التوجهات السياسيه التي عبر عنها الملك مؤخرا في لقاءاته بشأن استمرار توجهه نحو امريكا في المرحله المقبله، ليست مفاجأة، بل سبقه المحللون في اعلانها قبل أن يتوصل اليها ويعلنها، لكن هذا التوجه الذي يبدو “مكانك قف وإلى الخلف دور” معطياته التقليدية ماتت، والجديدة هذه المرة مميته على الأردن وعلى القضية الفلسطينية إذا استمر هذا التوجه معزولا عن توجهات جديده وجذريه على الصعيد الوطني الداخلي.
فاختلاف الظرف الدولي، والتساوق العربي مع المعطيات السياسية الانقلابيه الجديدة من جانب امريكا واسرائيل يتطلب على سبيل الضرورة القصوى نهجا داخليا جديدا ومسئولا، فالأردن ليس للملك وحده بل لجميع مواطنيه، فهناك شعب وهناك قضيه وهناك نتائج تطال الجميع، فالموقف الأمريكي والاسرائيلي الموحد والمعلن اضافة للموقف العربي المعروف للجميع يحمل مستجدات خطيرة وغير نمطية لها تبعات أخطر، وليست مجرد مزحه ولا “مخالفة سير” تمحوها غرامه.
لسنا مختلفين ولا معترضين على مواصلة العلاقات مع امريكا ولا على مبدأ العمل السلمي، ولا محاسبين ولا مستغربين فشل مفاوضات سارت على غير أسسها او أسس نجاحها، لكن المسأله أخذت الأن مسارا اسرائيليا وامريكيا انقلابيا واضحا للملك باتجاه إنهائهم مرحلة ملعوب التفاوض واستبداله بمسار مفهوم “الصفقة ” لتصفية القضية الفلسطينية ومكوناتها خارج الارض الفلسطينية وإنهاء الملف من طرف واحد.
فمهوم “الصفقة ” يقوم على إلغاء مرجعيات التفاوض التقليدية والتي في حالتنا هي القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وإزالة الاحتلال واستعادة الحقوق، فهل أن توجه الملك بالتعامل مع امريكا هو على أساس الصفقة ومفهومها؟ الجواب نعم، لأن هذا هو المعروض، إلا أنه لا يملك أية قدره بوضعه الحالي الخارجي والداخلي على تغيير شيء فيها إلا اذا كان شكليا او يصب بصالح إسرائيل، فعودة الملك للتعامل مع امريكا واسرائيل لا تبدو عودة على شرط جديد، ولا خطة، ولا على حالة له جديدة، بل هي عودة اليائس والمتسرع وبمثابة الرضوخ خوفا من الأسوأ حسب تقديره، والبعض يقول أن فيها إذلال.
اذكِر الملك من خلال مقال لعدم وجود الوسيط عمليا ولأني وغيري الكثيرين مفترضون عند بطانته أصاحب رأي اخر ومغردين خارج السرب، بأن رؤية نتنياهو للحل لم يطرأ عليها وعليه جديد إلا للأفضل، وقد أعلنها ووثقها بكتبه معللة للأوروبيين بتفاصيلها، لخصتها ورفعتها في حينه للمسئولين وأنا على رأس عملي، ولعل في التذ كير ببعض خلاصتها فائدة:
1 – – فلسطين التاريخية هي الاراضي المقدسه وتمتد من البحر الى عمق الصحراء المتصلة بصحراء العراق (أي تشمل الأردن الحالي) وهذا ما نص عليه صك الانتداب.
2 – قرار لجمعية العامة 181 يقسم فلسطين نصا (بهذا التعريف) بين اليهود والعرب ( وليس بين اليهود والفلسطينيين ). وإن اسرائيل أخذت خمس هذه المساحة من البحر الى النهر وتركت الأخماس الأربعة للعرب.
3 – لا تخل عن سيادة اسرائيل على شير واحد من الضفة الغربية ولا لإخلاء الأغوار من جيشها .
4 – لا وجود لشيء اسمه وطن بديل، فالأردن الحالي هو وطن أصيل للفلسطينيين والأردنيين . والحكم الذاتي هولمن يتبقى من الفلسطينيين في الضفة ……… أترك تفاصيله الواسعه، وكذا رؤيتة لغزه، لضيق المساحه هنا .انتهى./
والأن، إن كان الملك قرر المواصلة مع امريكا واسرائيل كخيار له، لا بأس، ولكن قبل مناقشته كقرار منقوص وغير كاف، أتساءل إن كان الملك لم يتأكد بعد من أن خيار امريكا واسرائيل هو رفضه كشريك في المرحله القادمه نظرا لطبيعة الصفقه ومفهومها كتوجه دفن التفاوض وحل محله، وقد تلقى الملك من الاشارات ما يكفي . وعودته لن يكن مرحبا بها منهم الا كمُنفذ لما يريدونه . وإن قبِل بذلك فلن ينجو بنفسه منهم طويلا .
وبناء عليه وعلى تصميمه بالبقاء على توجهه نحو امريكا رغم ما حدث، أقول وجهة نظري، أن نجاة الأردن والقضية والنظام معا قد تكون في تغيير سياسته الداخلية أولا، فالجبهة الداخلية هي التي تعطيه الجديد من القوة والتماسك في حديثه مع امريكا واسرائيل والعرب، وهي نفسها مصدر ضعفه ومصدر قوته في الساعات الحرجه، فقائد وراءه شعبه لا يُقهر، وقائد معزول عن شعبه يُبتز ويُقهر، فمن الحكمة ان لا يتخذ الملك موقفا كهذا بمعزل عن شعبه وقبل أن يتصالح مع شعبه، ويتصالح شعبه مع نفسه، وحماية ظهره بجبهة داخليه سليمة.
وبهذا مطلوب للملك وللأردن وشعبه والقضيه في هذا الظرف الذي سيتعامل به مع منصات لضربات معادية يعتبرونها القاضيه، سياسة داخلية وطنية ينقلب فيها على كل معاول الهدم الناعمة التي تفتك بالبلد وبالجبهة الداخلية بدءا بالفساد المتركز بالصف الأول اداريا وماليا، وبالفساد السياسي والدستوري الذي يعتبر الأساس لكل فساد والمنطلق من التعامل الخاطئ مع الدستور والقانون نصا وروحا، وصولا لطواقم مؤسسات الدولة الأساسية وفي مقدمتها جهاز الديوان الملكي.
إن جولات الملك الأخيرة والمتكررة للقاء شعبه في منازل بعض المواطنين او المتقاعدين العسكرين هو نهج جاء بطريقة معيبة تصب في تفتيت لحمة هذا المجتمع وطنيا واجتماعيا وسياسيا، وتسهم بتفكيك الجبهة الداخليه، فالجهة التي يناط بها ترتيب تلك اللقاءات لا تعيش الحدث والحاله ومفهوم الوطنية عندها مختلف، وتعمل بطريقة ضيقة النظرة واستفزازية تُقَسم العرب الى عربين داخل المجتمع الواحد، وتعطي انطباعا بعزل شرائح واسعة عن النظام والدولة وتصدر شهادات الوطنية والوجاهة المزيفه على أسس فاسدة تقوم على ممارسة تلك الشرائح لحقها بإبداء رأيها، وكأن الرأي الاخر ليس لصالح الملك والدوله بل استعداء له وللدوله.
بل إن هيكلية تلك اللقاءات ولونها الصمد يخلي مضمونها من الايجابيات المرجوة ومن أي تبادل للرأي بشأن سياسي، حتى تخال أن الملك يجلس فيها مع نفسه ويتحدث لنفسه ولو كان الحاضرون ألفا، ومن يشذ بابداء رأي أو كلام خارج السياق في الجلسة فربما يفقد ولاءه وامتيازاته القائمه والمستقبلية ولا يعود وجيها يجلس مع الملوك، ومن هنا نتطلع الى أن نخرج من هذا الأسلوب وأن تكون لقاءات الملك المقبله مع أصحاب الرأي والرأي الأخر بالأساس.
كاتب وباحث عربي