تجاوبت الأنظمة العربية وتعاونت في تنفيذ المطلوب الصهيو- امريكي بخلط الإرهاب بالتطرف المزعوم بالدين الاسلامي واعتباره سببا لهذا الارهاب الذي يعصف بدولنا وحدها، دون بحث ودراسة لطبيعة ومفهوم التطرف ومدى وجوده عندنا وعندهم، وبتجاهل معيب وسخيف لمصدر هذا الارهاب وسياقه السياسي المفضوح في الفضائيات، وفي تزوير صارخ للتاريخ وتجني على العقيدة والحقيقه، يستتبعه مخطط يتوسع لينال من مكونات الشخصية العربية وثوابتها الروحية والوطنية والسياسية.
وسارعنا في الأردن الى توثيق هذا المفهوم بتشكيل ما يسمى “وحدة مواجهة التطرف”، في عملية ربط متعمد ومضلل لا يَلقى تفهما إلا من أصحاب الأجندات الكريهة وممن لا يريدون مواجهة اسباب الارهاب الحقيقية، بل التعمية عليها، كما نحا نفر دون وعي الى تكريس التعمية على مصدره ومصدروه بإرجاع سببه للظروف الحياتية الصعبة لشرائح سكانية، بينما الفقر والبطالة والظلم والجهل ما تسبب يوما عبر التاريخ بالارهاب ولا بصنع ارهابيين. وأمامنا أمثلة واضحة في دول العالم التي عانت وما تزال تعاني من كل هذا ولا نشهد ارهابا فيها أو منها.
الارهاب كان وما زال مرتبطا بالسياسة القذرة، أو بالفكرة الاستعمارية ويستهدف الدول والشعوب في لحظات ضعفها . وسوابقه التاريخية عند الفرنجة شكلت علامات فارقة لا أوطى منها في التاريخ الإنساني . وتعريف الإرهاب باختصار هو استهداف منظم ومحسوب للمدنيين الأمنين وغير المحاربين كطرف ثالث برئ بأبشع أساليب القتل والفظائع المروعه للضغط من أجل تحقيق غرض غير مشروع ولا مبَرر . إنه صنيعة ساسة ومنتوج سياسي، وما نراه حاليا في سوريا وليبيا من صراع سياسي اجنبي يتزامن مع قرب استكمال الارهاب لدوره، الى جانب الواقع الذي نشهده في فلسطين، هو مثال نعيشه.
أما الارهاب المعاصر، فجاءت به الصهيونية المتحالفة مع الغرب واستخدمته بأجلى صوره في فلسطين على خلفية احتلالية استعمارية عندما شكلت جيشها من عصابات ارهابية تتوزع الأدوار في استهداف المدنيين الفلسطينيين غير المسلحين في قراهم ومدنهم بأبشع الصور، والذي لولاه لما كان احتلالا ولا مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وكما شاهد العالم كله على شاشات التلفاز رابيات اليهود يصعدون على ظهور الدبابات المهيأة لاجتياح غزة وهم يتلون على العسكر أيات التطرف الديني والعنصرية حتى لا تكون هناك شفقة لديهم بقتل الأطفال والأبرياء.
إن التطرف بمفهومه الواعي والمدمر لا يكون مرتبطا إلا بسياسات الدول والكيانات العنصرية، أما بين الأفراد فمسألة نسبية ومرتبطة بالفروق الفردية بمفهوم مرتبك لا يخلو منه مجتمع . والحديث عن التطرف الإسلامي المدعى به، ما هو في الواقع إلا في إطار اجتهادات لا تتعدى يمين أو يسار الوسط في النص الديني الثابت،ولم يؤد ذلك إلى سابقة تاريخية في تسيسه أو في صنع تطرف ضد الأخر أو إرهاب دولي . فهذا الأمر محسوم من حيث المبدأ في العقيدة الإسلامية، والشواهد التاريخية أمامنا في عدم مواجهة التطرف بالتطرف أو الإرهاب بالإرهاب لحرمة الدم البري، رغم أن النظام الأمريكي الصهيوني بالذات ليس معنيا بالدين وقيمه الروحية والأخلاقية، بل معنيا باستخدامه وبمفهوم المادية وحدها .
لست محاضرا في هذا المقال على أحد بمعلومات يعرفها الجميع، بل أتكلم لتتأكد أنظمتنا وكل المتواطئين في الداخل والخارج أن أحرار العرب والمسلمين جميعهم واعون على المغالطات والخيانات والسياسات الاجرامية . وأن الأنظمة العربية وأشخاصها الذين يتلونون بين ظهرانينا بألوان الحرباوات في بيئتها هم وحدهم من يحتاجون الى وحدات التأهيل الثقافي والوطني والإنساني . وإن وحدات مواجهة التطرف لهم وحدهم تُشكَل . فالتطرف المرتبط بالإرهاب واضطهاد الأخرين معدوم في ثقافتنا الإسلامية ونصوصها، ونوع من الكفر في عقيدتنا.
وعلى أمريكا والصهيونية وكل ذي بصيرة أن ينتبه إلى أنه لولا الفكرة الاسلامية القرآنية لكان التطرف منتوجا طبيعيا عند كل عربي ومسلم إزاء ما تعرضوا ويتعرضون له من تطرف حيواني واستهداف جبان بلا رحمة ولا توقف.
ألم يراجعوا ردة الفعل الإسلامي على ما رافق استهداف ملوك أوروبا لبلادنا باستخدام الكنيسة والدين لفظائع الإرهاب من خلال الحروب الصليبية . وعلى ما رافق انهيار الحكم الاسلامي في الأندلس مع سقوط غرناطة وفنون المذابح ضد المدنيين المسلمين وهم في وضع الأسرى حينها، والتي اعتبرت افظع جرائم الانسان في التاريخ على يد محاكم التفتيش بما فيه الاعدام بالحرق على نار الحطب الهادئة؟ وأن اليهود حينها لم يجدوا سوى بلاد المسلمين يلتجئون اليها.
فهل شاهدتم مع كل هذا تطرفا لاحقا في السلوك الاسلامي أو ردة فعل إزاء تلك الخلفية المرعبه؟ وأين الإرهاب الذي صنعه تطرفنا إن كان موجودا ؟ ألم يكن ابن تيمية وتلامذته وإرثه الديني موجودا قبل قرنين من تلك الأحداث ؟ أم أن النصوص القرآنية تغيرت لا سمح الله ؟ . وهل هذا التطرف الديني المدعى به اليوم هو الذي شكل ومول وحمى الارهاب الذي نعاني منه اليوم ولا يعصف الا بالدول العربية . كفاكم حقدا لا يقتل إلا أهله، وكفانا تقصيرا وانقيادا واستسلاما للعدو وسياساته، فهذا بحق الوطن والدين والخُلق رِدة وخيانه.
احتلال فلسطين وتهويدها واستعمار ديار العرب هو وحده وراء صنع الارهاب الذي يمارسونه منذ عقدين حتى تمكنوا من تسمية حركات التحرر الوطني ارهابا وجعلوا من حكامنا يسمونها تطرفا ويتعاملون معها ارهابا . وما صُنْع أمريكا لمشايخ دين وتجنيدهم كعسكريين للحشد لهذا الارهاب الا نتيجة فشلها في اختراق ثقافة جموع المسلمين القائمة على الاعتراف بالآخر وحريته في اختيار دينه، وعلى أولوية قدسية دم الإنسان البريء على قدسية الكعبة المشرفة نفسها.
وقواعد الاشتباك في الحروب التي أوصى بها خلفاء المسلمين جيوشهم هي عنوان عقدي وتاريخي للعرب والمسلمين، يقابله عند الصهيونية وبالنص الحرفي الشفاف قواعد اشتباك توصي بحرق المزروعات والمدن وقتل الحيوانات وطم الأبار وهدم المعابد وقتل الأطفال والشيوخ وووو……
لا عذر أمام المسئول المخلص لأمانة مسئوليته سواء كان مالكا أو غير مالك لولايته الدستورية في الإنسياق وراء سياسة الدوائر الصهيونية في شأن داخلي، اقتصاديا كان أو سياسيا أو ثقافيا . ولا في تطويع السلطان الداخلي لشأن خارجي، ولا الإنسياق للتغطية على الاسباب السياسية الصهيونية الحقيقة للأرهاب ومصدره لا سيما حين بربطونه بتطرف يدعون وجوده في ثقافتنا، بينما لهم في هذا مآرب تستهدف إرثنا الثقافي ومبادئنا وثوابتنا السياسية والوطنية والروحية . ولا يمكن تفسير غاية وحدة مواجهة التطرف بدلا من وحدة مواجهة الإرهاب على أسسه السياسية إلا في سياق الحشد لفقهاء السلاطين الدينيين والسياسيين . هؤلاء السلاطين الذين تحولوا الى جزء من أليات صانعي الارهاب ومستهدفي ثقافة الأمة وعقيدتها التي لا يأتيها الباطل.
ألم يفكر المسئول الأردني بأن الارهاب الذي دخل سوريا والعراق ومصر قادر على دخول الأردن ؟ أم يعتقد بأن امكانات ومقدرة الجيش والأمن والقيادة في الاردن متفوقة . ألم يفكر بأن مرتكبي الأعمال الارهابية بين الحين والأخر هم من المنتمين لمنظمات ارهابية لأي سبب كان، وأن عملياتهم التي شملت الشمال والجنوب والوسط جاءت بمواعيدها كرسائل بقرارات مركزية تحمل بالنسبة لأمريكا والصهيونية صفة التهديد والإبتزاز بأن الأردن بنظامه وشعبه ليس عصيا على الارهاب ولا بعيدا عن الاستهداف وأن عليه الرضوخ والاعتماد على امريكا وسياستها ونصائحها .
نظامنا منهمك في إحداث التغيير في الشعب باتجاه ما تتطلبه المرحله لتنفيذ المطلوب، وبتدوير الحكومات ذات النهج الأمريكي الواحد، ولا فرق عندنا بين رئيس حكومة يخدم النهج الفاسد بتعميقه، وبين رئيس يخدمه بامتصاص حراك الشعب ضد النهج . فالنظام لا يفاضل في اختياره لأزلامه على أساس من الذكاء أو الغباء أو الكفاءة، بل على أساس من اللاَّوطنية وصمت الأصنام.. وعندما يسمع هذا الرئيس صوت مواطن ويجاوبه ب (لا ترحل يا فلان وكن مطمئنا ). فالأولى به أن يسمع أولا ويجيب من يسألونه، هل أنت تمتلك ولايتك الدستورية وحرية القرار . أجب ليعرف الشعب إن كان لوجودك مبرر نظيف، وفيما إذا كنت مؤهلا لفعل شيء له لا عليه.
سلوكك لا يعطي أي انطباع بالتغيير للأفضل ولا أنك وحكومتك سوى حلقة في سلسلة حكومات النهج الأمريكي في تركيع الشعب . والفارق أنك جئت لابساً عباءة ورثتها وليست على مقاسك، في أدق مرحلة تاريخية نمر فيها، إعلم كغيرك بأن ليس في الأردن تطرف ولا حواضن للإرهاب بل فيه فرنجة يحملون سيف الإرهاب بيد وكراس المؤامرة بالأخرى وستكون مسئولا أمام التاريخ بالتضامن والتكافل مع غيرك عن كل النتائج. وليست النخب الوطنية الوازنة شعبيا ودوليا بمنأى عن مسئوليتها بالمقابل، فهل تتقدم هذه النخب لتقول لأمريكا إن الشعب موجود وله رأي أخر رافض؟
كاتب وباحث عربي