لدينا حالة عامة ووضع سياسي غير مسبوقين.. ما هما وما الحل.. “وجهة نظر”

تقدمة ذات صله. الوعي والتوعية للشعب كصاحب المصلحة العامة والكتلة الحرجة ومخزن العقل والفعل الجمعيين، ضرورة تُفَعل تأثيره ودوره وانتاجيته وتُصحح مفاهيمه وتعمق معرفته وقناعاته وتوصله للحقيقة وتصقل مهاراته في التعامل مع الواقع، وتضبط سلوكه وسلوك السلطة معاً. فالوعي هو صمام الأمان للمواطن كفرد وللشعب والدولة والوطن. ومع أنه من المفترض في الحالة الديمقراطية، أو في حالة الحكم الصالح، أن لا يواجه مكونا السكان والأرض أي (الشعب والوطن )أية مشكله مستعصية مع المكون الثالث للدولة وهو السلطة، إلا أن انتشار ضحالة الوعي بين المواطنين في مثل هذه الدول المتقدمة من شأنه أن يُمرر أخطاء السلطة وانحرافها العفوي أو المتعمد وبما يعكس خطورة على المكونين الأخرين. ولنا أن نتصور كيف تكون هذه الخطورة في الدول غير الديمقراطية أو من ذات الحكم غير الصالح أو في دول كدولنا (انتهى).
نحن كعرب، أمامنا حالة نعيشها في هذه الحقبة لا سابقة لها في تاريخنا أو تاريخ الأمم. ليس لدينا فيها دولة واحدة تعيش حالة الديمقراطية أو الحكم الصالح أو الدكتاتورية الراشدة أو الوطنية. كلها فاشلة ومعظمها سائبة. مكوناتها الثلاثة موجودة شكلاً دون مضمون ولا روابط بينها. فالوطن مستباح ليس من يحمي أرضه ولا هو خط أحمر أو أصفر، والشعب فاقد لاعتباراته القانونية والسياسية والمعنوية ولحقوقه الانسانية. والسلطة مغتصبة وتعاني الشرعية والإنتماء. أنظمتها متماهية وجيوشها متماهية وشعوبها متماهية. فنحن أمام منظومة عربية تعيش الردة بقيادة عقل خبيث واحد، أقَصِّل تالياً تماهياتهاً التي تُشكل حالتنا لأنتقل للوضع السياسي لدولنا، وللحل.
فالأنظمة تتماهى بالفساد العميق بأنواعه، وبصداقتها أو بتحالفها من طرف واحد مع العدو، وبعزلها لدولها وشعوبها عن بعضها قومياً ومصيرياً وعن فلسطين وقضيتها، وبتعزيزها الإقليمية بكل الوسائل وصاروا يتحدثون عن أمن قومي لقُطر هو جزء من كل، بينما القُطر والكل مُستباح. حكَّامها يقدمون القرابين للعدو وللكيان المحتل من لحم الوطن ودم الشعب وبخدمات عميقة لحساب المشروع الصهيوني وبما يقومون به من هدم وتفكيك لأقطارنا، وقمع وتجهيل لشعوبها.. كسروا قانون العبودية التي تُفرض فيه على المُستهدَفين وصاروا يُفصِّلونها َلأنفسم ويتنافسون عليها بعد تخطيهم مرحلة الخيانة لعدم كفايتها. وكله باندفاع وارتماء صنع ارتباكاً زمنيأ ونوعياً في مخططات أمريكا والصهيونية.
أما جيوشها وعسكرها فغالبيتها تماهت في تغيير عقيدتها القتالية ومرجعيتها الوطنية وأصبحت مرتبطة بالحكم والحكام لا بالوطن والشعب، ولم تعد هذه العقيدة باتجاه فلسطين أو الحدود. ثم انكفأت للداخل وتحولت لأذرع قمعية للسلطة ثم لتصبح السلطة، ولم تعد وطنية ولا قومية ولا منتمية. فكل جيش منها سَهُل اختراقه برصيد كاف من العسكر من صنع أمريكا لاستلام الحكم في لحظة ما. فاصبحت هذه الجيوش بحسبة المرتزقة سياسياْ وعسكرياً، وعبئا على الشعب والوطن والدولة.
وعن تماهي شعوبها فألعنها في تجاوبها مع الإقليمية تحت وطأة تراجع الوعي السياسي حتى لطبيعة المشروع الصهيوني وشموليته لها. وتماهت في الفقر والظلم والتهميش والإضطهاد وفقدان المواطنة والبوصلة وتَغيير الأولويات وتراجع القيم وانعدام الشعور بالمصلحة العامة وبمسؤوليتها، وفي الخوف والخنوع ووصولها لوضع ما يسمى “المواطن “المستقر، تتقبل فيه العبودية للحاكم طوعا مقابل تأمين طعام الحظيرة لها. لكن الفرنسي مكتشف هذه الحالة لم يتوقع حالة بلادنا عندما يصبح الحاكم العربي غير قادر على أداء خدمته لقطيعه، حيث مع هذا الوضع سيثور القطيع على الحاكم بدلاً من ثورته على من يثور على الحاكم، فتكون عندها ثورة الجياع المعروفة تاريخياً برهن شرارة.
السؤال المُنتج الذي يوصلنا إلى وضعنا السياسي الحقيقي وللحل هو، ما هو السبب لهذه الحالة العربية كفارقة في التاريخ البشري. هل هو المشروع الصهيوني الغربي في وطننا ؟. أم وضع الحكام العرب وجيوشها المبين في أعلاه، أم الشعوب، وأين هذه الشعوب من هذا ؟. الكل متهم، ولكن علينا أن نحدد أين مربط الفرس ليكون هو السبب الحاسم ومن ثم مواجهته ابتداءً. فلو فكرنا بطريقة مختلفة وأكثر منطقية أو عمقاً لوجدنا بأنه ليس المشروع الصهيوني ولا الحكام ولا جيوشهم ممثلة بقياداتها ولا أمريكا والغرب لا فرادى ولا جماعة كافياً أو قادراً على صنع الحالة العربية أمام إرادة مليونيات الشعوب العربية صاحبة الأمر، كما لا يعقل أن نحمل المسئولية لعدو ولا لخونة. فكلها عوامل وأدوات من استحقاقات إنجاح المشروع الصهيوني المرتبط بتحقيق هذه الحالة العربية، ولا يمكن أن ترقى لتكون سببا حاسماً في الوصول لحالتنا، ولا من المفترض لهذه العوامل أن تنتصر ولا أن تركع لها الشعوب هذا الركوع وهناك أمة وعقيدة وتاريخ. باعتقادي أن السبب الحاسم للحالة التي نحن فيها يكمن في خلل بوعي شعوبنا، وبالذات على وضعها السياسي الحقيقي وعلى فهمها الخاطئ لعلاقتها باحتلال فلسطين وبالمشروع الصهيوني وعلى مآلات صمتها. إنها شعوب كالزوج المخدوع.
انطلاقة الحل لا تكون بمعزل عن الوعي على وضعنا السياسي الحقيقي حالياً. فما هو ؟ وبهذا أقول خطط التحالف الغربي الصهيوني لمرحلة ما بعد الحرب العالمية لنقل الوطن العربي من استعمار إلى استعمار. وكان هذا واضحاً إلى حد المعلن من المؤتمرات الأوروبية والدولية والوثائق والتقارير والقرارات ثم العمل الميداني. ومن هنا كانت النتائج في سايكوسبيكو في بلاد الشام والعراق وكان وعد بلفور ووضع اليد على الجزيرة وتعيين حكامها واستقطابهم، وكان احتلال فلسطين ومسمار جحا في الأردن. وكانت حرب مئة عام بكل الوسائل تستهدف الأنظمة العربية الحرة والوطنية والقومية، ثم الإنسان العربي بتاريخه ومفاهيمه وثوابته ووحدته وقوميته ومعيشته وأمنه وركزت وما زالت على عقيدته كمكون أساسي في ثقافة الشعوب.. وكانت عندئذ الهجمة أسهل على مقدرات وموارد الوطن العربي وإداراته، وعلى إحكام القبضة على الانظمة العربية وقراراتها.
والمحصلة نحن اليوم في وضع لم يعد فيه الحكام حكامنا ولا الجيوش جيوشنا ولا السياسة سياستنا ولا القرار قرارنا خارجياً كان أو داخلياً، وفلسطين محتلة صهيونيا وقاعدة أمريكية. فوضعُنا السياسي الحقيقي هو أن وطننا العربي بالمفرد القطري والجملة في حالة استعمار غير معلنة وسيبقى صراعنا السياسي وتعاملنا مع الأحداث بمعزل عن هذه الحقيقة وهماً وخطأ استراتيجياً يودي بنا.
الحل الجذري العام عربياً لا يكون إلّا بتشكيل الوعي السياسي الشعبي العربي الجمعي في كل أقطاره إلى المستوى الذي تتشكل فيه القناعة العامة بالحالة العربية وبالوضع السياسي في كل قطر. فهذا هو الأساس في حشد وتفعيل الكتله الشعبية الحرجه والمؤمنة والمتجاوبة تقودها في كل قطر نخبة منها بمشروع تحرري نضالي لمواجهة الحالة الإستعمارية واندفاع أليات المشروع الصهيوني الغربي في أقطار بلادنا، وتجريم كل ما أنجزه الصهيو \غربي وأنظمتنا بدءاً بسايكوسبيكو وانتهاء بمعاهدات السلام و كل اتفاقية في إطارها. فلا حياة ولا نهضة لنا إلا على انقاض المشروع الصهيوني…..وحيث أن هذه العملية التوعوية تتطلب تبنيها ومأسستها كأولوية من قبل كل الأجسام السياسية والنقابية والمنظمات الوطنية غير الحكومية في الأقطار العربية…وأن هذا ليس بالسهل بوجود هذه الأنظمة التي ستعيقها وتقاومها…. وبما أن تحقيقها سيأخذ وقتاً طويلا وعصيباً، فإن الرديف العاجل لها والمحفز على انجازها قي كل قطر هو وجوبية تنفيذها على الساحتين الفلسطينية والأردنية أولاً كطليعة هذا قدرها.
فلا خيار للشعب الفلسطيني في ضوء ذلك سوى أن يستمر بدفع الضريبة عن نفسه وعن الشعوب العربية هذه المرة لتحفيزها، فبيده المفتاح، وأن يسارع لحشد الوعي الكافي لدى الفلسطينيين في فلسطين والشتات على واقع السلطة الفلسطينية كأداة احتلال تَطرح نفسها ممثلة للشعب الفلسطيني، وإعادة ترتيب بيته ومؤسساته السياسية والنضالية بمنظمة تحرير بهيكلة ومضمون جديدين على برنامج المقاومة، ولا يبدأ هذا إلّا بانتفاضة فلسطينية في الضفة تجرف سلطة أوسلو وخونتها أولاً، وتكون الحاضنة للمقاومة التي وحدها ستشكل الألية لفرض القضية الفلسطينية كقضية احتلال على الأجندة السياسية الدولية والعربية ثانية، وتوقف صمت العالم اللّامسؤول عن الفوضى السياسية والأخلاقية والقانونية باستفراد الصهيو امريكي بأمن واستقرار وقيم الشعوب مستخدماً من فلسطين والوطن العربي رأس القط الذي يُقطع إرهاباً للغير.
وفي ذات السياق، وفي الشأنين الأردني والعربي لا بد من التذكير بحقيقتين لخطورة عدم الوعي عليهما أو تجاهلهما ً. الأولى أن يدرك كل أردني من شرق النهر، أن الأردن وفلسطين بعرف العدو مسمى لشيء واحد. فكما نحن نعلم بوحدة الارض والسكان والسلطة الحاكمة تاريخيا لهذه المنطقة على ضفتي النهر، هم يعلمونها. وأن ندرك أن هذه الأرض بجناحيها مستهدفة بالاحتلال بموجب المشروع الصهيوني وصك الانتداب وسايكس بيكو كوطن قومي أصيل لليهود تَدعي به الصهيونية، وأن الضفة الغربية كانت عهدة كما الشرقية لنفس المتعهد، وكما تم استلام الضفة الغربية ولم تُترك حتى وطناً بديلاً للفلسطيني ً، فسيتم استلام الضفة الشرقية (الأردن ) ولن تكون وطناً ً بديلا للفلسطيني ولا أصيلا للأردني، وإنما هي مراحل فسمّوها كما شئتم. لنعلم بأننا شعب واحد على ثرى الأردن وعلينا المسارعة لوحدة التنسيق والنضال الاردني الفلسطيني ولو من قبيل وحدة الاستهداف والمستهدِف والمصير، وإلّا سيلحق الأردن وشعبه بفلسطين وشعبها.
أما الثانية \ فلنا كعرب، أن نعي وندرك بأن العقل الصهيو\ غربي يدرك تماما بأن مشروعه حتى لو اقتصر أو توقف على احتلال فلسطين على سبيل الفرض الخاطئ، فإنه لا يمكن له أن ينجح ويستقر له الإحتلال وهناك دولة عربية واحدة بخير هي وشعبها أو قادرة على النهوض والتخلص من المعاناة والسقوط، لأنهم مدركون أن فلسطين وشعبها قطعة من الوطن العربي هي الأعز والأقدس، فلا مكان للإقليمبة عندهم إلا للإستخدام، فشعارنا المنطقي الحمائي المفترض في أقطارنا هو ” فلسطين أولاً حتى تتحرر “.