الأمم العظمى وكرسته في صك الانتداب. وليس هناك أية وثيقة أخرجت الأردن منه ولا حيثيات التعامل مع الاردن تثبت غير ذلك. وشعب الأرض هو من سيُسقطه. لا أعتقد بأنه قد مر ظرف يحتاج فيه الملك للشعب كهذا الظرف والعكس صحيح.
سيدي لو استبعدنا حرباً عالمية ثالثة فالبديل حتما هو مخاض عالمي يُنتج أم الصفقات لنظام دولي جديد الأسس. بينما العمل جار في منطقتنا لتنفيذ صفقة العصر الخاصة بنا مسبقا، ولن يكون هناك تضارب بين الصفقتين حتى لو تزامنتا. فأوروبا وروسيا والصين والعالم واكبوا طرح صفقتنا وليس منهم من اتخذ موقفاً عملياً منها. ولسنا معنيين بشجبهم لها او استنكارهم فهذا من مقتضيات الدبلوماسية. فلا تعويل إلا على انفسنا. لقد اطلعتَ سيدي على الصفقة كما نُشرت وتعلم بأنها تتضمن أو تنطوي على ضم الضفة الغربية والنهر والأغوار وتصفية مكونات القضية الفلسطينية، وعلى دفن حل الدولتين الذي يدفن معه الأردن مع فلسطين (إن لم يحصل التغيير الآمن المطلوب منك)، والدلائل تقول أنك إن لم تكن متفقاً مع الصفقة فأنت راضخ لها ولا نعلم على أية خلفية ذلك. فقد حضرتَ البحرين ولم تعلن عن رفضك للصفقة صراحة ولا عمليا ولم تغير من سياستك مع امريكا ولا من نهجك الداخلي أو الخارجي.
فإن كنت سيدي حقاً تبحث عن حل، فابتداء أقول أن ليس من قوة غاشمة تستطيع احتلال دولة قائمة أو النيل من نظامها إن كان شعبها وخاصة الأردني بملايينه الثمانية مع قيادته على قلب واحد. وكل الجرائم تتراجع أمام هدف إنقاذ الوطن، فسيرحب الشعب بعودة الملك إليه وبتفعيل إرادته، من خلال المباشرة بالتغيير في النهجين الداخلي والخارجي المنظم والتدريجي بواسطة حكومة وطنية مؤقته ومؤهلة وبولاية عامة تحت مظلة الملك. تأخذ على عاتقها المهمات بموجب خطة واعية وآمنة تقوم أساساً على تمتين الجبهة الداخلية بالمواطنة الحقيقية وإعلان صريح برفض صفقة القرن كعمل من أعمال الغزو والاحتلال، واضعة نصب عينها بأن لا حقوق أجنبية على الأردن بل له حقوق. واعتبار كل معاهدة او اتفاق مع الكيان الصهيوني خلفنا بحكم الواقع الذي صنعه، والارادة الشعبية والمآل هو الملكية الدستورية بكل مستلزماتها تدريجيا.
وبالتوازي لا بد من بناء تحالفات مع دول اجنبية وإسلاميه على شكل معاهدات تغطي احتياجات الاردن الإقتصادية والدفاعية على قاعدة تبادل المصالح، وعلاقات عربية متينة مع دول الجوار العربي كعمق جغرافي واقتصادي، مبتعدين عن السعودية وأفراخها بمسافة فلكية ومقتربين من فلسطين الشعب، وفلسطين المقاومة بلا مسافة، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. والله من وراء القصد.