لماذا يستهدف الانسان اليمني بهذه القسوة.. ولمتى سيبقى الحسم العسكري والتفاوضي للحرب فاشل

الحرب على اليمن من أغرب وأبشع حروب الوكالة وأكثرها عبثا بحياة شعب ومقدراته، فقد أوهمت امريكا النظام السعودي قبل سنوات بأنه قادر على حسم الصراع السياسي هناك والتحكم بهذه الدولة بغزوة جوية، لكنها فشلت وامتدت لحرب استنزاف بلغت كلفتها المنظورة حتى الأن مئات المليارات، فالقرار من صنع أمريكي والمنفذ هي السعودية، اليمن دولة فقيرة المال والاقتصاد والادارة رغم ثرواتها الهائلة بما فيه خارطتها الجغرافية البرية والمائية الاستراتيجية والهامة للعالم، نظامها الذي سطا على الحكم كما سطا من سبقوه طلب الدعم من ايران وتحالف معها تحالفا أمينا بعكس تحالف السعودية مع امريكا غير الأمين، واصبح دعم ايران لليمن في سياق صراعها مع السعودية وأمريكا وليس في ظني أعمق من ذلك.
الكتابات السياسية على جراحات أهل اليمن لمن عايشهم مثلي مؤلمة . والسكوت أكثر إيلاما، اليمن أم العرب، واليمانيون أصل العرب، و نحن في بلاد الشام والعراق والخليج وحتى شمال أفريقبا قد نزح أجدادنا منها، وهناك العديد من العائلات تتشابه اسماؤها مع العائلات اليمنبة وحتى أماكنها، في اليمن شعب يذبح ومرض وجوع وتشريد ومقدرات تدمر ومفاهيم تتغير بصمت، وكله بالقرار الأمريكي الصهيوني والأيدي السعودية، وكله بصمت عربي ودولي يُعمقه سكوت الاعلام والمنظمات الدولية ذات الشأن، ولا نرى مؤشرات على نهاية ما يجري إلا في سياق نتائج الصراع في المنطقة وسوريا بالذات.
السعودية التي تخوض الحرب على اليمن وأذكرها دون غيرها لغايات المقال وأقول، إن ثراء اراضيها المادي والروحي ولَّد حاجة العدو لها وأسهم في إضعافها وإفسادها واخضاعها واستخدامها، فهي اليوم دولة فاسدة سياسيا وبالمعنى الشمولي، وتنطبق الأن عليها مواصفات الدولة الفاشله والنظام العميل على خلفية التأمر الصهيوني على فلسطين، وقد قطع العدو مسافة في محو ذاكرة الكثيرين فيها وتحميلهم مفاهيم جديد على المقاس المطلوب . ولم تتمكن يوما من بناء الجيش المحترف على عقيدة قتالية سوية، ولا تمتلك مقومات الحرب الهجومية ولا الدفاعية . فحسمها لمسألة اليمن بالحرب فاشل.
وحسمها بالتفاوض السياسي البيني فاشل أيضا، لأنها في واقعها ليست حربا بين مصالح البلدين، إنها حرب مربوطة بالأسباب التي قامت عليها في سياق سياسة اخضاع المنطقة وتفتيتها وتغيير مفاهيم شعوبها، إنها جزء من الصراع الدائر في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وتستهدف البلدين معا، واجتماعات مجلس الأمن ليست أكثر من تصريف أعمال لا تؤدي الا الى ضبط إيقاع الحرب وتمديد فترتها . إنها حرب تلتقي مع مصالح كل الدول الدئمة العضوية بالمجلس وأستثني الصين شيخة التصويت بالإمتناع، التي تعطي الرأي في مختلف المشاكل الدولية ولا تفعل شيئا نزولا عند حكمتها الخاصة بها.
اليمن بجناحيه الشمالي والجنوبي يمتلك كل إمكانيات القوة والعظَمة . المادية منها والروحية والبشرية والجغرافية لبناء دولة مكتفية ذاتيا وقوة مؤثرة في العالم وفي بناء نهضة عربية حضارية، وإن تفعيل مقوماتها خطر كبير على أعداء الأمة وعلى العقلية المادية التي تخلو من الروح، ولذلك كانت على الدوام مستهدفة سياسيا وإداريا، ولو سمح لنظام ديمقراطي فيها وتنمية بشرية لما رأينا عائلة واحدة من عوائل جيرانها في الجزيرة تصمد في حكم بلد بالوكالة مهما كانت عمالتها ومهما كانت قوة مستخدميها، ولسرت عدوى الديمقراطية فيها، فاليمن موطناً قديما للحكمة والسياسة، ومصدرا قديما للفاتحين بالثقافة العربية والإسلامية، وفيها العربي الذي لم يلوث الاستعمار مشاعره وفكره وما زال اليوم، ولكن في أجساد منهكة بفعل التحالف الاستعماري الذي يتبدل شكل استهدافه الى أن استقر اليوم على الانسان اليمني نفسه.
فالمقدرات اليمنية المادية ليست مستهدفة بالتدمير بل بديمومة السيطرة عليها، وهذا لا يكون ولا يدوم الا باستهداف الانسان اليمني وكينوناته . وهو ما شاهدناه ونشهده اليوم بأجلى صوره البشعة، إنهم يريدون دخول اليمن في استعمار مباشر مغطى بوكالة شكلية، يستهدف ثقافة إنسانها الموروثة ومفاهيمه بأشكالها، والمثال أمامنا ساطع في السعودية فنحن نشاهد اليوم كيف أن قسما من مواطنيها تركوا كل التطورات السياسية في دولتهم وما يجري من نهب واذلال فيها ولم يروا ما يستحق الثورة إلا عبث النظام بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبحت القضية لهم هي قيادة المرأة لسيارة، والقسم الأخر وجدها فرصة للحصول على حريات شخصية مفقودة فهل هناك أكثر انتاجية للأستعمار وأدْوم من النجاح باستهداف الأنسان.
الدول العربية كلها تم إسقاطها عسكريا وسياسيا واقتصاديا ولا سيادة لنظام فيها، وكل ذلك لا يكفي أمريكا الصهيونية، لأنه زائل أمام صحوة الانسان العربي وسوية سلوكه ومفاهيمه، وحالة هذه الدول القائمة ليست معزولة عن تاريخ الدول والشعوب، ومن هنا جاء قرار استهداف هذا الانسان نفسه، فواقع ما يحصل في اليمن وفي كل دولة عربية وخاصة تلك التي استهدفها الربيع الصهيوني، هو الانتقال الى مرحلة ما بعد سقوطها الذي نعيشه، وهي مرحلة استهداف إنسانها التي نشهدها لمسح ذاكرته وتغيير مفاهيمه واستسلامه بثوب المنتصر.
الأنظمة العربية ستبقى وتجدد نفسها في غياب الشعوب . والأمل بالمجتمع الدولي يخلو من المنطق في غياب الشعوب، ولو غيرنا كلمة فلسطيني بإسرائيلي في خبر استشهاد ماية وخمسن فلسطينيا في مسيرة العودة الذي مروا عنه، لاجتمعت كل مؤسساتهم وقاموا ولا يقعدوا، وأمريكا انتقلت من مرحلة التأمر لصالح الصهيونية الى التماهي الشفاف معها، لكن الشعوب عندما تكبو وتغفو فإنها تستفيق برنة جرس، ولنتذكر أن اسرائيل ومعها أمريكا وكل الانظمة العربية العميلة، قد قامت منذ سبعين عاما ولم تستقر ليوم واحد خلالها.
ومن هنا أخذت امريكا المهمة عنها مباشرة لتلبس اليوم دور تناقضنا الأساسي، ورنة الجرس لا تؤدي غرضها بنجاح دون وعي الشعوب العربية على حاضرها ومستقبلها وبدون نخب حقيقية ومضحية تأخذ على عاتقها المهمة، ألم يحن الوقت لهذا، أم نحن بحاجة لتعم الحالة الاستعمارية في كل بلادنا وتستقر، لكن حاجتنا ملحة لتواصل النخب العربية النظيفة ومأسسة عملها.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply