يمتلك الملك عبدالله كملك على الاردن مقومات الرقم الاصعب على امريكا واسرائيل في المنطقه، فهو الأثقل وزنا سياسيا والأكثر تأثيرا من بقية الحكام إذا فعَّل هذه المقومات التي تتجاوز موقع الاردن الجغرافي الى واقعه الديمغرافي. فالأردن هو قاعدة الشعبين الاردني والفلسطيني محل المؤامره، وأصحاب المصلحة العليا بالقضية الفلسطينية ومكوناتها،وأصحاب الرفض او القبول، ويمثلان الثقل الشعبي الفاعل في المنطقه .وتفعيل الملك لهذه الورقه الحقيقية هو بالإنسجام مع خطاب شعبه . وهذا هو السر في جعل الملك الحلقة الأقوىأو الأضعف.
إن مقتل الملك سياسيا، وعزله على الاصعدة الدولية، والعربية المنبطحة، والاقليميه البرجماتية، مرتبط في تجاهله لخصوصية شعبه وجبهته الداخلية التي تميزه كشعب عن كل شعوب الدول العربية وغير العربية في التأثير على مجرى الاحداث السياسية في اطار القضية الفلسطينية . وبالمقابل فإن تعزيز الملك لملكه ولمنصته السياسية وشوكة خطابه وحرمة منزلته الهاشمية الاعتبارية تُصان وتتجلى بالتزامه بالخطاب الشعبي بعيدا عن كواليس التآمر الدولي والعربي والحقد والعفن واستخدام المال والمواقف، في كل هذا.
إن تاريخ العائلة الهاشمية في المنطقة هو تاريخ مطبات سياسية ما أن يخرج من واحدة حتى يدخل بأخرى على وقع الوعود، انزلقت اليها القيادة في الأردن تحت ضغوطات داخلية اقتصادية ومالية بمقتضى الحصار المفروض على الدولة منذ تأسيسها، وتحت ضغوطات عسكرية امنية سياسية بمقتضى الابتزاز الصهيو امريكي في تهديد سلطة وحكم العائله، وكل ذلك على مذبح تفعيلها لشرعيتها القومية والدينيه.
إنه تاريخ استخدام بالمجان،إلى أن انتهى هذا الاستخدام من الجانب الأخر، بعد ان اعتقدوا بأن الامور وصلت لنهايتها، وبأنهمنجحوا بافساد العلاقة بين الملك وشعبهدون رجعة ممكنه، واعتقادهم بأن إفساد رتابة علاقة الملك بالعائلة الهاشمية المالكه توطد . ألا انهم باذن الله وصحوة الملك سيخسأوون وتكون خسارتهم كبيره .فالشعب الأردني وكل مواطن في الاردن تواق للقاء الملك وتحالفه، والعائلة الهاشمية لا يقودها بعير مراهق ولا نهواش العرب.
نتمنى ان يكون ما نتلمسه من بوادر تغيير في سياسة الملك الخارجية أن تكون قائمة على قناعة استراتيجية لا تكتيكية، وأن تتطور باتجاه أعمق وأوسع نحو الاصطفاف الندي المتكافئ والمتوازن مع كل القوى الرافضة للاستسلام والخضوع لامريكا والصهيونية في المنطقه، ومع كل قوة على الارض تحترم قدسية الاوطان وتتفهم موقفنا من جريمة العصر، جريمة احتلال فلسطين والتنكيل بشعبها وحقوقه لا على منطق سوى منطق اختلال توازن القوه واستثماره فيما بعد باستخدام أسلحة الخداع والابتزاز والتآمر.
نتمنى لزيارة الملك لتركيا اردوغان الشجاعة ازاء قضية فلسطين وقضايانا ووقوفها الصارخ بوجه اسرائيل وامريكا الحليفة التقليدية لها، أن تكون زيارة استراتيجية على انقاض عتاب تاريخي جدلي . وان تمثل موقفا مستجدا، يعززه ويعزز مصداقيته زيارة اخرى الى ايران، ايران القوه الاسلامية التي ترفع شعار لا لامريكا ولا لاسرائيل وتتر جمه بمرمغة انف جبروتهما بالتراب وما زالت منذ خمسة واربعين عاما . هذا هو حلفنا الطبيعي، والباقي فيما ينغص علاقاتنا تفاصيل تولد تفاصيلا، وراؤها كلها الحلف الصهيو امريكي، ويمكن معالجتها.
قرار ترمب الاخير لا يرتب على القدس والقضية الفلسطينية أي تغيير او جديد على الواقع القائم منذ الاحتلال قيد أنمله .ولن يُحتذى من دولة فاعله، ولن يغير قرارات مجلس الامن بحق القدس، وسيبقى موقفا معزولا دون أثر قانوني او سياسي . وقد يضطر ترمب لإماتته خيبة وحفظا لماء الوجه . إنه قرار لا يخرج عن اعلان من متطفل على السياسة، يكشف فيه علاقة امريكا الحقيقية بأصدقائها من الحكام العرب امام شعوبهم، وعن مرحلة تترك فيها امريكا واسرائيل وراءهما الحكام العرب والعملية السلمية والمفاوضات والمعاهدات والقرارات الدولية لأقدارها على خلفية سقوط النظام العربي الرسمي، لتأخذان زمام امور تصفية القضية من طرف واحد،وبالإعتماد على صنيعين في دولتين عربيتين إن لزم الامر.
. لكنه قرار يخدم القضية الفلسطينية خدمة يفترض أن تقلب الميزان الاستراتيجي لصالحها . فأصدقاء امريكا من العرب ليسوا سواء في مواقفهم وسياساتهم اتجاه القضية الفلسطينية ولا في مصالحهم وأهدافهم، فالقرار مع انه جاء على خلفية خدمة شعبوية واهمة لشخصيتين صهيونيتين يتأرجح كرسييهما فزاده تأرجحا نحو السقوط، لكنه جاء ايضا في خضم مرحلة انقلابية جديدة جدا على القضية الفلسطينية والنزاع العربي الاسرائيلي، ليخلق مرحلة ستكون فعلا جديدة بإيجابيتها على القضية الفلسطينية على الصعيد العربي الشعبي والرسمي . فالموقف الجديد المطلوب والمفترض عربيا هو موقف من الحكام العرب لا من الشعوب العربية المكلومة وحدها، فهي الرديف القوي للقرارات الحاسمه، والضامن الحقيقيلسلامة حكم الحكام إذا تحولوا لقادة في صفها.
نأمل أن لا تعود الثقة بأمريكا ثانيةتحت اي ذريعة جديدة او أي ضغط دولي، وأن لا تكون مستقبلا أية رعاية لمفاوضات أوتسوية إلا دولية، وأن يُنهي قرار ترمب الاصطفاف العربي الموحد مع امريكا واسرائيل . ويُفرز المخدوع وصاحب النوايا السليمة من حكامنا عن المتأمرين الواعين على سلوكهم . ويخلق اصطفافات أكثر وعيا وصدقا وسلامة،وينقل الملك بالذات الى مكاننا ومكانه الصحيح .فلعل قرار ترمب الأحمق المستهتر بالمجمل وبالجميع يكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر مشروع أوصله حكامنا لنهاياته التي لن ترى النور بإذن الله.
إننا نتلهف لرؤية شجاعة الملك تُترجم في تبنيه لخيار شعبه والشعوب العربية كلها، ونتطلع الى انقلابه على لعبة امريكا في تحقيق المشروع الصهيوني المحمول على ظهورحُمُر في واشنطن وتل ابيب وبعران في بيت نهواش العرب،كما انقلبوا عليه وعلى وعودهم الكاذبه له . لا مجاملة ولا تزلفا اقول، بل حزنا على شعوبنا من حكامها . ان الملك عبداللهيبدو وكأنه وحده المتضرر والمتأثر من بين الحكام العرب، ووحده تفاعل هما وألما مع الموقف الأمريكي المشين الذي دَفن في لحظة صدق مسرحية مفاوضات التزم بها النظام الهاشمي قراية سبعين عاما.
ايها الملك الهاشمي الذي تمسك به شعبه في كل الظروف، شعبك الاردني يئن فقرا ويعاني ضنك العيش والقهر والاذلال والتهميش نتيجة الرضوخ لقرارات بنكهم وصندوقهم السياسيين الابتزازيين، والذي فتح الباب على مستقبل غير مقروء لأحد، وعلى تهزيء الدستور وفساد اعمى وتفكك اجتماعي ويأس وعتب كبير غلى صمتك، ومع هذا لم يخرج للشارع حتى لا يُستغل ضدك، لكنه خرج ولا يملك إلا أن يخرج في كل الظروف لنصرة فلسطين والاقصى، نصرة لكرامته امام شعوب الأرض ووفاء لدماء الشهداء، وليعبر عن رغبته الجامحة في انقلابك على سياسة ونوايا امريكا واسرائيل، طالبا منك التماهي معه، إنه يستحق منك ان تمد يدك ليده الممدوده.
كاتب عربي