السياسة الخارجية وراء كل معاناة.. وتجعل من الاردن دولة افتراضيه.. وفي تحريرها يكمن الخلاص.. والاصلاح أساسه فاسد ما لم يحاكي النهج السياسي القائم

يُحدِّث التاريخ كما كتبه ووثقه الغربيون أن سبب إقامة دولة شرق الاردن في بداية عشرينيات القرن الماضي وإخراجها من وعد بلفور هو لتنفيذ سياسة وضعت امام قيادة الامارة لخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين وانجاحه على مراحل تُمَكن من هضم فلسطين والانطلاق منها للأردن الذي اعتُبر دولة افتراضية لاستيعاب المحذورات السكانية الاقتصادية والأمنية للاحتلال ومنه للمنطقه باتجاه المشروع الصهيوني الكبير . إن هذه السياسه التي فصلها وحددها التحالف الغربي الصهيوني هي سياسة خاصة به يمليها من خلال هامش للنقاش مع القياده لسلامة التنفيذ .
الا أنه كان على القيادة الهاشمية الطامحه أن تختط سياسة ظل خاصة بها باسم الدوله . وكان عليها أن تراعي في صياغتها لهذه السياسة ثلاثة اهتمامات أساسية بالنسبة لها ، وأن يكون التوفيق بينها هو التحدي للوصول لهدفها النهائي وهو الحفاظ على المُلْك في دوله . الاول هو تنفيذ التزامها أمام المستعمر قدر المستطاع بصفته صاحب العقد والقوة والحمايه . والثاني التزامها الأدبي والدبلوماسي امام الشعب الاردني وطموحاته التي تلتقي ايضا مع طموحات الشعب الفلسطيني . والثالث التزامها بتحقيق مصالحها كقياده طامحه للمُلك والبقاء فيه .
فاختارت القيادة الهاشمية هدفين تقوم عليهما صياغة سياستها الخارجية هما الحفاظ على تحالفها مع المعسكرالغربي المناصر للصهيونية وأهدافها وعدم اعطائه ذريعة تدفعه للتخلي عن حمايتها او استبدالها ، والبديل كان هنا في غالب الأحيان فلسطينيا كفزاعة . والهدف الثاني هو السعي الدؤوب لتأمين المال الكافي لتغطية احتياجاتها المتزايده الخاصة بها كعائله ، وأخرى لتسهيل متطلبات اخضاع السياسة الداخلية للخارجيه على الصعيدين المدني والعسكري ولتأمين الخدمات الاساسية والاستقرار الشعبي وصولا لبناء دولة وفرض الاستدامة لمُلكها .
وكان اختيار القيادة للهدفين هو من واقع أسباب أهمها ثلاثة :
الأول — إدراكها بأن الصهيونية الغربية تريد من الاردن دولة دور تنتهي معه هذه القياده وهوية الاردنيين والفلسطينيين على الارض الاردنيه .
الثاني — علمها بأنها كقياده ليست على اجندة الصهيونية بأكثر من عميل لا سمح الله ، وأن ما على الاجندة هي المصالح المشتركه المبرمجه . ويقول المؤرخ البريطاني آفي شلايم في هذا بكتابه أسد الاردن من واقع الارشيف البريطاني ، والمسوق في الاردن ما نصه في الصفحة 12 ” كان البريطانيون يبحثون عن عميل اوزبون مطواوع plaint client يكون موثوقا يعهد اليه حكم أرض مهجورة او فارغة شرق النهر نيابة عنهم” ويضيف في الصفحه 13 -14 ما نصه ” وهكذا وبجرة قلم خلق تشرشل في مساء يوم أحد مشمس امارة شرق الاردن واعترفت بها بريطانيا على اساس اقامة نظام دستوري والموافقه على اتفاقيه تمكن بريطانيا من تنفيذ التزاماتها الدوليه ” ..
الثالث – من واقع علم القيادة الهاشمية أن المستعمر الصهيوني عندما خطط لأن لا يكون أو يصبح الاردن دولة مستقلة وقابلة للبقاء بشعب محدد الهوية ، قد قرر بنفس الوقت أن يبقى في غرفة الانعاش اقتصاديا ودائم الحاجة للمال والحماية . لكن القيادة الهاشمية بالمقابل أدركت أن مسألة الحصار المالي على الدولة هوالهامش الذي تستطيع المناورة فيه لتحقيق هدف الابقاء على مُلكها بدولة في غمرة انسجامها مع تنفيذ غايات المستعمر على الجبهتين الفلسطينية والأردنية .
إن متطلبات تنفيذ هدفي السياسة الخارجيه كانت وما زالت تداعيتها أكبر وأقسى عبء متنامي على الشعب والوطن معا . وإن السبب وراء كل مشكلة يواجهها الاردنيون دون حل لها او مساومة هو الالتزام بتنفيذ هذه السياسة ومتطلباتها التي فصلتها بكتابي ” السياسة الخارجبة الاردنية وتطورها ” . إنها سياسة تشكل التناقض الأساسي لمعيشة وهوية الأردني ومستقبله ولكينونته السياسية . وإن كل محاولات النخب والمصلحين للاصلاح أساسها فاسد تماما ما لم تحاكي النهج السياسي القائم . فطبيعة المشكلة التي نواجهها ليست في الدستور ولا في الحكومات ولا هي اقتصاديه ، إنها مشكلة سياسيه تكمن في النهج الذي ورَّط الملك في دكتاتورية فريدة تراوحت بين حنان الأم والقتل الرحيم .-
حيث كانت القيادة الهاشمية تدرك ان نجاحها في تنفيذ سياستها الخارجية ضمن محددات غير قوميه ، ومرتبطه بتنفيذ سياسة داخلية ضمن محددات غير وطنيه ، يتطلب السرية والتفرد والغموض والتدليس . وبالتالي احتكار كامل للسياسة الخارجية استوجب احتكار كل السياسات والقرارات الداخليه حيثما كان لها مساس او علاقه اوتأثير بالسياسة الخارجيه . مما جعل هذا الاحتكار ينسحب على كل مفاصل الدولة من قضاء وتشريع وأمن واقتصاد وجيش . ..
أما اليوم فقد وصل المستعمر الصهيوني بمشروعه مرحلة متقدمه ، وقطعت القيادة الهاشمية مرحلة في ترسيخ دوله ولكن بلا هويه سكانيه أو وطنية وبلا مقومات البقاء . .وأصبحنا أمام تناقض في المصالح والأولويات بين الصهيونية والقياده الاردنيه نتييجة استحقاقات المرحله السياسية كمرحلة تبدو نهائبه ، بدأت فيها مظاهر فك اسرائيل الارتباط مع القيادة الاردنية تظهر ، وباتت معها اتفاقية وادي عربة بالنسبة لاسرائيل ساقطة عمليا فيما يخص ترسيخ النظام ، ومحل تجاهل كامل . يقابل ذلك تمسك قيادتنا بها حرفيا من جانب واحد كتمسك الغريق بقشه .
كما بدأت أيضا تداعيات فك اسرائيل ارتباطها مع القيادة الاردنية تظهر على المشهد الاردني الداخلي بنخر الدولة بالديون التي لا تتفق رقميا مع وجود اقتصاد لدوله ، وبالفساد والخاوات وفلتان انضباط الأجهزه والافقار والطبقية والتهديدات الأمنية وبشتى الوسائل التي تقنع الاردنيين بأن دولتهم افتراضيه وأن القيادة الهاشمية لا تعمل لصالحهم . بمعنى أن سياسة الخنق الاقتصادي والإشعار بعدم الامان والاذلال والابتزاز التي مارسها المعسكر الصهيوني ضد النظام منذ بداية انشاء الامارة ، اصبح يمارسها هذا المعسكر نفسها على الشعب الاردني ، والهدف واحد ..
القيادة الهاشمية مدعوة اليوم أكثر من اي وقت مضى لأن تقرأ المشهدين الدولي الاقليمي من ناحيه ، وتقرأ المشهد الاردني الداخلي وطنيا بعين وسياسيا بالأخرى ، قراءة صحيحة وواقعية . فالمشهدان يُحتمان على هذه القيادة أن تنقلب على نهجها السياسي الخارجي التقليدي ، وعلى نهجها الداخلي المستجد في تفاقمه والقائم على خيار الصفر . ، فالأردن بات مفكك الجبهة الداخلية اتجاه القيادة واتجاه نفسه ، ونهبا للطبقية الفاسده وفي مهب رياح الصهيونيه ، وباتت القيادة الهاشمية هي الحلقة الأضعف سياسيا والأحوج للمبادرة بفك ارتباطها بالمعسكر الغربي الصهيوني . والشعب تواق لهذا التغيير ، ومقومات نجاحه قائمة ومتاحة أكثر من اي وقت مضى ،.فهل يقوده الملك أم الشعب ؟ أم كلاهما يعيشان حالة الانكار للواقع ؟ .
كاتب اردني

Leave a Reply