لماذا يرفض الملك الكونفدرالية مع الضفة؟ ولماذا لجأ عباس الى قرار (الإتحاد من أجل السلام) بشأن القدس.. وهل هناك ارتباط بين التوطين وإلغاء قرار فك الارتباط؟

الأردنيون والفلسطينيون أمام فعل امريكي اسرائيلي كبير ولا يروا من حكامهم ردة فعل إزاءه سوى كلمات الرفض.. ورفض الضعيف الذي لا يمتلك ما يستطيع به تفعيل رفضه لا يعني الا الرضوخ ولا يشغله سوى كيفية الإخراج، الزعامتان في عمان ورام الله تمتهنان لعبة خلط الأوراق مع الشعب للتعمية على الحقيقة، وسأتناول في هذا المقال مثالين هامين في هذا السياق، الأول هو رفض الملك للفدرالية والكونفدرالية مع الضفة، والثاني ذهاب سلطة رام الله الى الجمعية العامة لاستصدار قرار بشأن القدس تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام).
بالنسبة للملك والكونفدرالية، بتقديري أن الملك كغيره من حكام العرب ينطلق في مواقفه من الحرص على حكمه وسلطته كأولوية لا تتقدم عليها أخرى إلا عند فرضها فرضا، فالفدرالية أوالكونفدرالية مع الضفة لم تكن يوما مطلبا للقيادة الهاشمية ولا لإسرائيل، ولم تعد الأن مطلبا لأمريكا طبقا لصفقة القرن، فالكونفدرالية مع الضفة تعني للملك خطوة لمشاركة الفلسطينيين له في الحكم والسلطة وتهديدا محتملا لها، أما للكيان الإسرائيلي فهي أيضا أمر كان وما زال مرفوضا لأنه يعني التخلي عن السيادة على أرض في فلسطين، وبالنسبة لأمريكا فإنها لا تتفق مع صفقة القرن، فالأمر غير مطروح أصلا ولكنه يشكل طوق نجاة لسلطة عباس، فالفدرالية أو الكونفدرالية بين الاردن والضفة لا يمكن أن تشمل الأرض أوالسيادة عليها . والسعي القائم هوايجاد وسيلة للتخلص من سكان الضفة بصيغة ما لن يكون الأردن بعيدا عنها، وباعتقادي أن السلطة لن تكون في المعادلة القادمة.
إن الأردن ومنذ احتلال الضفة عام 67 لم يطرح مع الاسرائيليين بديلا عن استعادة الضفة للملكة سوى مشروع المملكه المتحدة ورفضته اسرائيل، التي لم تطرح بدورها أقل من التمسك بالسيادة على الضفة كأرض لا كسكان، وهي تعتبر رسميا وفي المحافل الدولية بأن احتلالها للضفة عام 67 كان تحريرا لها من الاحتلال الأردني، فمنذ البداية كانت مسألة وجود كيان سياسي فلسطين وطني في فلسطين خطا أحمر للوكالة اليهودية وبريطانيا، ولذلك ضُمت الضفة الغربية للأردن باسم الوحدة في خطوة استباقية مبكره، وبنفس السياق فإن وجود كيان سياسي للفلسطينيين في الأردن مرفوض للنظام الهاشمي وللأردنيين والفلسطينيين، وقيام هوية سياسية فلسطينية داخل الأردن أو هوية سياسية أردنية مرتبطة بالأرض الأردنية أمر مرفوض للنظام الذي يصر على أن تكون الهويتين مرتبطتين مباشرة بهوية الملك، وهذه النقطة تتقاطع عندها مصلحة اسرائيل في التصفية والوطن البديل مع مصلحة القيادة الهاشمية في الانفراد بالسلطة وديمومتها.
الأردن بالنسبة لأمريكا واسرائيل وديعة سياسية لدى القيادة الهاشمية، والضفة الغربية كأرض كانت وديعة أيضا، ولم يكن قرار فك الارتباط الاداري مع الضفة سوى نتيجة لضغوطات غير واعية من الدول العربية ومن قيادة المنظمة تزامنت مع ضغوطات امريكية إسرائيلية على الأردن بهدف تخلي الأردن قانونيا عن المطالبة باستعادة الضفة كأرض محتلة له طبقا للقرار 242 ومبدأ الأرض مقابل السلام، ولفتح المجال لاستفراد اسرائيل بالضفة وبالفلسطينيين وهم في أسوأ وضع، وهذا ما تم . وبعد أوسلو وإيجاد السلطة الفلسطينيه أصبح حل الدولتين هو الضامن الوحيد للكيان السياسي الاردني المستقل بقيادته الهاشمية، لكن جثمان هذا الحل الذي ولد ميتا قد شيع، ودفن والحديث به خلط في الأوراق.
وقرار فك الارتباط هذا يعلم نظامنا بأنه غير دستوري، وأصر ويصر على عدم دسترته بنفس الوقت، وهذا ليس من فراغ، لقد جاء بجرة قلم وقد يذهب بجرة قلم، فتصفية مسألة اللاجئين التي تشكل البعد السياسي الدولي للقضية الفلسطينية من خلال الأونروا التي يصعب إلغاؤها بقرار من الأمم المتحدة، يجري الأن استهدافها بقطع التمويل عنها حتى تتوقف بحكم الأمر الواقع، وسيتبع ذلك أو يترافق معه قبول الأردن للتوطين طبقا لتصفية القرن، وعند الموافقة على التوطين فلا معنى يبقى لبقاء فك الارتباط مع أناس كانوا بالأمس أردنيين وما زالوا كذلك دستوريا.
أما سلطة رام الله فلا تصنع حدثا لتخلط الأوراق كما الأمر في عمان، بل يوضع أمامها الحدث الكبير وعلى خلفيته تفرخ له أحداثا تتعامل معها كنوع من خلط للأوراق وتمرير الحال، وسأتناول هنا كيفية تعاملها مع الفصل الأول من صفقة التصفية والمتمثل بقانون امريكا في ابتلاع القدس وذهابها للجمعية العامة لاستصدار قرار (الاتحاد من أجل السلام) كبير العنوان وخالي المضمون وخالي الجديد، كنوع من خلط الأوراق، كون هذه السلطة كمتعاقدة في اتفاقية أوسلو كان عليها أن تباشر بعد القانون بالإعلان أمام العالم بإنهاء العقد وحل نفسها والعودة لمربع المقاومة الذي كان قبل أوسلو.
لقد استخدمت السلطة لعبة الأمم المتحدة لخلط الأوراق، وهي نفسها اللعبة التي يستخدمها العدو معنا ومع قضايانا، فذهبت للجمعية العامة لاستصدار قرار منها بعنوان (الاتحاد من أجل السلام)، في ربط زائف في الأذهان بالقرار الكوري رقم377 لعام 1950 الذي اتخذته الجمعية بنفس العنوان وشنت بموجبه امريكا وحلفاؤها الحرب على كوريا الشمالية لاخراجها من الجنوب الكوري، لكن القرارين مختلفان بالموضوع والمضمون والهدف والظروف والأبطال، وما جاء قرار القدس إلا لتمتص نشوته غضبة الشعب وتُغيِّب عنه حقيقة ما كان على السلطة فعله وهو حل نفسها إزاء ما يمثله القرار الأمريكي من نسف لأوسلو ومن خطوة أساسية لتصفية مكونات القضية.
. لقد كان اللجوء الأمريكي الغربي الى الجمعية العامة استخداما لها لتجنيب السوفييت الحرج من عدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد كوريا الشمالية، والقرار الذي اتخذته الجمعية كان قرارا سياسا توافقت عليه الدول الكبرى من أجل استخدام القوة تحديدا وبالنص، وهو “إذا فشل مجلس الأمن بسبب عدم تحقق الإجماع بين أعضائه الدائمين في ممارسة مسئولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين فإن على الجمعية العامة أن تعالج الأمر بنفسها مباشرة وتطلب من الدول الأعضاء استخدام القوات المسلحة لإعادة الوضع الى ما كان عليه قبل قبل العدوان”.
وهذا القرار كان حالة تاريخية لم تتكرر ولوكان له ان يتكرر لتكرر عام 2003 عندما تعذر اتخاذ قرار امريكي بريطاني بشن الحرب على العراق، حيث سحبت هذه الدول مشروع قرارها وأخذت القانون بيدها ولم تذهب للجمعية العام، وقد اعطى هذا القرار انطباعا بأن الجمعية العامة مرجعية لمجلس الأمن، وبأن الجمعية سيدة نفسها، بينما الميثاق لا ينص على ذلك، والأمر لا يتعدى استخداما للجمعية العامة.
بينما القرار الخاص بالقدس بعنوان (الاتحاد من أجل السلام) فعلاوة على أنه اتخذ بمعزل عن الدول الفاعله بمجلس الأمن والقادره على تنفيذ او منع تنفيذ أي قرار، فإنه بمنطوقه لا يحمل سوى التذكير بالقرارات الخاصة بالقدس والتي اتخذها مجلس الأمن والجمعية العامة خلال العقود الماضية، ولا يطالب هذا القرار أحدا باستخدام القوة ولا بالضغط على أمريكا واسرائيل إنه قرار لا يقرر شيئا، ولا يساوي القرار الكوري بأي شكل ولا يساوي الرد المطلوب على امريكا.
وأخيرا فإن السؤال الذي يجول بخاطر القارئ العربي دائما هو، (ما العمل وما الحل؟)، إنه سؤال صعب، ولكن الإجابة عليه سهلة، إذ علينا كعرب أن ندرك بأننا في هذه الحقبة نعيش نتائج منطقية لسلوكنا عبر عقود وربما قرون لم نكن فيها نتكيف أو نتجاوب إيجابيا مع المتغيرات، ولا يمكن الإنقلاب على النتائج إلا بالإنقلاب على مقدماتها وهذا لا يأتي بيوم وليله، بل علينا أن نبدأ بعملية تغيير لما في النفوس والعقول الى القدر الذي يؤهلنا للتكيف والتجاوب الإيجابي مع المتغيرات، والذي وحده يصنع منا أمة قوية قادرة على حماية نفسها والتقدم.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply