على هامش اتفاق المناطق بسورية: نزعوا اوطاننا من السجل العقاري الدولي

تنُم وثيقة اتفاق المناطق الامنه عن اتفاق امريكي – روسي – اقليمي على طريق الحسم السياسي للصراع في سوريا . وأن الاطراف السورية المتصارعه لم يكن لها قرار فيها، وكذا الدول العربية فهي معزولة عنه . ومن استمع او قرأ عن الوثيقة يجدها تحمل وتعني الكثير . فسعي النظام السوري لاستعادة سيطرته على الاراضي السورية انتهى، وسعي المعارضة السورية لاستلام السلطة انتهى ايضا، بل أن سعي الطرفين لزيادة المساحة المسيطر عليها قد انتهى . والمطلوب من الطرفين رغما عن ارادتيهما اصبح الانتقال من مرحلة التنافس والاقتتال بالوكالة الى مرحلة التكامل والتعاون بالوكالة أيضا في القتال لطرد المُدخل الارهابي والاجنبي، وهذا ليس بالطبع في صالحهما الان ولا في صالح الاطراف الاقليمية بل أصبح لصالح الدولتين الكبرتين .
إن ما جاء في الوثيقة لم يكن نتيجة نقاش أو اتفاق أو رغبة للطرفين السوريين، النظام والمعارضه ولا يفيدهما التمرد متأخرا، ولم تكن حتى تنازلات منهما بل رضوخ لواقعهما. كما لم يكن ما جاء بها نتيجة تسوية ورضا وقبول بين تركيا وايران بل بين امريكا وروسيا. وما جاء بها ليس مفاجئا، فليس هناك من كان لا يعرف أن سوريا النظام والمعارضه سيادتهما على قراريهما مقيدة ، ولا من كان لا يتوقع بحتمية الاتفاق الروسي الامريكي ولا من يتوقع الحل المرسوم بغير تقسيم سوريا بشكل من اشكال الفدرالية المفصلة لنا تتقاسم فيه الدولتان الكبرتان النفوذ.
فالمناطق الأمنه التي ستتبلور هي رسومات جغرافيه سياسية اوليه تخدم خطة الحل السياسي وطرد غير المرغوب بهم في الساحة السورية من الفصائل والمقاتلين او عزلهم لانتهاء دورهم . ويستطيع المهنئ أن يهنئ روسيا وامريكا على قطع مرحلة في تقاسم النفوذ السيواقتصادي في سوريا على قاعدة طرق انابيب الغاز . وأن يهنئ اسرائيل على تقسيم سوريا وتأمين الجولان وقطع الاتصال بين ايران وحزب الله . وأن يهنئ الاكراد بفوزهم بمنصب العميل المدلل بالمنطقه لامريكا واسرائيل . فالأمور تبدو في كل هذا محسومة . لكن وضع ايران وتركيا في هذه الطبخة غير محسوم .
ليس من شك بأن الدولتين الاقليميتين قد حصلتا على مجرد وعود تغطي اهتماماتهما السياسية الخاصه على طاولة المفاوضات السياسية التي اصبحت مهيأة للنجاح . وقد يحصلان على اليسير اليسير او على لا شيء في هذا . فامريكا عازمة على التحالف مع الاكراد ولو على حساب تركيا المتحوله لمركز الند مع اوروبا . وروسيا ليست بحاجة لايران اكثر من حاجة ابران لها . والاطراف السورية تبحث عن دور يؤكد وجودها حية مع مصروف جيب ولا وسيلة لها في هذا سوى الاستمرار بمحاربة الارهاب ودور قطاع الطرق، فهي والارهاب ادوات للغير والتغيير ومستثناة من اي حصيله .
إن المصالح الاساسية لأمريكا وروسيا هي اقتصادية لوجستيه، الا أن اهتمامات تركيا وايران هي سياسية أمنيه اكثر منها اقتصاديه .فتركيا هي الدولة الوحيده التي تحتكر معابر الغاز من مناطقه الاربعه البعيده الى اوروبا، فهي ليست جزءا من لعبة الغاز فالكل بحاجتها . وايران ستجد طريقا لتسويق غازها . ومن هنا ربما علينا أن نفهم معنى استثناء الأراضي التي يسيطر عليها الاكراد من المناطق الأمنه ومنحهم حق تحرير الرقة على الارض . فتلك المنطقه الكرديه السوريه تمثل ممرا من بين ممرات لنقل الغاز الى تركيا. فقد يكون هذا لصالح إنشاء دولة اومنطقة كردية في سوريا تكون فيه مشروعا جغرافيا اقتصاديا توافقت عليه امريكا وروسيا، وما أعنيه أن تلك المنطقه قد تصبح مشروعا سياسيا دوليا ايضا .
نحن الان امام تهيئه حقيقيه لمفاوضات سياسيه ناجحه لكل من خطط او أسهم في التخطيط للحرب في سوريا . فسيجلس الطرفان السوريان على الطاولة كالأيتام على مأدبة اللئام مرات ومرات بانتظار التوقيع . فليس بيد اي منهما قرار سياسي او عسكري ولا أرض كافية للتفاوض، والمناطق التي بقيت بيد التنظيمات الارهابية في سوريا واسعة ولن تكون بعد تحريرها تحت نفوذ اي من الطرفين السوريين . ولن يكون على الطاولة مفاوضين من الدول العربية او الجامعه التي ستجد طريقها للزوال . وهؤلاء سيكونون أقل مرتبة من شهود الزور لأنهم سيهرولون حفاة ويعودون حفاة …..وبعد،
أقسم بأن اوطاننا العربية نُزِعت من السجل العقاري الدولي وبات تَمَلكها بوضع اليد، فمن يصدق أن أرضا تخلى عنها صاحبها لا يتنافس عليها الأخرون ويَجلبون وكلاءها شهاد زور لينقلوا ملكيتها بقانون، أقسم أن ليس اليوم للعرب نصير ولا حليف ولا صديق، فمن منا يصادق شخصا غير محترم، اقسم أن لا دولة عربية صديقة لأخرى، من منا يصدق أن الضرائر صديقات والمتنافسين متكاملين . . ولا شعب دولة عربية عاد صديقا للأخر، فالأخوة لا يتعرفون على بعضهم يوم الحشر الذي نحن فيه .
. أقسم أننا أشبعنا تاريخنا تزويرا لصالح حكامنا والمستعمرين، رغم أن التاريخ الموثق بعلم الاثار وبحوث علماء الغرب الأخصائيين تؤكد على سبيل الحصر بأننا نحن العرب من انشأ الحضارات الأولى مع السومريين .ثم طوينا مع الألفيات وامتهنا صناعة الكلام والأصنام، لتحولنا عبقرية الاسلام الى تجديد وتطوير الحضارة والتاريخ، واليوم أعادونا لصناعة الكلام والأصنام .
اتمنى أن يأتي يوما فيه للتاريخ محكمه ، فماذا يفيد جر الجناة بأمة وبتاريخها الى محكمة الجنايات الدوليه عندما يكون المطلوب اندثار تلك الأمه . ولو علم الشعب العربي مكونات قوته ومآلات استغلالها واستخدامها لعَذَر تكالب الأمم عليه ولام نفسه على كفره .
كاتب اردني

Leave a Reply