ان الشعور بالمسئولية، والانتماء والخوف على حاضر ومستقبل الامة مسألة جدية ما زالت بالميزان . وان مثقفا ينظر من الداخل الى كيفية تشكل وتبلور دولنا العربية المعاصرة وعمل اجهزتها ونتائجه، يخال نفسه أمام دول ليست من نتاج التطور الطبيعي للتاريخ البشري السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا من نتاج تطور وتنظيم المجتمعات الانسانية ولا هوامام دولة فيها الحكم وظيفه ومسئولية . فعناصر مكونات الدولة موجدودة بالشكل لكن طبيعتها والية عملها والروابط بينها ليست بالطريقة والمضمون الذي يشكل مفهوم الدوله . فالارض لا يتوفر ما يؤمن حمايتها ولا هي خط أحر للسلطة، والسكان فاقدين لاعتباراتهم المعنوية والمادية والسياسية والقانونيه، والسلطة تعاني من ازمة بالشرعية والانتماء وأجهزتها تعمل بطريقة العصابات.
حرب تُشَن علينا من الخارج والداخل ما توقفت، والمستهدف بالحصيلة وجودنا العربي بكل مكوناته . لماذا ؟ ولماذا نحن فقط، وأين كانت البداية التي اوصلتنا لما وصلنا اليه وما هي البداية التي تخرجنا مما نحن فيه . لقد قال نتنياهو الناطق الرسمي الحالي باسم الصهيونيه بأن صراع الصهيونية مع العرب هو على الوجود وليس الحدود، ووثق المقولة في أكثر من كتاب له، ونحن نعيش ترجمة لها.
الايمان وحده بالحقوق والفكرة لا يكفي للنصر ولا للحماية من السقوط للهاويه إذا لم يسنده عمل بآلية منتجه، بينما تكفي هذه الآلية لنصرة من لا يؤمن بالحقوق وصدق الفكرة، فالشواهد التاريخية أثبتت زيف ارتباط اليهود القدامى والخزريين الجدد المادي والروحي بفلسطين والمنطقة وبأنه ارتباط بالمصالح يسنده الميزان العسكري او تخسفه الخيانه . فكان وجود اليهود القدامى في بلادنا على هذا الأساس، وكان طردهم من فلسطين كغزاة في القرن الرابع الميلادي نهائيا على يد ثيودوسيس الاول Theodosius 1 وتشتتهم الى اقليات متناقصة ومتلاشية دون ذكر منهم لفلسطين وللمنطقة لمدة عشرين قرنا يدلل ايضا على عدم ارتباطهم بالارض، حتى عاد ورثة ثقافتهم وليس عرقهم على نفس الفكرة الاستعمارية لدى اختلال الميزان العسكر لصالحهم.
ولنستمع بهذا الى ما قاله بنيامين فريدمان اليهودي الامريكي الخزري عام 1974 مخاطبا كل مسيحيي امريكا عندما استفاق ضميره ” لقد قيل لكم أن واجبكم المسيحي يفرض عليكم اعادة شعب الله المختار الى ارض الميعاد وانا الان أاخبركم أن هذه الكذبة قد بحثت في 324 وثيقة رسمية وفي خرائط وكتب أخرها Encyclopedia Britannica المجلد الخامس عشر . ووجد بأن الخزر ومنهم متهودو الخزر المنتشرين في العالم اليوم هم من قبائل منغولية –تركية – فنلنديه نجحوا في اخراج الناس فيما يعرف اليوم روسيا واكرانيا لا لشيء سوى أن سكان تلك البلاد لم يكونوا مدربين على القتال وأسسوا دولة الخزر. وهم انفسهم استطاعوا فعل نفس الشيء في الشرق الأوسط في فلسطين” انتهى.
هذا ما كان، أما الكائن اليوم هو إن استخدام آلية التفوق العسكري لم تعد آلية ناجحة لاغتصاب الحقوق ولا لاستقرار الاحتلال لمحتل، ولم يعد حتى مجرد امتلاك وسيلة الردع العسكري احلالا كافيا عن التوازن العسكري للحفاظ على الاوطان وحريات الشعوب ولا ضامنا لتقدمها ورخائها . وإن الآلية العصرية الحاسمة في كل هذه الامور هي الية النهج الديمقراطي المنتجه، وهو نهج تختطه الدول والشعوب لنفسها لا للأخرين، ولا ينعكس عمل هذه الالية أيجابيا في العلاقات الدولية الا فيما بين الدول الذي تختطه كنهج سياسي لها . فهذه الالية لا تعمل بين دولة ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية بل تستغل سلبيا ومن هنا كانت الديمقرطية من المحرمات علينا وكانت هزائمنا المعاصرة.
فالهزائم الحقيقية والانتصارات الحقيقية تقاس بهزائم او انتصارات الشعوب. والشعوب لا تهزم الا حين تفقد ارادتها، ولا ارادة لها في غياب الديمقراطية، انها معركة حياة اوموت لشعوبنا ودولها، وطريقنا للخلاص لا تبدأ إلا منها . نحن للأسف لا نخوض حربا من اجل الديمقراطية بل تخاض علينا بحرب استباقية مستمرة من قبل الصهيونية وحلفائها بالمنطقة وقوادوا الأوطان، وانجرت النخب العربية لتجعل من نفسها ديكورا مزيفا لها.
ليس هناك فرق إيجابي بين الاستعمار الاجنبي والدكتاتورية المحليه , فلا الدولة بأيد أمينه في أي منهما ولا انسانها يتمتع بحق المواطنه . ولا باستطاعتنا الاكتفاء بالقول أن الفرق هو في تغيير الوجوه الأجنبية بأخرى بلديه لأن الدكتاتورية المحلية تعمي العيون وتخدع الشعوب فلا تعرف أنها مستعمرة، فيبقى الاستعمار ويطول، وتتدمر الدول بأيدي ابناءها المفترض بهم تحريرها فتستعبد الشعوب . إنها احتكار للراي والقرار منطويا على اختزال والغاء عقول ورؤى ووجهات نظر الاخرين بل لابداعاتهم وتجاربهم وخبراتهم وبالتالي طموحاتهم . وإن كانت الدكتاتورية في المنزل او المدرسة او المؤسسة تؤدي لفشل تلك المؤسسه، فإن الدكتاتورية في الدولة أو السلطة لا يتوقف عند حقوق المواطنة والناس واغتصابها بل يتعداه الى قطيعة بين مكوانات الدولة وفشلها وتدميرها بمكوناتها . ولا فرق بالنتائج في المحصلة بين دكتاتورية وأخرى وطنية كانت او رجعية او عميله . وليس من منها رحيمة ولا راشده، وكلها تستحل سفك الدم ورهن الوطن إذا شعر صاحبها بخطر جدي على سلطته.
الأمة تبدو ميته، لكن ما أعظم كلمات الرب عندما يَرزق بغير حساب ولا أسباب، فهل نستثمر هذا الرزق . إن نتنياهو هو آخر مخلفات الرعيل الأول للصهيونية من الذين يتعاملون بصراعهم معنا باستخدام الفكر وبعقلية التآمر السياسي والحنكة والدبلوماسية والثعلبه . وأستطيع القول بالقياس أنه أخر رجالهم المحترمين وحملة سقوفهم، وسيختفي ويختفي معه أخر رجالنا المحترمين وسقوفهم . وسيكون حكامنا المتنافسين على الانبطاح كلهم في مواجهة مع حكام لاسرائيل زعران وقطاع طرق ودواعش روس لا يفقهون معنى للحكمة ولا للمراوغة او السياسه . وهذا ما يؤسس لانهيار هذه الدولة غير الشرعيه، إلا أن هذا جاء في غياب رعيلنا من الحكام المنتمين للأمة بصرف النظر عن دكتاتوريتهم القاتله، وفي غياب لحمة شعوبنا وشعورها القومي وانهيار جيوشنا ودولنا .فهل يكون هناك انعتاق عربي رسمي من قيود الصهيونية أم استسلام للبلطجه الصهيونية القادمه …الموضوع متعلق بالشعوب.