عجبا يبدو الأردن وكأنه خارج تداعيات ما يجري في المنطقه عسكريا وسياسيا وأمنيا، وخارج تداعيات تراجع عمل ومخرجات مؤسسات الدولة االعامة والخاصة التي اتخذت شكل المسار، وخارج تداعيات تفاقم معاناة المواطنين وشعورهم بعدم مواطنيتهم ومستحقاتها السياسية والمعيشية حتى اصبحت البطاقة الشخصية التي يحملونها لا تعني لهم سوى عنوانا ضريبيا. وخارج المعنى الكبير لتوحد خطاب نخب الدولة نفسها مع نخب الشعب، وتوحد تشخيصهم للحالة الأردنية ومآلها الخطير.
لم يعد مجالا للقول بأن الأردن الرسمي يعيش حالة انكار بعد. إنه يعيش اليوم حالة عجز غير مبرر وانفصال عن الواقع لا معنى له سوى الاستسلام ندفع ثمنه غاليا، وحالة انفصام في شخصية وطبيعة التصريحات والسلوك الرسميين. وليس فينا من لا يعلم حدود ومحدودية امكانيات النظام في التعامل مع المشهد السياسي الدولي في ظل وضع الجبهة الداخلية المنهكه والفاقدة للثقة بالحكومات ومؤسسات الدولة، وعدم قدرتها بنفس الوقت على التواصل مع صاحب القرار. فالدولة بمكوناتها في خطر، زاد منه تحالف أعرابي مع الصهيونية، لتكون الاردن زكاتهم عن دم فلسطين الذي استباحوه. ولا سبيل لمواجهة المخاطر إلا بجبهة داخلية متماسكة بمقومات التماسك، وبتغيير نهج لم يعد فيه مصلحة لأحد، بعد أن ارتدت نتائجه بحبل يلتف على رقبة المواطن وسلاح استغلالي ضد الوطن وكيانه السياسي.
أتساءل هنا عن موقف دائرة المخابرات العامة كجهاز وطني يمثل في الاردن دائرة الأمن السياسي وصاحب الأرشيف للاحداث الدولية والمحلية والمرجع الاستشاري للديوان الملكي والمُقيِّم والناصح لقرراراته، والناقل له عن الواقع المحلي ولكل ما يقال في الشارع وفي المنازل والكواليس وما يتشكل من رأي عام. وأقول هل لهذا الجهاز رأيا وتقييما مختلفا في تشخيص الحالة عن تقييم المواطنين على مختلف مستوياتهم واختصاصاتهم، أو مختلفا عما يشعرون به ويتحسسونه من مخاطر على الدوله. أم أن وصفها الوظيفي التقليدي لم يعد موجودا.
الأردن دولة ترابها وطن لشعب متجذر فيه. وكل فئاته أصبحت اليوم تتحدث وتعمل بالسياسية بهدف واحد هو ايجاد جواب لسؤال واحد، ماذا بامكاننا عمله أمام المخاطر الخارجية والداخلية لإنقاذ الدولة وكيانها وشعبها من الاستهداف. إلا أن الاجابة على التساؤل سهل ممتنع، ليس من واقع تدخلات رسميه بل من هاجس الخوف من استغلال جهات خارجية وداخلية، فما أن يبدأ الحوار إلا ويحضر هاجس الخوف على الأمن والاستقرار العامين في البلد. لكن المصيبة أن الكل يشعر في وجود سباق في الزمن بين أن يُجرِي الملك التغيير المطلوب وبين أن يُفرَض علينا ما نخشاه.
لقد أثبت الاردنيون حكمتهم في الصبر. وعلى الدولة أن تفهمه في سياقه لا في سياق الإذعان أو التطنيش. فالحراك الداخلي القائم واع وعلى مستوى الحدث، وأخذ مسارا سياسيا – فكريا – حواريا في كل بيت أردني في سباق مع انفجار الشارع الذي لن يكون إلا وبالا على الجميع، وعلى الجميع أن يتجنبه. إلا أن هذا الحراك يقابله أو يواجهه حراك بشد معاكس من دائرة المخابرات العامه بمعزل عن تدخل الديوان الملكي والحكومات التي اصبحت امتدادا اداريا لجهاز الديوان. فدائرة المخابرات تمثل الجهاز الرسمي الوحيد الذي يتعامل مع الحراك السياسي بشكل (الطرف الثالث) الذي لا نريده هكذا، وبمضمون هو إفشال هذا الحراك معتقدا نفسه بأنه في هذا السلوك يطفئ مستبقا حرائق في مهدها. بينما الحراك السياسي هذا هو ضمير الوطن وعقله الواعي وهو المستشعر للخطر الحقيقي وللحرائق الحقيقية.
أخاطب هنا دائرة المخابرات. الحراك اليوم مختلف جدا عما تظنون، وحقيقي جدا. الاردنيون اليوم بأطيافهم كلها دون استثناء يرفضون الواقع ومجراه المؤدي للهلاك، ولكن ليس فيهم او منهم من يفكر أو يريد الجلوس مكان الملك، بل في حماية حكمه في وطن آمن وشعب يعيش كريما. ولن ننجح في هذا إلا بتغيير نهجه على الأرض، اتركونا من الأوراق النقاشية ومتاجرة أخرين بها وهم يعلمون أنها مرتبطة ووثيقة الصلة بارادة سياسية، والملك هو من يُنفذ او يأمر بالتنفيذ لا من يُنظر. فنحن نشهد المستجدات من القرارات والمعطيات على الارض لا تتفق مع هذه الأوراق وتهدم أسسها.
إخواننا في الجهاز، تراقبون وتتابعون من ؟. وتُسْكِتون من. وانتم منا ومصيرنا واحد، فيكم أباؤنا وإخوتنا وأبناؤنا. وقد نختلف ولكن كيف لا يكون هدفنا واحد. وهل ترون شخصا واحدا من غير الجالسين على كرسي الهبش والمأجورية لا يرى ولا يستشعر ويتحدث ويتساءل قائلا، ما هذا العزل الوطني والتخبط والدجل في وقت الغارة علينا وطنا وقيادة وكيانا وشعبا وأمه. أتحداكم إن كان هناك رئيس وزراء سابق اومدير مخابرات او ضابط مخابرات سابق لم يصبح اليوم حراكيا ورافضا لمسار الدولة الرسمي، وأتحداكم إن لم يكن اخوتكم وابناء عمومتكم قد أصبحوا حراكيين ورافضين للواقع والمسار. وإن أصبح العقد بيننا وبين الملك يشوبه الخلل الى حد فسخه من طرفه لا قدر الله، فنحن نصر عليه ونريد تجديده على الأسس التي قامت عليه.
أنتم كجهاز وطني، هو الوحيد اليوم من يستطيع الاتصال والتواصل مع الملك وإبداء الرأي، إنكم تتحملون مسئولية من واقع اختصاصكم، فنناشدكم أن توصلوا له الحقيقة والنصيحة، وبهذا تصبحون جزءا من الحراك السياسي الذي ينزع فتيل حراك الشارع في ظرف “عاطل جدا ” ففوضى الشارع هذه المره إن اندلعت فستكون على مقاس أعداء الوطن والأمه،ولن تكون مجرد ثورة جياع. نريدكم أن تتذكروا أن لا إله إلا الله، وليس كمثله شيء. وأن لا كلمة على لأرض فوق كلمة الشعوب. ونحن لا نستطيع أن نتخلى عن مسئولياتنا امام الله وضمائرنا وأمانة الوطن. ولم يعد هناك مكانا عربيا نلجأ اليه، فنحن باقون كما غزة وأهلها باقون.
كاتب وباحث عربي