لا تلاقي في الأردن بين العزل الوطني ومفهوم الدولة.. وقانون الضريبه قنابل تزرع في كل بيت ومؤسسه.. ولماذا لا يستمع الملك للرأي الآخر؟

الأردن دولة لا تخوض حربا عسكرية ولا تُخاض عليها كدول الجوار والمنطقه، إلا أنه يعاني معاناة الحرب وويلاتها من خلال حملة استهداف مدني شامله ومتصاعدة، فرضتها جهات خارجية، وطالت كل مواطن فيها وكل مرفق، وهناك مؤشرات على استمرارها دون مؤشر على وقفها، والشعب يقف فيها معزولا وعاجزا عن فعل شيء، ولم يعد معنيا بتفاصيل ما يجري ولا بتفاصيل سلوك مسئولين لا يحملون سوى مسئولية استغلال وقت وزمن وظيفتهم لتكبير حصتهم من دم الوطن والشعب، بل اصبح معنيا بالنتائج والمعاني الكبيره لما يجري، فهاجس حماية هذا البلد بكيانه السياسي وأمنه وسكانه واقتصاده من الاستهداف الخارجي والداخلي قد طغى عليه.
الأردنيون بكل انتماءاتهم السياسية وخلفياتهم الزمانية والمكانية يعتبرون الملك خارج اللعبة حتى لوكان جزءا منها أو قيل ذلك، إنهم يريدونه خارج نطاق الإحتكار والاستخدام الخاطئ من أي مسئول أو غير مسئول، فهو عند الجميع عامل الاستقرار الذي لا بديل وطني عنه موجود، بل الفوضى والجريمة والتسريع في تسليم هذا البلد “لإسرائيل” والصهيونية، فالأساس الذي يقوم عليه العزل الوطني والشعبي في الأردن فاسد وكريه ولعين، وتكريسه يكرس الخطر على الدولة والملك وعلى القضية الفلسطينية.
إن استهداف النظام الهاشمي هو في المنظور الصهيوني، الآلية التي تُعتمد لتحقيق الوطن البديل في نهايات المرحله، وعندما نقول الوطن البديل لا نعني قيام دوله في الاردن باسم الدولة الفلسطينيه، بل تفريغ أو توطين المكونين السكاني والسياسي في الأردن كأرض تعتبرها الصهيونيه العالمية جزءا من فلسطين التاريخية، ولم تكن المفاوضات والمشاريع بما فيه صفقة القرن تعني لإسرائيل أكثر من كسب الوقت لتكريس واقع مادي على الارض ليهودية الدولة وتدجين مفهوم العرب والعالم على مفهومها بأن لا دولة ولا سيادة فلسطينية ممكنه على شبر بين البحر والنهر. ولا حقوق أخرى للفلسطينيين او للعرب والمسلمين في فلسطين كالمقدسات مثلا.
الأردنيون والفلسطينيون اليوم أمام خطر صهيوني مشترك ومباشر، ولا مكان لملعوب دق الأسافين بين مكونات بلدنا، قدر الصهيونية واليهودية التاريخية أن تمثل شرورية الشيطان على الأرض، وقدر الفلسطينيين أن يكرمهم الله بكتابه ليكونوا الجبارين الأقوى من بين الشعوب في مواجهة الشر الأقوى على الأرض في حرب لا تنتهي إلا بانتصار الحق على الباطل.،ومن هنا لم تتمكن الصهيونية ومعها جبروت العالم من حسم المعركة لصالحها مع هذا الشعب، أقول هذا لأذكر كل أردني وعربي بأن الشعب الفلسطيني لن يستكين لمخطط الوطن البديل ولن يتخلى عن فلسطين أينما كان. وأمام خطورة هذه المرحلة وتسارع تنفيذ أهدافها فإن الاردنين من كافة خلفياتهم العرقية والدينية يشعرون بترابط الخطورة على الملك وعليهم، وبضرورة انعكاس هذا المفهوم على سلامة طبيعة العلاقة المطلوبة بين الطرفين، ولا أدري عن مدى شعور الملك بهذه المعادلة.
لكني أدري مع غيري بأن هذا البلد لجميع مواطنيه، والملك لجميع مواطنيه، وأن الحقيقة الإقتصادية – السياسية المُرة التي يعيشها الاردنيون يشهد بها خبراء الداخل والخارج، وسُمِّية وصْفات صندوق الاستعمار الدولي سرت في جسد الاردن، وأصبحت مكونات الدولة من سلطة وأرض وسكان معزولة عن بعضها ومحل نهش، والتراجع مذهل وأخذ شكل المسار، إن التفاؤل الذي لا يقوم على أسسه هروب من المسئولية، واليأس استسلام وموت، والحياة لا قيمة لها بلا أمل وتفاؤل، ولا بد من صنع أسبابه بالعمل، لا نريد الشعور بأن هناك تصفيه تجري للدوله على خلفية سياسية لصالح الصهيونية.
مسلسل تقتل الدولة فيه نفسها، بيعت المقدرات العامة، وشَحَّت القروض ورُفع الدعم عن المواد والخدمات الأساسية بآليات ربحية على حساب المواطن، ثم وُسِّعت الضرائب افقيا على شعب فقير وأصبحت نهجا وسيرورة لا تُبقي ولا تنتهي، ثم عموديا لسقف عال لا يقابله مردود على الدافعين كما في الدول التي ترفع سقف الضريبة، ومع فشل هذه السياسة دخلت الدولة التي لم نعد نعرف من هي هذه المرة شريكا مضاربا مع كل مؤسسة خاصة كبيرة وصغيرة وكل عمل حر لمواطن، وذلك تحت مسمى مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، إنه مشروع فوضى وضربة قاضيه، يلاحق فبه كل مواطن بالغ ويطال دخل كل معتاش على الدولة أو من عمل حر تجاري أو صناعي أو صحي أو خدماتي، وبما لا يستوعبه عقل وطني منتمي ولا منطق اقتصادي ميداني او أكاديمي، ولا يمكن أن يفَسر هذا في سياق الغباء أو الجهل أو الاجتهاد.
ولا شك أن الدولة بهذا السلوك وهذا القانون، عندما تتكلم عن الاستثمار والاقتصاد والتنميه والمواطنه والدوله والاستقرار والمستقبل فإنما تستغبي نفسها (تستعبط)، إنه زرع قنابل في كل بيت ومؤسسه، سطو وتدمير لمن يملك أو يرعى مشروعا، وتشليح لمن لا يملك، وطردٌ للاستثمار الخارجي والداخلي وتهديد للأمن الاجتماعي وإلغاءٌ لمفهوم الخزينه ومقومات الدولة الاقتصادية، وبالتالي قتل للدولة ككيان سياسي، ونتساءل، هل الدولة في سباق بين تحصيل الفلس الأخير وبين العصيان المدني لعدم القدرة على الدفع وفقدان الثقه، أم نحن أمام تركنا وتسليمنا مع دولتنا حطاما، إن السفينة تغرق أمام ناظرنا ولن يُطَمئن ركابها تفاؤل القبطان وهدوء أعصابه أو تطميناته.
الكلمة في هذا البلد المستهدف والمكلوم هي للملك كمعظم الدول العربية، وفيها نُخب شعبية لا تعيش حالة “المواطن المستقر” بعيدا عن نخب الكراسي المقبورة، التي تُنَظر ثم تتراجع وتجبن ولن يرحمها التاريخ، لقد أصبح من الضرورة بمكان أن يخاطب الملك شعبه بالشفافية الممكنه، وأن يتواصل نوعياً مع الشعب في الشأن العام على خلفية ما يجري في هذه الظروف خاصة، لِمَ يا ترى لا يلتقي بمجموعات أصحاب الرأي الأخر والرؤى، ومع الخبراء وأصحاب الاختصاص؟ إنهم ليسو أغرابا ولا أصحاب مصالح خاصة ولا قرار لهم ولا يُرتب رأيهم ورؤيتهم التزاما قانونيا على الدولة، فلِم عزلهم وقد بات الشعب فاقداً البوصله ولا يثق بالنواب ولا بالحكومات ويعتبرها تعمل في غير صالح الدولة وصالحه،
الى متى ستبقى الأبواب مغلقة أمام هذه القطاعات الوطنية وينتهي حصارها وكتْم صوتها وإيقاف حركتها على يد المسئولين ممن لا ينتمون الا لأنفسهم بعيدا عن الحقيقة والشعب والوطن والملك،. إنهم في حضرته تماثيل صمٌ بكم، والخشوع والتهذيب والتواضع يدلف منهم، أمَّا على كراسيهم مجانين سلطة وتسلط واستعلاء مع جهل يتكرس فيهم، فهم لا يقرأون ولا يكتبون ولا يستمعون إلا لأمر أو للغو الكلام، جلساتهم عصبوية الطبيعة، وخلواتهم هبشوية تآمرية على مناصب الدولة والمال العام ولعبتهم تصفية حسابات شخصية مع الغير، وحسابات مالية مع أنفسهم بلا رقيب أو حسيب.
متى يفهم المعنيون أن الديوان الملكي يعمر بالخلق والتواضع والإنتماء وباتساعه لكل المواطنين لا بهم وبسلوكهم، إنه بيت الأردنيين جميعا لا يحتكره أحد ولا بمقدور أحد أن يعزل الأردنيين عنه أو عن الملك مهما علت أو صغرت وظيفته في الديوان، ولا لأحد أن ينزع عن الديوان صفة الخطاب الدبلوماسي واحترام الجميع، فالعمل وفق مفهوم العصابة لا يستقيم في دوله، بل وفق مفهوم الدوله يستقيم.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply