إن مشروع الفدرالية بأطرافه الثلاثة ،اسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية ، والذي ينطوي على اعلان شكلي لدولة فلسطينية واتحادها الفوري مع الأردن بصيغة ما كشرط لإعلانها ، له مستلزمات واستحقاقات قانونية وسياسية وصعوبات ، يجب أن تكون واضحة للجميع . وإذا اغفلنا إرادة الشعبين كمتطلب أساسي ، فسيكون على رأس المستلزمات أن تُعلن فلسطين دولة مستقلة وممتلكة لشروط العضوية الكامله للأمم المتحدة ، وإلا لكان الأمر في واقعه هو عملية “ضم ” سكان معينين وأراض معينه لدولة أخرى . وإذا تغلبنا على هذا المحذور افتراضا ، فيترتب على السلطة الفلسطينية قبل إعلان الدولة أن تتفق مع اسرائيل على لفلفة أو تسوية الملفات الأساسية للقضية الفلسطينية كالقدس والمستوطنات ،والحدود ، وحق العودة لللاجئين ومسألة السيادة . وكما يفترض الاتفاق على الغاء الافكار ذات العلاقة في اتفاقية اوسلو، وكذلك الاتفاق على مصير منظمة التحرير الفلسطينية وجودا ومؤسسات ومبادئا ، وبالتالي ايجاد الارضية السياسية لانهاء فكرة المقاومة وتفكيك وسائلها والعاملين فيها .
إن مسألتين من بين هذه المسائل واضح لدينا ملامح تصفيتهما دون غيرهما ، وهما مسألتي اللاجئين والسيادة ، حيث أن هناك قناعة متبلوره على الصعيد الدولي والأنطمة العربية بعدم امكانية تطبيق حق العوده عمليا ، وأن التوطين هو الحل . وهو ما سيتم شرقي النهر في الدولة الجديدة . اما مسالة السيادة فبتصوري أنها ستكون محسومة من خلال تقاسمها بين اسرائيل والدولة
الاتحادية ما بين الارض والسكان لغاية مرحلة تفريغ الارض غربي النهر وضمها لاسرائيل ، حيث أن مشروع الفدراليه سيكون بالنسبة لاسرائيل مرحلة لأخرى .. .
إن هذه المسائل سواء التي نتوقع كيفية حسمها أو التي لا نعرف كيف ستحسم ، هي المطلوبة رؤوسها اسرائيليا ، وقد حال دون التنفيذ سابقا عدم مواتاة الظروف والمسوغات الدولية والإقليمية ، مع وجود حكام عرب كان لهم ولدولهم من الاعتبارات شيئا . أما اليوم فنحن مقبلين على فرصة صهيونيه مهيئة للتغلب على العوائق ، وهي فرصة استخدام آليات تتجاوز قواعد التفاوض السياسي الحر والمتكافئ المنصوص عليها في القانون الدولي والشرعية الدولية المتمثله بمبادئ الميثاق وبقرارات الامم المتحدة .
وهذا يعني أننا سنكون أمام احتمالين لتصفية هذه المسائل يعقبهما تقنين وتتويج دولي من خلال مسمى مؤتمر دولي للسلام . الاحتمال الأول، أن تتحقق تفاهمات في الغرف المغلقة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل برعاية امريكية وشاهد زور أردني ، تعقبها مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بمفهوم مفاوضات الصفقة بين قوي منتصر تُذَلَلُ له الخطوط الحمراء ، وضعيف مهزوم يُذَلَلُ ، وتُذَلَلُ له العقبات الشعبية والقانونية ويقبل النتائج بحكم ملعوب الأمر الواقع وأهون الشرين .
الاحتمال الثاني ، أن تُجَيَرَ هذه المسائل أو بعضها للدولة الاتحادية للتفاوض عليها مع اسرائيل مستقبلا ، مباشرة أو من خلال مؤتمر دولي تكون نتائجه محسومة مسبقا . وهذا هنا يعني أن الاتحاد المزمع سيكون في واقعه القانوني والسياسي بمثابة سيناريو الضم. كوديعه أردنية للمرة الثانية ، و يعني شراكة النظام الأردني في تصفية مكونات القضية الفلسطينية واحدة تلو الاخرى على مدى سنين .
نترك هذه الاحتمالات وغيرها من احتمالات ، ونفترض أننا أمام سيناريو الفدرالية البرئ،(ولا أقول الكنفدرالية ، حيث أن لها معنى مختلف جدا في الُنظم السياسية لا يخرج عن علاقات مميزه بين دولتين منفصلتين بكامل السيادة وهذا صعب تحقيق شروطه ولا تقبل به اسرائيل ، ). فسيناريو الفدرالية المزمع ، مرتبط الى حد كبير بتغطية اهتمامات القيادة الهاشميه وببقائها على قمة الهرم ، وبترويض الفلسطينيين والأردنيين لقبول المشروع لعلمهم بأنه سيكون على انقاض احتلال فلسطين بآليات أهمها افتراس كيان الأردنيين السياسي .
وسيكون على الاردن أن يتفق مسبقا مع الفلسطينيين والعرابين الأجانب على شكل النظام السياسي ومركز وصلاحيات القيادة الهاشمية في الدولة الجديدة ، وهذا أمر ضروري على صعيد تنفيذ هذا السيناريو حتى لو تم انقاص الكثير من صلاحيات المللك لصالح الحكومة الفدالية ومجلس الأمه الفدرالي . وإن وجود النظام الهاشمي على رأس الدولة أمر أساسي في المرحلة الأولى على أقل تقدير، حيث بغير ذلك يفقد هذا السيناريو معناه لهذا النظام الطامح ، ولغالبية الأردنيين الذين يرون وجوده ضمانة لهم من تبعات الأكثرية الفلسطينية التي ستتعاظم مع التوطين داخل نظام دولة جديد فيه صناديق الاقتراع ستكون مصانه .
ومع ذلك سيتعارض هذا المشروع مع مكتسبات قطاعات اردنية متهيبه من فقدانها لكثير من امتيازاتها نتيجة إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ، بما فيه الجيش والامن والمراكز العليا ، ناهيك عن تراجع مكتسبات مؤسسة شخصيات النظام ، والعائلات المحظيه . ولذلك قد تتحالف هذه القطاعات التي ستتضرر مصالحها ، مع الكثيرين من الاردنين الذين لا يدعمون أي توجه وحدوي مع الفلسطينيين تمسكا منهم بتلازم الهوية الاردنية الحصري مع الارض الأردنية ، وخوفا من تطور الحالة الفدرالية الى حالة اخرى .
إن نجاح السياسة الصهيونية العالمية في اختراق الحكام العرب من المهد الى اللحد ،وتحريم النهج الديمقراطي على هذه الأمة ، ونجاج العدو أيا كانت هويته في إجهاض تبلور أي من الهويتين السياسيتين الوطنيتين للفلسطينيين وللأردنيين ، هي العوامل الأساسية والحاسمة في تنفيذ المشروع الصهيوني . وهكذا نستطيع تصحيح نتائج الحرب العالمية الثانية بالقول ، إن نفوذ ومستعمرات الامبراطوية العثمانية في الوطن العربي ، المتنازع عليها ، قد بقيت وديعة إلى أن آلت للصهيونية باتفاق كل المنتصرين في تلك الحرب