اليونيسكو وجلسة العار العربية

عندما نقول بأننا نعيش حقبة الانحطاط العربي فلا نقصد الحكام فهم ليسوا منا . وأطلقنا عليهم تسميات تكفيهم وتعفينا من لومهم . بل نقصد انحطاط شعوبنا وكل عمال وموظفي ومندوبي دولنا العربيه في داخل الوطن وخارجه في المحافل الدوليه . ورغم أن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما جرى في اجتماع منظمة اليونسكو الأخير (لجنة التراث )، إلا أني لا استطيع إلا أن استعجل وأستبق حديثي بذكر ما تذكرته في اجتماع لأحد رؤساء الوزارات الاردنية مع السفراء الاردنيين قبل سنوات، وكنت واحدا منهم، حيث قال مخاطبنا في سياق حديثه،( إحنا لما بنرسل مسؤول او وزير لاسرائيل في مهمه ما بنقله يروح يتعابط ويتباوس مع المسئول الاسرائيلي، هو اللي بتبرع بذلك والناس بتفسر على كيفها ) .
حادثة اليونسكو، لا تندرج في اطار انحطاط تمثيلنا العربي الدولي، إنها في الواقع تعبر عما يفوق انفصال ممثلينا ومندوبينا عن واقع امتهم وقضاياها الى انكسار شعوبنا من داخلها . وملخصها في تلك الجلسة، أن المندوب الاسرائيلي ابتدأ حديثه عن ارتباط اليهود بالقدس وعرج على الهولوكوست والنازية والحاج الحسيني، وطلب من المجتمعين الوقوف دقيقة صمت على ضحاياها، وو قف الحضور بصورة خجولة . والمفاجأه ان المندوبه الكوبيه أخذت الكلمه مباشرة ومن حولها الأعراب متصنمون، وخاطبت الرئيس والمجتمعين قائلة بأنه ليس من حق ولا من شأن المندوب الاسرائيلي ان يطلب دقيقة صمت، وأن هذا الطلب هو من حق وشأن الرئيس فقط، وأعقبت قائلة، إني بناء على ما جرى اطلب من الحضور ان يقفوا دقيقة صمت على أرواح الضحايا الفلسطينيين، ووقفت ووقف معها الجميع دقيقة صمت . واهتزت محتويات القاعة بالتصفيق طربا لموقف الكوبيه .
بداية علينا أن نعلم بأن حكام بلداننا لا يتابعون مثل هذه الاجتماعات ولا هم معنيون بها ولا حتى وزراء خارجيتها . وإن السياسة الخارجية فيها وإن كانت احتكارا لشخوص حكامها، إلا أن سياسات الدول كلها والقرارات كلها تؤخذ في العواصم لا في الأمم المتحدة . ومن واقع تجربتي الطويله فإنه لا يوجد توجيهات لوفودنا في محافل الأمم المتحدة ومؤسساتها بعدم الدفاع عن قضايانا وعن اعتباراتنا والتنفيس عن احتقان شوارعنا كأمه، ولا بعدم الرد على الادعاءات والمداخلات الاسرائيليه .
وبناء عليه إذا افترضنا ان مندوبينا لا يحسون بوطنيتهم ولا بانتمائهم القومي ولا يؤمنون بقضايا امتهم فما الذي يمنعهم من القيام بواجبهم الوظيفي فقط كما تصرفت المندوبة الكوبيه مثلا . هل هي ثقافه وظيفيه من واقع احساس لديهم بخيانة وعمالة حكامهم لدولهم، وأن عليهم للحفاظ على مكاسبهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك ؟ أم ماذا .
قبل أن نأتي على ذلك، فإني وأنا أتخيل مشهد الذل وهدر الكرامة الذي تلبسه المندوبون العرب في ذلك الاجتماع وألبسوه لكل عربي وعربية، أتذكر معه مباشرة بعض الاعلاميين العرب في الخارج الذين يسمعهم شعبنا من خلال وسائل التواصل وهم ينطقون أحيانا بكلمات ننعتها إفكا بالنابيه، إنها كلمات لا مرادف لها ولا بديل لها عدنا يفي بالغرض او يسد مسدها، إنها وحدها المعبره احيانا عن الحدث وعن ما يشعرون به من قهر وغيض وحيرة،. فأخذ الكوبية لدور مندوبينا العرب يمثل صفعة بجرس غير مقصودة منها، موجهة لكرامتهم وللكرامه العربيه بلا مبرر حقيقي ولا تفسير، فهل هناك من كلمة في قاموسنا تفي بوصفهم .
إنه من قبل التدليس والغش والتضليل للنفس أن يصبح رمي المسئوليات على الحكام وسيلة لاختباء الشعوب وإعفائها من تقصيرها ومسئولياتها، في أي موقع كان الفرد منها . ومن قبيل الخيانة الوطنية والنفاق القاتل أن يكون الفرد “ملكيا أكثر من الملك ” تبرعا، إنه في هذا يتجاوز على الحقيقة ويعظم مرارتها إن كانت مرة أو يزورها إن كانت حلوه . وهؤلاء نشهدهم في الداخل على صعيد اجهزالدولة والنخب المحسوبة عليها، فنرى المغالاة والظلم والفساد يتعظم ونرى التصريحات المنافية للواقع، ونشهدهم أيضا على الصعيد الخارجي .
أما من هم على الصعيد الخارجي او التمثيل الخارجي في اطار المنظمات الدولية، فالمعنيين منهم أكثر حرصا في الامعان بسلوكهم وأشد إيذاء لارتفاع قيمة المنصب او الوظيفه،وأكبر خطورة وتأثيرا سلبيا على دولهم وشعوبهم وقضاياها، لأن عملهم له مساس أوصلة بسياسة أنظمتهم التي يجهلونها من واقع خلوها من الثوابت وكونها ليست من شأنهم ولا اختصاصهم . فيصبح الأمر للموظف المسئول اوالدبلوماسي الذي يتفاجأ ويجد نفسه في موقف يتطلب منه اتخاذ قرار، أمام ورطة تتطلب الاجتهاد . ومهما كانت المسأله بسيطة فإنه قد يرتكب خطأ كبيرا اذا كان اجتهاده خاطئا فينحو غالبا نحو السلبة حماية لنفسه وهذا ربما يكون السبب.
إن صمتكم وتصنمكم في المحافل الدولية أمام الصهيونية يجعلكم شركاء في ضياع الاوطان وهدر كرامة شعوبها . إنكم بسلوككم ترسمون صورة كاريكاتورية مضخمة أمام المجتمع الدولي عن مدى الهوان الذي وصلتم وأوصلتمونا اليه . إنكم يا من يعرف اوصافكم اساتذة اللغة العربية “ممن يطيقونه ” في اوطانهم، تعطون انظباعا للدول والشعوب الحرة والصديقة بأننا لسنا أصحاب حق، وأننا نحن الشعب من نخون انفسنا وقضايانا ولا نستحق اعتبارهم ودعمهم ومساندتهم. والقرار الذي تكرر في الجلسة واروقة الأمم المتحدة لعقود وديس عليه لن يتكرر .
كاتب اردني

Leave a Reply