نتنياهو يُستَقبل في عمان رسميا وإعلاميا في ظرف وتوقيت يقود فيه وينفذ أسوأ حرب هجومية على الأردن وقضيته وشعبه، يُستقبَل ويديه ملطخة بدم القدس والأقصى وشعب فلسطين وبدماء الأردنيين في عقر عمان وعلى حدود فلسطين. ما معنى هذا ؟ الجواب سيبقى ناقصا ومسخا إذا لم يوضع بمجلد. لكنا نعرف ماذا يساوي هذا ؟. إنه يساوي ثمانية ملايين طز للشعب الاردني الذي يعيش اليوم خريف الحصاد لما بذره من بذور فاسدة ستسري في جسده سُم الهاري.
أعجب من صحافة أخذ التكسب منها مساحتها كلها ولم تُبق فيها فسحة أو طاقة يُطِل منها صوتُ لحر. أعجب من إعلام كلما اشتدت المحن وتزاحمت الأحداث الجسام يتراجع ثم ينوخ وينخ. تبا لإعلام ليس فيه للوطن حصة ولا للشعب كلمة. أعجب من إعلام يخلو من الإعلاميين الحقيقيين و رسالة الإعلام ومن مهمة البحث عن الحقيقة إذعانا لحكومات ساقطه وقرش أسود. تبا لشعب بلا قيادة، يخرج للشارع ليهتف من أجل قضية فيهتف غيره بغيرها لطمس القضيه وصنع المطايا. تبا لشعب يتعرض وطنه للخطر الخارجي بأيد محلية وتتهزأ دولته وتُمسخ ويبقى فيها اليساري واليميني والقومي والاسلامي والفقير والغني كلٌ على كتابه وهويته السياسية او الفرعية. تبا لأحزاب لا تُعلِن حل نفسها أمام العالم، ولولا الثقة ببعض رموزها لوضعناها في خانة العمالة والتواطؤ. وتبا ل” أل التعريف وتاءآت الجمع ” التي تمتاز عشائرنا بها، عندما لا تُعَرِّف إلا الطز وتجمع ألف طز. تبا لشعب تُحرك عصبيته التوافه والتافهين ومناصبهم وليس القدس واستقبال مغتصبها علنا في عمان
تردد الصحافة الذليلة المستعبِطة والمستعبَطة ما يوحى اليها. تقول بأن نتنياهو جاء ليتحدث مع الملك بشأن القدس وبأن الملك رد عليه بكذا وكذا من نفس الأسطوانة. وكذا وكذا هذا، هو كلام غير متراكب ولا يتفق مع مسار القضية والأحداث والمرحلة ولا مع واقع نتنياهو وواقع الملك، ولا يبرر هذه الجرأة والوقاحة في الزيارة. ولكن لوقلنا بأن نتنياهو جاء حاملا مخطط صفقة القرن وتفاصيلها نيابة عن الأمريكيين لأسباب كثيرة لكان في القول منطق. ولو قلنا بأن كون التطمينات الأمريكية للنظام الأردني لم تكن يوما صادقة وأن الحقيقة دائما هي في تل ابيب، وأن الصفقة تتطلب وعودا وضمانات مباشرة منها وأن نتنياهو جاء ليعرضها خلوة وبنفسه لقلنا أن في ذلك منطق.
التطمينات التي نفترضها لا تخرج عن وعود تتعلق بدعم النظام والتخفيف من هواجسه والحفاظ عليه في هذه الظروف الصعبة ولا تخلو من التحذيرات المبطنة أو الصريحة. وطالما أن هناك تعتيم على الغرض الحقيقي الذي حضر من أجله نتنياهو، وأن ما نقل عن الملك هو ابلاغه لنتنياهو نفس ما سمعناه سابقا من تمسكه بالقدس وحل الدولتين وكل ما أصبح ساقطا في خبر كان،.. وطالما أنه تقبَل زيارة نتنياهو المعلنه في هذا الظرف وتقبَل قبلها التعامل مع التناقضات الخليجية والامتنان لها وهو يعلم تقصيرها وأهدافها، ويتقبل بعد ذلك مشاريع اقتصادية أوروبية مشبوهة وكأن الدولة معروضة للتنافس وللبيع بالمال، وأنه أي الملك لم يتزحزح عن نهجه وتحالفاته الدولية قيد أنمله بل اتخذ قرارات غير نمطية في الديوان الملكي اثر مغادرة نتياهو مباشرة ستتلوها أخرى بالتأكيد، فإننا نستطيع القول بأن الملك فعلا لا قولا هو في وضع الرضوخ والمتفاوض على صفقة القرن لتحسينها بتقليل مخاطرها الإعلامية والشعبية قدر الإمكان في الشكل لا في المضمون.
الأن نستطيع القول بأن الملك عندما امتنع ويمتنع عن مخاطبة الشارع في ظروف صعبة رغم مناشده الشعب له بقول كلمة تطمئنه،إنما فعل ذلك لأنه لا يملك ما يقوله لشعب من خبر سار ولا موقف جديد ليخرج به على الشعب. بل عنده أخبار سياسية غير ساره وأخبار اقتصادية تنطوي على حمولات سياسية لن تكون الأزمة السورية واوروبا بعيدة عنها. وأن الرزاز موكل تحديدا بتهدئة الشارع وإلهائه وتخديره وضبطه لتمرير السياسة المطلوبه التي تبدو سالكة في الاردن وتغنج في رام الله. وإذا كان اسلوب سلطة رام الله في قمع الشعب الفلسطيني أخذ شكل القمع الاسرائيلي تماما، فإن قمع الشعب الأردني باستخدام العنف في الأردن يشكل خطرا على المشروع.
الأردن في طريقه ليكون فعلا الأردن الكبير الذي يتسع لكبر المؤامرة عموديا وأفقيا.. نحن امام تسارع في إعادة هيكلة مؤسساتنا وشعبنا، هيكلة ابتدأت منذ عقد من الزمان. وأمام لحظة تقسيم للأدوار ونهج العمل عالمكشوف. وليكن معلوما لكل دابة على الأرض الأردنية أنه لا تمرير ولا نجاح لتصفية القضية الفلسطينية ومكوناتها باسم صفقة القرن او غيرها إلا بموافقة الأردن أو بإخضاعه. الأردنيون بكل مكوناتهم وأطيافهم السياسية يتحملون اليوم وحدهم مسئولية دم فلسطين والأردن والمقدسات. وهم مطالبون بعمل وطني جامع واع ومؤثر ومنضبط سياسيا وأمنيا. ومسئولية الأردنيين المستجدين في المناصب لا تقل عن مسئولية من سبقهم. إنه وقت اتخاذ المواقف الفاصله والتكفير عن الجرائم.
ولو نظرنا للخارطة الاردنية الشعبية فلا نجد أمامنا حسابيا إلا النقابات جميعها والتي تضم مئات الألوف وامتداداتها ملايين. وتمثل كل مكونات الشعب وتمتلك الوعي السياسي والثقافي والتنظيم والمأسسه. والأمل معقود عليها وعلى إرادتها لقيادة الشعب أو تحريكه في مواجهة حضارية لمجمل المؤامرة على القضية وعلى الدولة. ورسالة رفض الشعب بكل مكوناته يجب أن تقرع ابواب كل الدول الأوروبية والأمريكية والمتصهينة، فكلهم متواطئون وكلهم يريدون النيل بشئ من بعير يُنحر.
كاتب وباحث عربي