أصبح حديث الأردنيين عما يجري في بلدهم على الصعيدين الشعبي والرسمي جزءا من اللعبة المحرمة وديمومتها للنهايه . الناظرون والصامتون والحائرون يخاطبون الأخر بلغة العيون بعد أن تعطلت لغة الكلام معه . ويتخاطبون مع أنفسهم ومع بعضهم بأعمق الكلام والمعاني في الغرف المغلقه . ما المطلوب لنا ومنا ؟ وهل قدرنا كدولة وكشعب أن نفتقد البوصله وننتهي بدون ضجيج ، أم المطلوب استخدامنا كوطن ودولة نباع فيها راكعين قربانا للصهيونية مذبح مشروعها في فلسطين والمنطقه .
إن الأحداث والتصريحات والمواقف الرسمية عندما تكون جزءا من سيرورة نهج ممنهج ، سيكون التعاطي الشعبي معها بمعزل عن طبيعة هذا النهج تعاطيا ضالا . وكلمة التساؤل “لماذا ” بشأن فعل في الأردن ، كلمة اصبحت عبثية ولا جواب لها لأنك لا تجد الجهه المسئولة لتسألها . ولا منطق لاستخدامها عندما تتعلق بعمل غير عاقل من عاقل . فهي كلمه ساقطه عند كل واع في هذا البلد . والبديل الصحيح عنها هو “ما معنى” هذا الفعل أو ذاك . فالتوجه نحو السرديات من خارج النهج جزء من اللعبة المحرمة .حان الوقت لتركها لصنَّاعها والبحث في المعنى لنكون على بينة من نتائجها ونتصرف في ضوئها لاستباقها .
إن كل ما يجري عندنا من مستجدات داخلية وسياسية مستهجنة وخطيرة ، هي بالتأكيد تجيء في سياق ممنهج واع وننجر للتعامل معها في غير سياقها الحقيقي والذي لا يمكن أن نكتشفه ونواجهه إلا بالتعامل معها من خلال معرفة معناها ومؤداها وهذه المستجدات على نسقين متكاملين . داخلي وخارجي .
فعلى الصعيد الداخلي . ما معنى أن يتحول الديوان الملكي الى حكومة وتتحول الحكومات الى زواريب لأدمغة مجهولة . عملها هو البحث عن وسائل لفرض الضرائب وتحصيل المال من الداخل حصرا وبأية طريقة ظالمه للمواطن والوطن والخزينه ، ولا تتوقف في هدنة ؟وما معنى سياسة الافقار والاذلال والتجويع والتهميش واشعار الموطن بالدونية في بلدنا وأن يتم الاستيلاء على الأراضي العامه للدولة بجرة قلم ، وتباع المؤسسات الانتاجية والخدمية كبضاعة محروقه . وأن تأخذ معاناة المواطن وخزينة الدولة والقطاعات الخاصة وتراجع مؤسسات الدولة وأجهزتها شكل المسار . ولا نعرف إن كان التغيير في سلوك وتصريحات شرطة الأمن العام وغيره من مؤسسات عملا واعيا او في سياق الجهل والفلتان .
وما معنى أن تصدر سبعة اوراق ملكية نقاشية محورها الدولة المدنية ولاتُناقش ولا تَتخذ الحكومة او مجلس النواب موقفا عمليا منها أو تفعل شيئا إلا بما يناقضها . وما معنى سياسة الإعتماد على رويبضات فاقدي الأهلية الى جانب عفاريت فاقدي الوطنية في ادارة الدولة . وما معنى العزل الوطني وتجريم الرأي الأخر ورفض التحاور معه وصنع نواب وأعيان ، وتهميش الأحزاب ومحاربتها والإبقاء عليها مع ذلك . وما معنى تكريس العشائرية والقبلية وتقنينها ثم الانقلاب عليها وتفتيتها وحرمان الشعب الأردني من كل مقومات الهوية السياسية المرتبطة بالأرض من كل رموزها بدءا بالنشيد الوطني وانتهاء بمسمى جيشهم المخلتف عن تسمية جيوش بقية دول العرب والعالم ، .
.
أما على الصهيد الخارجي . فما معنى أن يرفض الأردن الرسمي صفقة القرن ونقل االسفارة الأمريكية للقدس ويبقي بنفس الوقت على تواصله السياسي مع امريكا واسرائيل بنفس النهج . وما معنى أن تصبح الولاية الهاشمية على مقدسات فلسطين قضية مركزية ، وهي محتلة وتحت سيادة اسرائيل ، وتُترك الولاية المسروقة والمرتهنه على المقدسات في مكة والمدينة ؟ وما معنى الموقف الأردني الرسمي من المجزرة الصهيونية وتوقيتها بحق ابرياء غزة على لسان الناطق الرسمي ومفاده الاحتجاج على “الاستخدام المفرط للقوة ” . إنه موقف وكلام يزخر بالعار على كل أردني ويفجر الدماغ بمعناه ومرفوض مرفوض حتى ينقطع النفس .
المعاني هي مركز الأحداث والتصريحات والمواقف في بلدي وبلاد العرب . وفيها تكمن المأساة الحقيقية المطلوب الوصول اليها . وإن وقوفنا عليها واستباقها هي المقدمة الحقيقية لأوراق نقاش شعبية . فالأرضية التي يقف عليها عامة الشعب فاسده ومدمرة بمفاهيمها وتحاكي ارضية المسئولين . و ثقافة التيئس والاذلال والتخريب وقانون القوة والسطو والتدمير بكل الاتجاهات أصبحت سياسة . فنحن نعيش حربا بمعارك ممنهجة وواعية تستهدف تدمير الانسان والدولة والوطن معا ، وكلمة “يسقط ” لم يعد لها وجود منطقي في قاموسنا ، فالكل ساقط . واستهدافنا كشعب ودولة ووطن لا ينفصل عن استهداف الفلسطينيين ووطنهم والباقي تفصيلات .
هل يعقل كما يعتقد الكثيرون أن الملك وحده قادر على كل ذلك ، وان الحكومات التي يعينها ويبدلها تفعل كل ذلك ولا يعلم أو لا يقوى على وقفها .لا أعتقد ذللك . فما يجري أكبر وأعقد ، ومن قدرات دولة عميقة وما غيرها من شعب ومسئولين تحولوا الى أدوات . كل في اختصاصه .وأمريكا العدو موجودة في كل مكان حساس وتستهدفنا حتى لم نعد نرى مكانا لمفهوم الدولة أو الوطن والوطنية .
نحن شعوب مستعمرة منذ أواخر العهد العباسي ولغاية الحرب الكونية الثانية من قبل متخلفين . لنقع بعدها وإلى اليوم تحت الاستعمار الصهيوني الذي أخذ منا كل مأخذ وألبسنا غماية البغل فلم نعد نرى سواه . ولا نسمع الا منه ولا نأكل الا بفضله . . فثقافة لاستعمار تعيش معنا في بيوتنا ومؤسساتنا العامة والخاصه . لأنه وجد البيئه السيكيولوجية الصالحة له . أباؤنا انجبونا والصهيونية الأمريكية ربتنا . عدلت عقولنا وقيمنا ومفاهيمنا واهتماماتنا وسلوكنا لحسابها . وقيمة استهدافنا تصل لوجودنا كآدميين .
متى وكيف نُسقِط من صدور وأفواه كبار نخب كراسي الدولة الجبن وعباءات الذل مع العجرفة ، والمنظرة والتنظير الكاذب والحديث عن الماضي بالأنا ، والتعلق بمجدِ ومقامِ الكراسي الغابره الواطية ، لا بمجدِّ اكتسبوه من شعب ولا من وطنية ، ولا ورثوه . فمن يؤذن فيهم قائلا ، كفاكم ، وحيا على التكفير عن ذنوبكم بالعمل . وكيف نُسقِط من شعبنا ثنائيات الاستعمار والاقليمية والجهوية والقبلية ونجعل من فقرهم وذلهم حافزا على الرفض والتحرك لا حافزا على الخنوع أكثر وأكثر ، وكيف نتخلص من القبلية نقيضة الدولة ومفهوما وأدبياتها ، ونقيضة الوطن والوطنية والتقدم . إنها الأداة التي استُخدمت لِما وصلنا اليه ولما سنصل اليه . وهل سيكيولوجيا القبيلة اوالعشيرة تختلف عن مضمون العصابة ، إنها لا تجتمع الا على شر ولا تتحالف الا على شر ؟ أم تعتقدون أن الشعوب الأوروبية والراقية لم تكن عشائر وقبائل ؟ .
نريد عملا وطنيا من نخب حقيقية لا ينطوي عملها على هم شخصي ولا على مشكلة خاصة مع أحد ولا على أجندة غير وطنية . الوطن والمواطن والدولة كلها عناصر تواجه خطرا واستهدافا داخليا وخارجيا . نريد نخباً تُدرك أن الساحة الأردنية تشبعت ولم يعد هنك مجال وفائدة من ملعوب اللوم وتوجيه الاتهامات وكبر الكلام وتشخيص الحال وطرح الحلول . فكله معروف لدى أصحاب القرار واستنفذ واستهلك . وحان الوقت للعمل السياسي الجاد الراقي والمسئول . فالمسئولية كبيرة وباتت في رقبة كل مواطن حر سريرته نقية وغير مدع للوطنية أو راكبا لها . وبات معها العمل الوطني الشعبي الجمعي مبرَّر ومسبب لكل متسائل أو لائم ، على ارضية صلبة نظيفة تمهد الى مؤتمر وطني عام مؤطر الهيكل والمضمون والهدف .
كاتب وباحث اردني