فلسفة الدعم الغربي للمشروع الصهيوني.. إصولها ومنتهاها

يتصل د عم الغرب للصهيونية في بداياته بانهيار واحتلال مملكة الخزر في القرن الثالث عشر ميلادي والتى كانت قد نشأت في شمال القوقاز وشمال غربي بحر قزوين بحدود القرن السادس الميلادي على انقاض حكم المغول للمنطقة أو شعب الهون Huns . حيث بعد موت زعيمهم اتيلا في القرن الخامس الميلادي نزحت حينها قبائل البدو الخزر( Gaz بالتركية) من أواسط آسيا إلى الشمال وسيطروا على القبائل هناك واسسوا مملكتهم (خاقانيه) من شعوب وسكان تلك المنطقة . وتهود سكانها الوثنيين في القرن الثامن الميلادي كخيار سياسي اتخذه الملك ليجنبه الوقوع تحت تأثير اي من الامبراطوريتين البيزنطية أو الاسلامية.
توسعت تلك المملكه لتشغل اراضي الأتحاد السوفيتي سابقا وتصبح بحلول القرن التاسع إمبراطورية ثالثة. وخاضت الخلافة الأموية معها حروبا دامت ماية عام حمى الخزر فيها بصمودهم أوروبا الشرقية والوسطى من المد العربي الإسلامي .ويقول أستاذ جامعه كولومبيا DM Dunlop ما نصه “”بعد موت الرسول محمد (صلعم ) اتجهت الجيوش العربية شمالا حتى وصلت إلى حاجز جبال القوقاز، ولو استطاعت اجتيازها لأصبحت الطريق سالكة لأوروبا الشرقية . ففي القوقاز واجه الخزر الغزو العربي وحاربوهم لمدة قرن ومنعوا من أن تصبح أوروبا مسلمة”” انتهى. ويقول الأستاذ في جامعة رتجرز الأمريكية peter Golden مانصه ” القليل من الطلاب يعرفون أنه لولا الخزر لكانت كل أوروبا الشرقية قد أصبحت مقاطعة إسلامية ولكان هناك مسجد في المكان الذي تقوم عليه كنيسة السيدة العزراء Noted Dame ” انتهى.
وعندما انهارت هذه الإمبراطورية وتلاشت عن الخارطة في القرن الثالث عشر على يد التحالف الروسي البيزنطي، تجزأت إلى دول مسيحية وتحول سكانها المتهودين إلى مجرد رعايا مشتتين فيها. ليبدأ صراع مرير بينهم وبين الأوروبيين دام قرونا رفضوا خلالها التعايش مع الدول التى تشكلت على اراضيهم وكان مطلبهم الأساسي هو منحهم دولة خاصة بهم على بقعة من اراضيهم المحتلة . واختاروا بولندا بالذات ولم تكن فلسطين في مخيلتهم بداية . كما رفض الأوروبيون مساعدتهم في إيجاد دولة لهم في امريكا الجنوبية وافريقيا لعدم وجود المبرر الممكن تسويقه.
فكان أن استمر الصراع بين الاوروبيين ويهود الخزر لقرون انهكت اوروبا . واظب فيها متهودوا الخزر على ارتكاب الجرائم الإقتصادية والاجتماعية والسياسية ونشر الفساد والرذيلة . واستخدم الأوروبيون مختلف العقوبات والضغوطات عليهم مثل الطرد المتكرر للتخلص من الوضع دون فائده . إلى أن تمكن يهود الخزر من اختلاق مصطلح( Jew) اسما لهم وساووه بكلمة “يهود ” بالعربية مدعين بأنهم يهود من أحفاد إبراهيم وبني إسرائيل واصحاب الوعد . وتمكنت الصهيونية في مرحلة لاحقة من التحالف مع الاوروبيين الذين التقطوا الفكرة للتخلص من يهود الخزر وسوقوا هذه الكذبة الكبرى كمصلحة عليا يصدرون بواسطتها السرطان الخزري المتهود لفلسطين كحق تاريخي وتوراتي مزعوم .و هنا تهيأت الفرصة للصهيونية الخزرية لاحتلال فلسطين .
اذن ، ابتدأ الدعم الغربي لمتهودي الخزر على اسس ماديه سياسية لتحقيق مصالح عليا في استقرار بلدانهم بالتخلص من يهود الخزر بعد قرون من الصراع الذي أنهكها وأدخلها في مختلف الأزمات . .
إلا أن هذا الاساس السياسي للدعم الغربي للمشروع الصهيوني تغير في مرحلة لاحقه وتغيرت معه طبيعته ولم تعد مرتبطة بأمر سياسي ولا بالخوف على زوال اسرائيل ولا بعودة متهوديها لأوروبا في ضوء قبول العرب لهم على جزء من فلسطين على الأقل في سياق حل الدولتين . وحملت فيه امريكا الراية بدلا من اوروبا ، واصبح هذا الدعم اكثر عمقا ولا يقف عند حدود ، ولا يبدو عقلانيا ولا مستنيرا ولا يخضع للمنطق ولا يرتبط بالمصالح العليا لتلك الدول كما في السابق.. فما هو؟ إنه بالتاكيد ليس دعما مفروضا ولا رضوخا للصهيونية العالميه بل هودعم نابع عن ارادة شعبية مسيحية في دول ديمقراطية حره تحكمها ارادة شعوبها .
اقول ، إنه اذا غاب المنطق العلمي والسلوك العاقل لدى الانسان وغابت مصالحه الخاصة وغرائزه ومعها الرحمة ، وغاب القانون والعدل والدستور لدى الحكومات الديمقراطية فلن يكون وراء ذلك الا التعصب الجماعي ومفهومه . والذي تتغلب فيه العاطفه على العقل والمنطق والحق . اذ لا يطيح بالعقل سوى العاطفه . ولكن اية عاطفه قادره على الاستحواذ على عقل المجموعات البشرية والحكومات الديمقراطية ؟ انها العاطفة الدينية عندما تواجه التحدي . والتي استخدمت صهيونيا لتقوم في نفوس الشعوب االأوروبية على اعتقاد إيماني بريء ولكنه على أسس من المغالطة والزيف والتزوير في محاور ثلاثه طالت التهديد لنمط حياة تلك الشعوب التي ناضلت من أجله ، من خطر الثقافة الاسلامية .
الأول . يتمثل بالاختراق الصهيوني الخزري المبكر للعقيدة المسيحية والشارع المسيحي الغربي بكل مستوياته مما كرس قنناعات عقدية ومفاهيم توراتية زائفة تقوم على ان اليهود هم شعب ألله المختار وبأن العهد القديم هو المدخل لفهم المسيحية وأن عودة المسيح مرتبطة بقيام دولة صهيون وتجميع يهود العالم في فلسطين وإعادة بناء الهيكل . وأنشأت الصهيونية جمعيات وحركات مسيحية متصهينة من صلب البروستانتية ما زالت تقوم بالمهمة ، وكنائس ذات طابع مسيحي صهيوني التي يشار اليها باليمين المسيحي او الاصولية المسيحية وفرضت عبارة Judeo- Christian كأغرب خلطة بين متناقضين . و إلى الحد الذي يصفه فيه المؤرخ اليهودي الأميركي (هنري فوردHenry Ford ) في كتابه اليهودي الدولي ، بقوله “”لقد سيطر اليهود على الكنيسه في عقائدها وفي حركة التحرر الفكري المسماة الليبرالية وإذا كان ثمة مكان تدرس فيه القضية اليهوديه دراسة صريحة فهو موجود في الكنيسة العصرية لأنها المؤسسة التي اخذت تمنح الولاء دون وعي او إدراك إلى مجموعة الدعاية الصهيونية “”. انتهى
الثاني . شكل تعاظم الوجود الاسلامي في اوروبا وأمريكا خطرا على التأثير الصهيوني على تلك لدول . فجاء اختراق الصهيونية لمفاهيم الشعوب الأوروبية باتجاه تشويه طبيعة وحقيقة الاسلام ورسالته الانسانية ونظرته للأخر وأديان الأخر بكل الوسائل المتقدمة التي سخرت لها مرا كز متخصصه . ودعّمت وفعَّلت فكرتها بصنع شيوخ دين مسلمين واتباعهم ومنظمات اجرام على مقاس حملتها يمارسون ما تدعيه الصهيونية وأكثر . وزاوجت ذلك مع مصطلح صراع الحضارات الذي سبق واختلقته والذي في واقعه يعني صراع الثقافات ، أرعبت به وجيشت شعوب الغرب ضد الاسلام والمسلمين الذين ينوون حسب زعم الصهيونية تغيير نمط حياة تلك الشعوب والاجهاز على ما حققته ديمقراطياتهم .
الثالث . يتمثل في غياب حقيقة الأصول الخزرية ليهود اليوم الذين يحتلون فلسطين لدى الأجيال اللاحقة من الحكام الغربيين وجهلهم مع شعوبهم بحقيقة أن هؤلاء ليسوا باليهود التوراتيين والتاريخيين وليسوا من احفاد ابراهيم وبني اسرائيل . وجهلهم بالأسباب السياسية التي حفزت اسلافهم من الحكام على تأييد ودعم الكذبة الصهيونية وفكرتها . حيث أصبحت الكذبة الموروثة مع مرور الزمن حقيقة .
وفي غياب استعداد وقدرة الطرف العربي الاعلامية والسياسية والثقافية على اقناع الشعوب الغربية بمفكريها وسياسييها بالحقيقه التاريخية والدينية كشعوب حرة مؤثرة من خلال انظمتها الديمقراطية ، ستبقى لنا المسألة منطقيا خارج نطاق السيطرة لأنها تتعلق بقناعات الشارع المسيحي وكيفية تناوله لهذا الموضوع . ويبقى الدعم الغربي الميسحي لمتهودي الخزر قرارا مسببا ما دام يقوم على أسس معتقدية مكرسه في العقول . ولكن الذي لا نفبله ولا يقبله المعتقد المسيحي نفسه هو أن تبقى الحقيقة غائبة بما يترتب عليها من فظائع واحتلال وطن وتشريد وذبح شعب بأكمله وبقاء أمن واستقرار العالم مهددا ، نتيجة مواقف منحازة وتضحيات مادية وأخلاقية قوامها الخرافه ، .
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply