الزمن يسير بكل الأمم وتوقف عند العرب. إن انشغال نخب الشعب العربي بنزاعات النزع الأخير بالكتابة والوصف والنقد والاصطفافات لا يساعد بتغيير النتيجة لمصير الأمة بل يستجيب لها. فالحرب علينا ونحن أذناب فيها ولسنا من قادتها. ولن يكون نصيبنا من المنتصر فيها اكثر من رعايا في اراضينا. مشكلتنا عميقة وليست مسألة عسكر وسياسيين ولا عظات. بل في تساؤلات تطرح للبحث والنقاش والحل في مراكز عقول وبحث ودراسات حقيقية ومؤمنه بانسانية العربي وحقوقه ، واعيه على تاريخه وقدراته.
أرى بأن كل ما نطرحه او يطرح من اسباب لحالة تخلف وتهاوي الأمة هي في واقعها نتائج لأسباب ومقدمات. وبحثنا فيها مضلل. فالخلط بين السبب والنتيجة يعمي البصيرة ويبقينا نعيش مع النتيجة المتراجعة ، فالسكون في محيط سائر تراجع ، والتراجع عفن وموت.
مشكلتنا لا نتلمسها في سلوك الحكام وحدهم بل في سلوك الشعب في الاصل ايضا. ولعلي اطرح تساؤلين محوريين يمثلان ظاهرتين عندنا شاذتين ولا وجود لهما في الدول المعاصرة وشعوبها ، وأطرح على خلفيتهما حقائق لصيقة بأمتنا دون غيرها من الأمم قد يكون بحثها مفتاحا مرتبطا بالظاهرتين وبتهاوي الامة. اما الظاهرتان فهما.
الأول ، لماذ تتوقف الندِّية في صداقات وتحالفات الحكلم العرب ويغيب معها استقلاية السياسة والقرار منذ أن قامت دولنا الحديثة في النصف الاول من القرن الفائت ؟ ولماذا لا تقوم على المصالح المشتركه والشراكه. نحن نفهم أن مثل هذه العلاقة وهذا السلوك يكون طبيعيا في الحالة الاستعمارية وتنتهي مع زوالها ، وبأنه إذا زال الاستعمار ولم تزول الحالة يكون زواله خادعا ، او أن من استلموا الحكم من بعده هم خون ، إلا أن حكامنا قد مارسوا الوطنية والخيانة ، وساند الشعب كليهما ولم تتغير المعادله ، وإن كنا ما زلنا تحت الاستعمار فأين نهايته. والمفارقه أن هذه الظاهره في الدول العربية انتقلت كممارسه بين الحكام العرب انفسهم وأصبحنا نرى تحالفات عربية تقوم على استسلام حاكم لقرارات وسياسات حليف له عربي ، فالخصوصيات الطبيعية في بلادنا وممارساتنا ليس لها اعتبار.
الثاني ، ماذا وراء استكانة شعوب الدول العربية وامتناعها عن فعل شيء ازاء حالتهم وحالة دولهم وسلوك حكامهم ، وكيف سلبت ارادتهم واعتباراتهم ، ولا يتعدى سقفهم الكلام انتقادا وشتما ومدحا وتضرعا منقوصا لله ، والاتكال على فعل الغير. فلا الجوع يحركهم ولا التشريد ولا الظلم ولا اغتصاب الحقوق وهدر الكرامات بين الأمم ولا مستقبل أكثر ظلمة ، وفوق هذا أقداسهم محتلة وقدس أقداسهم رهينة في أيدي أعدائها .
للوصول الى الحقيقة ومعرفة الاسباب وعلاجها علينا اعتبار هذان التساؤلان أعلاه نتيجة لسبب وليس سببا لنتيجه، وأن نجد السبب ونبحث فيه ، ولو من باب أن لكل سبب سببا. وبما ان حالتنا تبدو غير متساوقة مع ما نمتلكه من مقومات معنوية ومادية وفكرية ولا مع مخزون الأمه الموثق بالتاريخ. ولا تتفق او تتواكب مع مسيرة وواقع الأمم الاخرى بما فيه تلك التي تشابهت ظروف استعمارها واستقلالها وتحالفاتها مع ظروفنا ، فإننا مضطرين لأن نبدأ في تلمس رأسنا وجوفنا نبحث عن خصوصيات فينا وعندنا لا تشاركنا فيها امة أخرى كي نتهمها ونحاكمها ونركز جهودنا على معالجتها.وبهذا فإن الباحث عن أشياء في امة العرب تنفرد بها عن بقية الأمم المعاصره يجد امامه المسائل التاليه على سبيل المثال وليس الحصر ، وهي مسائل يجب ان تكون ماثلة في مواجهة الحالة التي نعيشها بالظاهرتين :
1- التركيز على الدين وعلى استخدامه ، ومع أن هذه قد ابتدأت سياسة لكل حكام العالم القديم والحديث الى ما قبل ثلاثة قرون وانتهت في كل الدول المعاصره الا أنها في الدول العربية فقد تفاقمت وأتسعت لتصبح سلوكا طاغيا للناس العاديين وليس للحكام فقط ، وكذلك محلا قاتلا لاستخدام الاجنبي.
2 – فشل فكرة الحزبية والاحزاب العقائدية والبرامجية على السواء ، واتهام فكرة المعارضه ، والحرب على عليها.
3 – التركيز على المرأه اجتماعيا وسلوكيا واستخداما كقضية أساسية للأمة ذات اولويه وقواعد ثابته لا تقبل التغيير ، ومع أن هذه المسأله تسير باتجاه استعباد المراة و تعطيل دورها إلا أنها محل انشغال وتركيز مجتمعي في غير مكانه وزمانه ، وإن طرحها كمسأله حكومه ودوله وتدويلها هو من قبيل خلق مشكلة داخليه عامة وتكريسا وتعقيدا لها حيث أن تحرير المرأة يكون من مكان نشوء تقيد حريتها وعدم مساواتها بشقيقها داخل الأسره.
4 – التمسك بأواصر القربى والنسب والقبيله والاصرار على إعطاء ذلك الأولوية في التكتل والتنسيق والاصطفاف على حساب الدولة والمواطنه والقيادة الجمعية ووحدة الهوية والاحزاب والمبادئ والعقائد وبما يلامس الدين نفسه. وهذا فيه تكريس لتفضيل قيادة ومرجعية الأب او الشيخ. بمعنى أنه شعب ليست النزعة الديمقراطية من طبيعته ولا يفضلها.
5 – البلاغة وصناعة الكلام تتفوق عنده على صناعة العمل ، بل أن النطق بالكلمة يساوي ترجمتها لعمل او يغني عنه.وهذه يتساوى فيها الناس والحكام الى حد بعيد. ولا تدخل في باب الكذب بقدر ما هي جزئية ثقافية اجتماعيه انسحبت على مختلف المناسبات.
6 – ،شاءت الظروف أن يكون الوطن العربي وفلسطين بالذات منطلق المشروع الصهيوني العالمي المضمن في بروتوكولات حكماء صهيون. وان فلسطين هي الحالة الاستعمارية الوحيده الباقيه على جدول اعمال المجتمع الدولي في الامم المتحده.
هذه هي المهمة الأساسية والمنتجة التي يجب أن تتناولها النخب العربية ومراكز البحث خدمة لحاضر ومستقبل أمة بلا بوصله للنجاة. وإن انشغال وانخراط الشعب العربي ونخبه في الحرب الدولية والاقليمية والسياسات الجاريه على هامش قضاياه والذي يقوم على أمال له في فعل من هذا المعسكر أوذاك بناء على اعتقاد بأنه يصب في مصلحته او اقل خطرا او لأن عدوعدوي صديقي هو انشغال عقيم في المحصلة ونحسبه استجابة لمقاومة اليأس وليس أكثر من ذلك ، فالشعوب وحدها من تحل قضاياها الوطنية والقومية على مقاسها الصحيح او المطلوب ولا يحرث الارض الا عجولها.
إن الحالة العربية القائمة حالة تاريخية في ندرتها وتعقيدها ومنشئها ومسراها.ولو كانت في زمن متقدم لاحتاجت الى نبي. ولو نطق العقل المفعل فيها اليوم بحق لقال يا عرب انتم الضحية في كل الحالات لأن الحقيقة غائبة عنكم وانتم لا تبحثون عنها ولا فيها. لكني أتساؤل في الختام هل أن الحالة التي سيتم فيها إخضاع وتحقير واستعباد وإذلال كل الدول العربية وشعوبها بلا استثناء هي التي ستشكل البيئة المواتية لتلاقي العقل العربي الجمعي نحو التحرر. هذه الحالة فيها منطق ونحن سائرين اليها ، فهل يستبقها حكماء وخبراء وعقلاء الأمة لمناقشة أسباب الحالة المزمنه ونقلنا لحقبة التنوير.
كاتب عربي