لم يعد في النظام العربي الرسمي جبهات رفض او مقاومه وباتت تبدو الحالة الفلسطينية تحت الإحتلال المباشر هي الأقدر على الحركة والتعبير والرفض . وهذا يعزز القول بأن الطريق الأنجع لتحرر الشعوب العربية هو في الخروج من حالة الاستعمار غير المباشر الى الاحتلال المباشر. وهي الحقيقة التي تعلمها الدول الطامعه ، وتعلم معها كلفة الاحتلال المباشر وفقدانه للمسوغ القانوني . فأخذت مسار الاستعمار غير المباشر لدولنا . وهذا يُعَبَر عنه بمناطق النفوذ وبالأستحواذ على القرار السياسي بالابتزاز والقوة العسكربة والقواعد الثرية .
المشهد التاريخي يقول بأن الاستعمار الغربي غير المباشر دخل الدول العربية المعنية منذ نشأتها الحديثة ، وبقيت بعض الدول تحت مسمى دول الرفض والمقاومه للمشروع الغربي الصهيوني . وتقلصت هذه الدول بانضمام بعضها الى خانة الدول المستعمَره استعمارا غير مباشر ، كمصر والعراق وانكفأت الأخرى على نفسها كالجزائر مثلا وبقيت سوريه وحدها.
المشهد الحالي يقول في ضوء الحالة السورية المستجده ، أصبحت الدول الطامعه في الوطن العربي أو بموطئ قدم فيه هي امريكا والكيان الصهيوني وروسيا وايران وتركيا ، وجميعها تسيطر على اراض سورية وتنتهك سيادتها مع أن روسيا مغطاة بالقانون وحليفة للقيادة . هذه الدول تتنافس وتتحالف ، تختلف وتتلاقى ، تتصارع وتتصالح ، وليس لاي منها نوايا بالحرب على الاخرى . لكنها جميعها أخذت تتمدد للخطوط الرمادية في الوطن العربي اقتناصا لفرص تسنح.
ليس المديح صنعة لأصحاب القضايا ولا الشتم ، وليس هناك من هو فوق النقد . الحديث هو عن سوريا كرهان اخير باعتبارها المؤشر الماثل على صياغة مستقبل وطننا العربي . فهل تحولت سوريا الى دولة مستعمرة استعمارا غير مباشر لدولة كبرى صديقة للعرب ؟ في موازاة شقيقاتها المستعمَرة للمعسكر الغربي الصهيوني ، وأنه بهذا نكون قد فقدنا قبلة الصوت العربي الحر الأخير مثلا ؟ . نقدر للقيادة السورية وقوفها الصلب بوجه هجمة المؤامرة العربية الصهيونية ولا نعفي العرب من دم سوريا ولكن لأين تسير القيادة السورية بسوريه ، ونعرف أن قيادات شقيقاتها تسير بدولها لسوق بيع العروبة والأرض والقيم بالجملة والقطعه لصالح بقائها بالسلطة كوكيلة للمستعمر لا كشريك .
وهل لرئيس الأسد يمتلك حاليا السيادة على قراره السياسي ؟ من خطأ القول الجزم بنعم . بل لو افترضنا أن تقاطع المصالح بينها وبين روسيا انتهى وحلت محله تضارب في المصالح في جزئية سياسية كبيرة ما ، وطلب الأسد من بوتين الخروج من سورية ، فهل يكون الرد الروسي بأقل من التخلص من الاسد واستبداله ؟ . لكن التساؤل هنا عن قرارات سياسية كبيرة يتخذها الأسد على افتراض أو أساس انه يمتلك السيادة على القرار كما يعتقد البعض ، وهو حق لهم .
وأقول إن سوريا كدوله وكقياده تعيش حالة من عدم الاستقرار واجتزاء السيادة والفوضى الأمنية والجغرافية وعدم وضوح في مستقبل التسويه وطبيعتها للأن .والمرء يتساءل بالمنطق الوطني السليم والقرار السياسي الحر إن كانت القيادة السورية تمتلك في هذه الظروف التي تعيشها سوريا حق عقد اتفاقيات دولية طويلة الأمد مع دول أجنبية لها تبعياتها كالقواعد العسكرية المسمنة مكافأة لها بالمجان على مساعدة لم تُقَدم تبرعا ولا عشقا بسوريا والعرب بل لتحقيق مصالح لها اقتصادية وعسكرية وسياسية غاية في الأهمية لها . وهذا أمر نفهمه ونعايشه ولكن مع أنظمة عربية اخرى وكيلة لمستعمر .
روسيا حليفة للقيادة السورية في الأزمة الراهنه ، وقد تكون صديقة لسوريا وشعبها في كل الظروف . لكنها ليست حليفة استراتيجية للقيادة السورية في طموحاتها الأكثر سموا من االسلطه ، وهي حمرة خط وحدة سوريا وإزالة احتلال الجولان مثلا ، ولا صداقتها مع الشعب السوري والفلسطيني وبقية الشعوب العربية ترقى للوقوف الفاعل معها في مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين وازالة احتلالها ، علما بأنها قضية حاصلة على كل نياشين العدالة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية . ويبقى مصطلح ،،دوله صديقه،، لا معني سياسي له أكثر من ،، دوله غير معاديه،، والتحالف الاستراتيجي ينطوي على تنازل طوعي لجزئيات سياديه ولكن بين دولتين بقيادتين متكافتين في حرية اتخاذ القرار وإبطاله .
أصبحت روسيا لظروفها الضاغطه مسرعة لتحقيق تسوية في سوريا مقننه بدستور سوري تضمن حماية مصالحها فيها وتخدم مصالحها الممتدة منها للعالم . وأمريكا غير مستعجله ولا يهمها صوملة سوريا وكسب الوقت لانهاك روسيا وتحقيق مكاسب لنفسها ولاسرايئل في سوريا وفلسطين والمنطقه . وأوروبا تدعم جينيف أدبيا ولا يهمها الا استقرار المنطقه كيفما كان . مصر والسعودية والإمارات تلهث وراء مؤتمر سوتشي والمشاركه .
ولا نعلم عن الجدوى المطلوبة والممكنه لسوريا في هذا الجو ، وفي ضوء تمكن أمريكا من وضع روسيا وجهودها في ورطة صعبة من شأنها تعطيل سوتشي وحرف التسويه بعيدا عن االمصالح السورية . وهي فرض الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخلبه وحدة حماية الشعب الكردية على روسيا التي لا تستطيع تجاهل الطلب سيما وأن هؤلاء يحتلون 25% من الاراضي السورية كمنطقة نفوذ لأمريكا وهدفهم التفتيت بالفدرله . ولا التخلي عن تركيا كرقم اساسي في التسوية يصر على استبعاد اكراد امريكا . فهذه العقدة ليست سهلة على روسيا ولن تكون بلا تبعات وخيمة على طبيعة التسويه .
فماذا بعد هذا تتوقع القيادة السورية من سوتشي كحوار وكتسويه وباي دلالة تتوقع أن تكون التسوية التي تسعى اليها روسيا ستكون على القياس الوطني السوري ، وبأنها اي روسيا قادره او عازمه على ذلك ؟ ولماذا تتغاضى القيادة عن هدف الاكراد الممثلين لأمريكا على الأرض السورية وفي سوتشي ، وكيف لا يتقاطع موقفها الرافض للتقسيم مع موقف تركيا من عزل هذا الفصيل الكردي الامريكي. هل الأجوبه مرتبطه بعدم القدرة على مواجهة روسيا أم مرتبطة بموقف حليف أخر، أم أن لموقفها تفسير أخر، أسئله على القيادة السورية توضيحها.
كاتب عربي