الأردن: حتى لا يُصبح الكلام في الجرح منْظَره

تشخيص مشكلتنا نُلخصه بنتائج الفساد الاداري والمالي والسياسي الذي جعل من الدولة دولة فاشلة في علم السياسة ، ومن شعبها همه لا يتجاوز البحث عن مأكل وملجأ . وهذه الحالة بحاجة للعلاج لا للعجان . وأنجع السبل للعلاج حين نعرف السبب ، وأفشلها حين نتوهم بسب أخر ونعمل عليه وهو ليس بالسبب الحقيقي ، او حين نعوج على صنم نبكيه ونسائله ، فتستمر المشكله وتتفاقم . وعلينا هنا أن لا نقع بجرم عدم التفريق بين السبب والمظهر ، ولا نذهب منظرة ، غربا وشرقا ، فالفساد والفاسدين والنتائج كلها في المحصلة مظاهر وراؤُها سبب ، فيه يكون الحديث باحترام وموضوعية . ونستبعد هنا تماما معالجة المظاهر، فهي لا تتوقف ما دام السبب قائما ويفرخ كل جديد منها .
نناقش هنا في معرفة السبب الحقيقي لما نحن فيه، لنواجهه ونعالجه ، ودعونا نبقى في محيطنا ولا نذهب الى ما أبعد كي لا ندخل في متاهة . فكل الدول في مرحلة ما لها عدو خارجي ولم يكن مدعاة لفشلها ولحماية نفسها وشعبها . لنترك هنا امريكا والصهيونية واختراقاتها حيث استطاعت لذلك سبيلا ، وننظر الى انفسنا ، فماذا نحن فاعلون
هذه دولة فيها شعب ومجالس شعب وقيادة وحكومات ومؤسسات مدنية وعسكرية وقوانين وأنظمه ولديها المرجع والضابط المفترض لها ، والمنظم المفترض لعلاقتها ببعضها ، وهو الدستور . ولدينا معها كلها ،الفشل والمعاناه . فهل الخلل في الدستور كسند وضابط ومنظم علاقات لتلك المكونات ؟ وهل هو السبب ؟ . لو كُنا يا سادة في دولة ديمقراطية وعانينا من صعوبات فإننا ننظر الى الدستور لنرى إن كان السبب يكمن في تطبيقه أو في مخالفته أو في قصور بمواده نفسها ، فنجري اللازم بآلياتنا الديمقراطية دون أدنى صعوبه . فالحديث عن الدستور أو اتهامه لا يكون إلا في الدول الديمقراطية والتي يكون فيها للدستور اعتبار.
إلا أننا نعيش في دولة مقوماتها من ارض وسكان وسلطه موجودة ، لكن طبيعة تكوينها وآلية عملها والروابط بينها لا يشكل ولا ينتج مفهوما للدولة المعاصرة والقابلة للبقاء . دولة يحكمها بسلطاتها ومؤسساتها الملك وحده ، والشعب فيها مغيب إلا عن دفع الضرائب تماما كمقاطعات الامبراطورية الرومانية ، وإن قلنا بغير ذلك ، فلا يعقل أن نقول أن الكلمة الأخيرة فيها إن شاء ليست له ، ولا نستطيع القول بأن كل من على ارض هذه الدولة من موجودات مادية وبشرية ليست تحت ولايته . ولكنا نستطيع القول بأنه لا يتمسك بنا بقدر ما نتمسك به ، وله في هذا منطق ، ولنا بتمسكنا به مبرر.
نعود الى الدستور ونتهمه على سبيل الفرض الخاطئ بأنه هو السبب ، وبأن تعديله او العودة لدستور سابق سُتصْلح الأمور ، ثم قمنا بتعديله حسبما نريد ، أو قمنا بكتابة دستور جديد بالصورة المثالية . فهل هذا يجعل من الدستور سيدا في ظل الحالة السياسية والنهج السياسي القائم عمليا لا نظريا ؟ بالطبع لا. ومن منا لا يَعرف بأن التعديلات الدستورية كلها ومنها الأخيره ، لم تُعطٍ الملك في الواقع صلاحيات جديده ، فقد كان يمارسها من قبل ، وأن الأمر لا يعدو عن تقنين لها دستوريا بشفافية ، تحسبا منه لتَغْيرات يَحتملها قادمة في النهج السياسي أو في نظام الدولة السياسي .
من الخطأ افتراض الدساتير في حالتنا “مُخَلِصا ” ودعونا من المفاضلة بين قديمها وجديدها ، فليست القصة بها . فكلها وعلى رأسها دستور عام 1952 تضمن الحريات وتَشرِطها بقانون ، والقانون يأتي إما مغايرا لمضامينها أو معقودا على سوء أمانة التنفيذ . وكلها تُفصل فيها الحقوق على المقاسات المتغيرة ، وكلها فيها الملك يعين رؤساء الوزارات او الحكومات دون نص على آلية التعيين ، وبنص على قسم الاخلاص للملك وتنفيذهم ما يوكلون به ، وليس من أحد أعلى منهم ليوكلهم سواه ، فماذا بعد ؟. القصة ليست بالدساتير مهما جعلناها مثالية وشفافة، بل في احترامها كشريعة لمتعاقدين ،وتسيدها ، وبطريقة العمل بها والتعامل معها بعيدا عن الاستئثار بها . فهذا كله لم يتغير منه شيئ ، إنما ظروفنا والظروف من حولنا هي التي تغيرت ، والنهج السياسي معها لم يتغير. والعربة لا تسير أمام الحصان .
إن الإصلاح حزمة واحدة تبدأ في العقول والقناعات والإرادات بتغيير النهج السياسي القائم ، وهناك في التاريخ ملوك منحوا شعوبهم الحرية والسلطه . فلا بد من اقتناع أحد طرفي العقد لتغيير هذا النهج ، وهما الشعب والملك . وإن العمل السياسي الصادق والهادف والمنتج لوجه الوطن والشعب هو الذي يكون باتجاه إقناع من بيده السلطة سلميا ،وهو الملك ، على تغيير النهج السياسي إلى نهج يُحترم فيه الدستور، ويسمح بتلازم السلطة والمسئولية . فالنهج القائم لا يضمن تفعيل أحلى الدساتير ولا يضمن احترامها ولا منع انتهاكها ، ولا تعديلها أو تعطيلها بجرة قلم ،
كاتب اردني

Leave a Reply