لم يُخذل شعبٌ أصيل ولا قضيةٌ، كالشعب الفلسطيني وقضيته، خذلته عصبة الأمم والأمم المتحدةه والعالم، خذلته الأيدولوجيا وأصحاب القيم والأصدقاء، خذلته العروبة وخانته الأعراب، يئس العرب من قضيته، ويئس منهم، بينما التاريخ لم يخذله في تخليد اسمه العابر لعشرة آلاف سنة سبقت كتابة العهد القديم الذي كرر ذكره وأقرن اسمه بحقبة ابراهيم وإسحق ويعقوب التي تعود الى ألفين عام قبل الميلاد، انزلقت الصهيونية في شر أعمالها، والمستجدات في صالح الفلسطيني، فهل يخذل هذا الشعب نفسه، ماذا هو فاعل الأن.
عبارة واحدة فيها يكمن تعقيد القضية الفلسطينية وفشلها، وفي الإنقلاب عليها يكمن الحل عبارة يسمعها الشعب الفلسطيني على الدوام ولا يتوقف عندها يقولها كل نظام عربي بلا استثناء ويتذرع بها وهو من صناع فرصتها، ويقولها كل أحرار العالم دولا ومؤسسات وأفرادا بنية حسنة، يقولها كل الأضداد في العالم وفي ضوئها نشهد احجام الأصدقاء ومحدوية مساعدتهم، ونشهد بنفس الوقت تمرير المتأمرين لأهدافهم،. وهذه العبارة هي (نحن مع خيار الشعب الفلسطيني) والخيار الفلسطيني أمام الأنظمة العربية والدولية هو خيار السلطة الاستسلامي كممثل رسمي للفلسطينيين حتى لو كان شكليا، وليست هناك أليات قانونية لدى أية دولة صديقة أو عدوة تؤهلها للتعامل مع الرفض الفلسطيني ولا التعامل من فوق الطاولة مع لمقاومة أعتقد أن تغيير مكونات المعادلة الفاسدة قادم.
قامت اللعبة الصهيونية كلها على اختراق وحدة خيار الشعب الفلسطيني وهي تعلم بأن مهمة مرتبطة بالعبث بوحدة مؤسساته وممثليه وخطابهم وقرارهم، وعلى خلفيتها صَنعت وتَصْنع مع عملائها من الحكام العرب كل سيوف الباطل باتجاه تعطيل أو تزييف أو تفتيت مؤسسات الشعب الفلسطيني ووحدته وإرادته وكان أن نجحوا في إظهار خيار الشعب الفلسطيني لنفسه وأمام العالم مجزءا على أسس أقول بأنها عميقة لأنها أسس تجعل من منطق التاريخ والشعوب في مقاومة الإحتلال محل نقاش وجدال لتعطيله، وكانت أوسلو السم الذي دُسَّ في آليات وحدة الشعب الفلسطيني وقراره وفي خياره التاريخي، بانعكاساتها المدمرة لقضيته على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني… حتى أصبح العالم الذي كان ينظر لهذه القضية كقضية تحرير ويتفهم مشروعية نضال الشعب الفلسطيني المسلح ضد اسرائيل حتى خارج فلسطين، يرفض اليوم نضاله ومقاومته ويتأمر عليها في داخل فلسطين ويصفها إرهابا، فماذا بعد؟
ألا يعلم هذا الشعب المحتل وطنه بأنه هو الشعب العربي الوحيد الذي يمتلك من الحرية والقدرة على العمل من بين الشعوب العربية التي سلمت زمام أمورها لمغتصبيها والوحيد الذي لم ييأس، ويستطيع مواجهة حكامه، والوحيد من بين الشعوب العربية المؤهل لتحرير قطره شعوب كلها تعلم بأنها استسلمت لخونة وجعلت من نفسها ومن أوطانها بضاعة بلا روح ولا إرادة تباع وتشرى . الشعب الفلسطيني يشهد اليوم إسرائيل وهي مرتبكة تتخبط بقراراتها من نشوتها بهول الاستسلام العربي كما ونوعا، ويشهد إزاحتها لأقنعتها وكشفها عن وجهها الحقيقي لكل واهم، وبداية صنعها لمقومات انكسارها، وتوفير مقومات النصر للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها توحيد همَّه في الداخل والضفة والقطاع والشتات وأضاءة طريقه من جديد
إن عِظَم خطورة الحالة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيته الأن تترافق مع عِظم الإيجابيات التي صنعها التخبط الإسرائيلي والتي إن استغلها واستثمرها الشعب الفلسطيني ستكون إحلالا لنعمة الله على هذه الأمة بالتخلص من السرطان الصهيوني، فتحرير فلسطين مفتاح لتحرير كل الدول العربية، تماما كما هو تحرير الدول العربية مفتاح لتحرير فلسطين ولكنه مفتاح سرطنوه والسوس ينخره، فهل يستجيب الشعب الفلسطيني ويستخدم أوراقه الضاغطة ويسقط حاكمه التي سقطت كل أوراقه، وينتفض على قياداته ويفرض نفسه وإرادته عليها في الشارع وينهي الانقسامات لصالح نهج تشاركي جديد يعيد فيه القضية الى حضنه ويطلقها في مسارها التاريخي الصحيح – مسار المقاومة الراشده ـ؟
بصرف النظر عن الممارسات الاسرائيلية ضد شعب فلسطين وحصار غزة كعقوبة جماعية لا سابقة لها في التاريخ ـ فإن صفقة القرن التي تقوم على الغاء وطن وشعب من الخارطة الدولية ومنتجها تهويد القدس وقانون القومية اليهودية الذي يعتبر فلسطين دولة قومية “للشعب اليهودي” ويحصر حق تقرير المصير باليهود ويجعل من العرب هناك مقيمين من الدرجة الثانية تحت طائلة التسفير، كلها خطوات صهيونية تكشف عن الواقع بشفافية وتضع العالم ودولة الاحتلال أمام مستجدات تشكل واقعا جديدا إن استثمره الفلسطينيون فسيقفون من جديد على أرضية صلبة للتحرير، وألخصها بالنقاط التالية:
– سقوط ملعوب نهج أوسلو وسلطتها وأوراقها، وسقوط كل المحاولات الفلسطينية والعربية والدولية بالبرهان في تطويع نهج السلام لتحقيق الحقوق الفلسطينية على أسس غير علمية، وتعرية النوايا الصهيونية أمام العالم الحر وكل مغدور بنوايا اسرائيل.
– ستنجر دول العالم والأوروبية منها على وجه الخصوص الى تحمل عبىء تداعيات تصدير اسرائيل للقضية الفلسطينية وشعبها للخارج وسيكون العرب والمسلمون في كل دولة أجنبية في صلب القضية من جديد في مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته، ولن تكون تلك الدول الا في الصف الفلسطيني على أسس جديدة.
– سيصبح فلسطينيو الخط الأخضر والضفة والقطاع في مواجهة مشتركة مع الحقيقة الصهيونية كاستعمار إحلالي في كل فلسطين وبأن الفلسطينيين كلهم مستهدفون أينما كانوا داخل فلسطين، وسيصنع هذا أمامهم فرصة التوحد على أساس بات يتفهمه الجميع بأطيافهم، وسيتغير نهج الأحزاب والاتلافات الفلسطينية داخل الخط الأخضر وستصبح أكثر ارتباطا وتواصلا مع ما يستقر عليه الوضع الفلسطيني النضالي .
-، ستكون الفرصة مهيأة لشرخ في البنية السياسية للكيان الصهيوني في فلسطين . وذلك من واقعين، الأول هو رفض تشكيلا ت سياسية اسرائيلية وناشطين صهاينة للسلوك الاسرائيلي وأهدافه لاختلاف فهمهم للتسوية الديمقراطية التي تبقي على اليهود في فلسطين، الثاني رفض اليهود والمتهودين الذين جاؤا الى فلسطين بقصد الاستقرار للسياسة والنوايا الصهيونية التي تغاير فهمهم لقواعد السياسة التي تبقي على الكيان الاسرائيلي قائما ومستقرا من واقع ادراكهم للتداعيات الوخيمة على الكيان المحتل من صفقة القرن ومنتجها القدس وقانون القومية، ونحن هنا لا نحسب تغيير سلوك التشكيلات السياسية العربية هناك ولا سلوك العرب، كحساب لا يدخل في البنية الصهيونية.
لم يعد الاصلاح والمصالحه حلا فقد تجاوز الواقع الفلسطيني سقف هذا، وبات المطلوب هو التغيير الجذري لكل ما هو قائم، والتقدم السريع نحو استثمار واستخدام تلك المستجدات والتداعيات الإيجابية، وهنا تأتي مهمة الشعب الفلسطيني في اسقاط الشرعيات الفلسطينية السياسية الفاسدة والفاشلة أولا، وبناء شرعية المقاومة الراشده بدءا ببناء مؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية والمالية على أسس ديمقراطية منفتحة على العالم، وقادرة على أن تستمر بنهج التاريخ حتى تُحقق التاريخ على طاولة مفاوضات من صنعها، لا مقايضة عليها في الحقوق ولا شروط فيها إلا شروط المنتصر، وعلى مرجعية تحقيق الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف كاملة وعلى رأسها إزالة الاحتلال وممارسة الفلسطينيين لحقهم في تقرير المصير على ترابهم الوطني . ولا يبدأ التفاوض إلا بسقف يتناول الوجود الصهيوني في فلسطين ومحاسبته على كل ما ارتكبه من جرائم وسببه للشعب الفلسطيني.
فما دور الشعوب العربية القادم، وهي التي عندما عزلت نفسها عن فلسطين والقضية الفلسطينية لحسابات وطنية إقليمية واهمة بمعزل عن الحساب القومي ووحدة المصير، فإنما باعت تفسها وخانت اوطانها وعروبتها ودينها وقيمها وهي اليوم تعاني الذل والقهر، والفلسطينيون يعانون حلاوة الصمود والمقاومة والاستشهاد، حكامها يتفقون على العمالة ويختلفون عليها والهدف فلسطين، فهل تتفق شعوبنا على الوطنية وتختلف عليها والهدف فلسطين؟ الأوطان والمقدسات والقبلة الأولى لا تقبل اعتذار الشعوب العربية، لكن الشعب الفلسطيني تحت التراب وفوقه يقبله منها حين تجسده حبا وعطاء واصطفافا معه في وجه حكامهم وحكام الصهيونية وأعوانها وحين توحدها فلسطين وقضيتها، ولتكن في كل دولة عربية منظة غير حكومية تحصل على مركز المراقب في الأمم المتحدة وهو أمر متاح، وأن يكون غرضها فرض الأفضلية لرعاية الشعب الفلسطيني والدفاع عن قضيته.
كاتب وباحث عربي