لست بحاجة للقول بأن القمة القادمه في عمان إن انعقدت ستكون في ظروف مهينة جدا ، ولن يكون إحساس بهذه المهانة داخل القاعه . ولا بحاجة للتساؤل عن جدوى اجتماع لمجتمعين على خلفية فكرة لا تجمعهم ،وعلى لعبة كُرة هم فيها مشجعون . قمة بلا قمم ، يتكلمون ويأسفون ويشجبون ويُنَظِرون كما نفعل نحن افراد الشعب العاجز ، والفرق بيننا وبينهم أنهم يفعلون ذلك ببرودة أعصاب ونفعله نحن بحرقه . إن القمم بشأن مصيرنا تعقدها الدول الاجنبية تباعا دون دعوة أو اشراك لحكامنا . فهل بعد هذا من مهانة تعيشها شعوبنا . فمن يبيع نفسه عبدا لا يحس بالعبودية بل بما كسب .
. إن الأردن الذي رحب باستضافة القمة هو المسئول الفاعل في إعداد جدول الأعمال وفي توجيه الكولسات ومشاريع القرارات كبلد مضيف ، لهذا سيكون خلال الأسابيع التي ستسبق الانعقاد ، فاتحا صدره ومتهيئا لتلقي رغبات وحوارات الدول العربية ذات الأجندات الخاصة ليصبح بالتالي مستودعا للمواقف الحقيقية والنوايا ، وبالتالي أمام عملية تحضير لموقفه هو . ولا أخاله موقفا ضد موقف أو تطنيش موقف على حساب اخر ، بل سيراً بين الأشواك ، الأمر الذي يجعله في وضع لا يحسد عليه . لأن نجاح أو فشل القمة الذي يُقَيَّم عندهم بعدم نبش الجروح وتعويم المواقف وبوس الوجنات والأنوف ، سيرتبط بادراة الدولة المضيفة . وأنا لا أخشى على دبلوماسية الاردن في هذا، لكن هذا لن يكفي هذه المرة .
لا خلافات سياسية أو طنية بينهم ، ولا استراتيجية قومية ستكون هدفا لهم أو مدار بحث . قضايانا مدولة ونحن لسنا معتبرين كدول ، فجدول الأعمال في واقعه سيكون مرتكزا على بند واحد وما سواه من بنود ديكورا للناس لا يعنيهم . إنه الإرهاب وتطوير التوكؤ عليه ليكون وسيلة لتشكيل تحالفات خارجية ، حتى لا أقول عميلة ، يعزز من خلالها كل زعيم سلطته ، والخلافات بينهم ستكون حول من يتبعون ، لإيران أم لتركيا . ومَن مِن الدولتين هي الأكبر خطرا من اسرائيل على العرب ، ومن هي الأكثر جدية وقدرة من الدولتين على محاربة وقهر الارهاب وأخذ مكانه .
فالإرهاب بالنسبة لمعظم حكامنا يهدد استقرار سلطتهم أو يقضم منها أو يُحرِض عليها . ولهم أيضا فيه مآرب أخرى . فبركوب موجته يتخلون عن مسئولياتهم الداخلية والخارجية ويبررون تنصيب انفسهم حكاما عسكريين على شعوبهم ، ويتناسون فلسطين وشعبها ، ويقدمون أنفسهم للسادة والعالم كمقبولين وكحكماء ، والأهم لهم هو التوكؤ على حليف أجنبي . وكلها تخدم سلطتهم لا أكثر .
.اجتماعات القمة العربية ما زالت قومية الشكل والادعاء ، وما زالت النتائج نفسها ، وليست هناك من دولة لها توجه قومي او تحمل هم قضية عربية ، ولا هماً لدولة عربية اخرى ، والنخبة العربية الحرة أخطأت حين لم تتناول وتبحث وتعري في حينه شعار” البلد اولا” . لقد كانت تطورات القضية الفلسطينية سببا لفكرة مؤتمرات القمة تحت ضغوط الشارع ، وكانت كل زعامة عربية تستغلها لاهتمامتها وأغراضها الخاصة وها هي القضية لم تعد محل اهتمام للعالم ولزعاماتنا .
أما فيما بعد ، تعاظمت المسائل التي تبرر انعقاد القمم وتمددت لدولهم متجاوزة القضية الفلسطينية ، وتَمدد الفشل ، وتكررت هذه القمم بفضائحها حتى أصبحت عبئا عليهم فجعلوا انعقادها روتينا سنويا . وخلال السنة الواحدة تُصْنع القضايا وتُرْتكب المذابح بحق دول العرب وشعوبها ويتولاها غيرهم ، وتَسْتفرد كل دولة بموقف من خارج احراجات ومسرحيات القمم .
إذا العروبة لا تجْمع حكامنا فكيف ولِماذا يجتمعون باسمها ؟ أما التساؤل بكيف ، فيسقط بحكم وجود ألف ألف “كَيفْ” فيما يفعلون وليس من حس ولا جواب بل صَمَم وبُكْم . وفي الثانية أقول ، والله ليحتار العقل حين يُلغَى حتى وجودهم الشكلي فيما يجري من محادثات واجتماعات بشأن ذبح سوريا وشعبها وتركها كجيفة تَنهشها الذئاب ، وحين تتحرك مشاعر من هم في أقاصي الارض ولا تهتز لحكامنا شعرة . وحين يُترك مصير بلداننا العربية وشعوبها لمن يهمه الأمر ، ويكون حكامنا مِمَّن لا يهمهم الأمر .
هل هم فعلا من أصول أخرى مناهضة للعربية جيء بهم من أجل “لماذا “، أو مسلمين على شاكلة يهود الدونمه في تركيا لا سمح الله ، أم هم من صُلب الأمة جُرِدوا من حقوق ومزايا الخُوَّان . شعوب العالم وإعلاميوها وسياسيوها يبكون شعب سورية ، وينحُبوا بقية الشعوب العربية ويصفون حكامها بكلمات غير صالحة للنشر في بلادنا . وفلسطين للجميع لم تعد قضية ولا شعبها وكأن مشاهد مسرحيتها قد انتهت .أعتقد أن المسألة لم تعد تنتظر إلا معلق لجرس .