لنترك الحكومات ورؤسائها والمسئولين، الكبيرة ألقابهم ومناصبهم . فلو ارتدع أحد منهم بوازع من ضمير انساني او وطني أو خلقي فإن المتبرعين على الطابور ينتظرون للحلول مكانه ويتسابقون . فالجميع في هذا السياق مأجورين وأدوات وليس هذا في الأردن وحده بل بكل دولة وبكل زمان تغيب فيه وعنه الديمقراطية والمؤسسية وسلطة الشعب . فلم يبق انسان على الارض الاردنية لا يعلم بأن القرارات الرسمية في الاردن على الصعيدين الخارجي والداخلي والتي يعاني من نتائجها الشعب إن لم تكن بأمر راس الهرم فهي بموافقته . وإن صدف وأن اجتهدت الحكومات واتخذت قرارا في أمر ما ايجابيا أو سلبيا فلن يبق دقيقة إذا لم يلق القبول من الملك . وأن خطاب الشعب للحكومات هو في واقعه للملك وحواره مع الحكومات رسائل له . فلا احد في الأردن يريد المواجهة مع الملك ولا الملك يريد التوجه للشعب.
إن الجديد الغريب والخطير في الاردن هو الهجوم على القطاع الخاص بأكمله على شكل استهداف واضح ومباشر من خلال مشروع قانون الضريبة بتفاصيله ونتائجه ومعناها، والمخططون يعرفون بأن القطاع الخاص في الاردن له خصوصية وهوية سكانية وطنية . وأنه الأعمق والأوسع وغير المستفيد من الدوله ومناصبها ومن المال العام . ولا يأخذ شيئا يذكر مقابل ما يدفعه اصلا من ضرائب، ومقابل الخدمات التي يقدمها للدولة ولعموم الشعب، ويعرفون دوره في امتصاص البطالة والفقر والتهميش، وفي خدمة حاجات المجتمع والدولة الاساسية . ومشروع القرار لن ينج منه أيٌ من أصحاب المهن الحرة ومؤسساتهم، بعد أن كانوا لسنين يستهدفون جزئيا وفي السياق عام.
ويعرف المخطط أن هذا القطاع يشكل الطبقة الوسطى وتعتاش عليه الفقيرة، فهو العمود الفقري للأمن الاجتماعي والسياسي . و يضم مع منتفعيه الملايين التي دأبت على تحييد نفسها عن أية احتجاجات وحراكات بوجه السلطة والحكومات لأسباب تعود لعدم جدوى تلك الحراكات لهم عندما ترتبط بغنائم الدولة والتنافس على الجهوية وحصص من الفساد والمنصب العام والخزينة. ويفضل المنتمون لهذا القطاع الانهماك في اعمالهم وتحصيل رزقهم المرتبط بالأمن والاستقرار.
ويعرف المخطط أن هذا القطاع هو الزخم السكاني والعصب الإقتصادي والخدمي، وتقويضه يعنى تقويض الدولة ودخولها في نفق مظلم تماما، وأنه هو عمان واربد والزرقاء، وأن في مواجهته بالقوة فخ وخطأ قاتل. والعشائر الاردنية في هذه المدن هي مجرد جيوب مبعثره تنتمي عمليا بمصالحها لهذا القطاع بكل معنى للكلمة. ولقد كانت معظم المؤسسات الاستثمارية المتوسطة الحجم لهذا القطاع تعاني وتبحث عن تصفية أعمالها أونقلها للخارج بهدوء وبقيت الأمور في الدولة تحت السيطره. أما اليوم فقد اصبحت القصة مختلفة مع مشروع قانون الضريبة الجديد الذي هو بمثابة الاجهاز على هذ القطاع مباشرة وعلى عموم الشعب والدولة بالتأكيد. فما هي الحقيقة وكيف نتلمسها.
ثلاث وقفات مع تساؤلاتها الحساسة وسياقاتها الخطيرة، تنير الطريق أمام المتسائل والمخطط وليس المنفذ: هي:
1- هل جاء هذا الهجوم اللامنطقي على هذا القطاع الشعبي الواسع في سياق تعظيم جمع المال الذي لا اثر له بعد تحصيله والمراهنة في ذلك على “زوبعه في فلجان ” وتنتهي دون أن يُحسب حساب للتداعيات ؟ هذا ممكن، لكن علاوة على ما فيه من مغامرة وخطأ كبير يصعب بلع نتائجه، فإن فيه دلالة سياسية على ما يمكن تفسيره بالاستهانة بانفراط عقد الدولة.
2 – أم أنه مجرد جس نبض وردة فعل جماهير القطاعات الشعبية في تحمل الضغوطات الاقتصادية أو تقبل قرارات سياسية كبيرة قادمة ؟ هذا ممكن والقانون يتضمن بتفصيلاته اختراق الخصوصيات لكل مواطن ويشجع بطريقة غبر مباشرة على سحب الودائع من البنوك.
3 – أما السؤال الثالث والأخطر فهو، هل مشروع القانون كان عن سابق تصميم ووعي، وأن هدفه هو إحداث فوضى وتخريب واخلال بالامن والاستقرار لأسباب ونتائج سياسية مطلوبة ووشيكه . هذا أمر مرتبط بهوية الجهة التي نصحت به وصاغته بلغتها، وترجم ترجمة حرفية عوراء. وقدمته الحكومة دون بحث ودراسة قانونية وسياسية أومطابقة مع الدستور. وأرى أن الأمر سيتوضح في ضوء ما ستصر عليه الدولة أو تتسامح به. فالمفاوض الحكومي مُلَقن، بينما المفاوض الشعبي الممثل بالنقابات يعتبر الموضوع اقتصاديا ولن ينظر للجانب السياسي. وقد أخطا حين قبل الجلوس مع الحكومه وحين قبل ان يكون مجلس النواب ندا مفاوضا معها أو وسيطا.
هناك بوادر على المضي في تنفيذ مشروع القانون وأصرار عليه حتى لو كان الشعب كله ضده. وهناك بوادر على مواجهة الاحتجاجات السلمية باستخدام العنف. وعلى الدولة أن تعلم بأن عمق حدث استهداف القطاع الخاص وخطورة ما يجري في الاردن يُقرأ بانتفاضة الشعب دون تحريك من الإخوان المسلمين الذين كان لهم وحدهم القدرة على تحريكه . وبأن استيعابهم للإخوان أو تدجينهم لتاريخه في هدنة أو مصالحة دفع الطرفان ثمنها هو أمر ليس بذي قيمة في الأوقات الصعبة. وعلى الأحزاب أن تقرأ عبثية وجودها وبأنها حمولة زائدة على الشعب.
من المفروض أن يعلم المخطط وصاحب القرار في الداخل كان أم في الخارج أن المراهنه على سذاجة أو جهل الناس وبساطتهم انتهت وحالة الموات لها ميزان. وربط تغيير الحكومات بتوزيع الادوار والمهمات لم يعد ينطلي، وأن المواطنين يعلمون حجم تلك الحكومات وأن قراراتها ليست من رأسها. وعليه أن يعلم بأن المراهنه على التزام الشرق اردنيين والعشائر والقبائل بالنظام والوقوف معه خاسره، وأنها سترتد على الدولة حتما، وحراكاتها المحصورة بالمكان والشعارات ستسلك طريقها مع كل مكونات الشعب، وأن تتذكر موقفها المغاير للنظام في نهايات الستينيات من القرن الماضي، وبأن من أنقذ النظام والكيان السياسي للدولة هي امريكا لأسباب لم تعد موجوده اليوم، بل الموجود هوعكسها تماما.
إن من يتخذ سياسة غير وطنية على سبيل الالتزام بها، ولا يريد تغييرها، سيستمر في اتخاذ القرارات المواتية لها بدون حساب، ولا يعود يسمع الا الكلام الذي يصب باتجاهها وهذا يزيد من تصميمه عليها دون الوقوف على خلفياتها، فلا يعود قادرا على حماية سياسته وقراراته وتدارك نتائجها، بل ستتوسع أجندة المطالبة الشعبية، فهل هذا حال الشعب مع رأس هرم الدولة.
. الشعب كله اليوم في الواقع يحمل المسئولية في محنته للملك ومن يقول غير ذلك فهو كاذب ومنافق وغير مخلص للملك ولا للشعب، والشعب نَفَسُه طويل في مطالبة الملك والأمل بأن يستجيب لوقف مسلسل الهجمة عليه وعلى الدولة، فالحرص على الملك والنظام شديد، لكن الحرص على الحياة والكرامة والدولة أشد . الهروب من وجه الشعب وتطنيشه بأجمعه سابقه تاريخية لا نريدها للملك وقرارات الشفقة والمنَّة بتخفيف المحكومية شهر أو تأجيل التنفيذ لا ينتظره ولا يطلبه المحكوم عليه ظلما، فهذا نوع من التعامل مع شعب واع لا أراه مناسبا، وانعدام الفارق بين الحياة والموت عند الانسان عواقبها وخيمه على نفسه وعلى المجمل.
كاتب وباحث عربي