لماذا يتهرب الأردنيون من التحديات الحقيقية التي تواجه الأردن وما هي؟.. وهل يتجاوزون ثقافة اللونين الاستعمارية وفخها قبل فوات الأوان؟

تتجه البوصله الصهيونية اليوم الى الأردن وهي تحمل مشروع دفن القضية حية فيه ، وليكون شعب هذا البلد بمكونيه الرئيسيين شريكا في المؤامرة وليس فقط شاهد زور عليها، بينما الدولة في أسوأ حالاتها لا تحس بالشعب ولا الشعب يحس بها، إنها الحالة وراء الحقيقة من فصل شرق الأردن عن وعد بلفور، لكنها لحظة الحقيقة التي يتحمل فيها الشعب مسئوليته الوطنية وعبئا قوميا، هذه المسئولية لا تحتمل حالة الفشل، فلا يولد مشروع سياسي وطني أردني إلا ويحمل بذور إفشاله، وليس لنا تبرئة النخب الشعبية وقادة العمل الوطني من هذا الفشل، الذي نتلمسه في التسامح أو التغاضي عن القواعد الموضوعية والإجرائية في العمل السياسي الناجح والسليم في بلد كالأردن، وأبدأ الحديث من ما يمكن تسميتها بالإجرائية من خلال نقطتين مفصليتين وهما.
ـ الأولى: هي أن سياسة العزل الوطني الاستعمارية التي تمارسها الدولة منذ نشأتها في قطاعات الدولة كنوع من الفساد الوطني، تُمارَس ذاتها بقصد أو دون قصد في التجمعات السياسية الوطنية القائمه التي يغلب عليها اللون الواحد. ولا أتهم في هذا اللون الشرق أردني وحده، فهناك عزوف يبدو اختياري لدى المكون الغرب أردني عن المشاركة في الحراكات السياسية ، ولعل لهم أسبابهم التي أفهمها ، ومن هنا يجب على الشرق أردنيين أن يكونوا المبادرين بنبذ عوالق الثقافة الاستعمارية ومد مشاعرهم الوطنية والقومية لتتسع لإشقائهم في الوطن وعضدهم . فالأردن كالصقر الذي لا يعيش إلا بجناحية ، أما بجناح واحد فيُقضى عليه.
ـ الثانية : هي استمرار النخب وقادتها في خلط وإقحام استحقاقات الثقافة والعادات الاجتماعية الأردنية العشائرية والقبلية باستحقاقات بنية وبناء العمل السياسي الوطني، وكأن ذلك جاء أسوة بإقحامها باستحقاقات القانون المدني، فنرى نخب وشخصيات الأردنيين المتناقضين بالمفاهيم والفكر والسياسة والتوجهات الذين تجمعهم جاهة عرس أو بيت عزاء وكل المناسبات الإجتماعية كأمر طبيعي، تجمعهم أيضا الشراكة في بناء العمل السياسي المفترض أن تكون قاعدته على أرضية صلبه ، أقول تجمعهم على تناقضهم نفسه دون تلاق في الرؤية الوطنية وجدية التوجه والهدف ، ودون مكاشفة أو تفاهم شفاف على ذلك ؟؟؟ فعلى أية قاعدة يجري هذا يا ترى وكيف؟
أما القواعد الموضوعية لسلامة العمل الوطني ونجاحه فتتمثل في تحديد طبيعة التحديات التي يجب أن تمثل رؤية واحدة وفهْما واحدا وتوافقا على سُبل مواجهتها لدى أية مجموعة تُقبل على عمل وطني جاد ، على أن تكون لديها قناعة بأن القضية الفلسطينية هي قضية أردنية وطنية بامتياز لا قومية فحسب ، وذلك من واقع أن تصفيتها بأية مؤامرة كانت لا تمر في الواقع إلا على جثتي الأردن وفلسطين ، وعلى حساب سلامة وأمن العيش للجميع .. وإمّا على تخلينا عن مسئوليتنا نحن الأردنيين بالذات ، ونرتكب حينها” اللَّافعل الخياني”. ونحن في هذا أمام تحدين أساسيين اثنين هما ، نهج الملك السياسي، ووحدة وسلامة النسيج الشعبي الأردني. … وتوضيحي للتحديين كالتالي.
ـ الأول: هو نهج الملك السياسي، فكل مشكلة مستعصية في الاردن وكل معاناة للشعب أو للخزينة ، وكل إخفاق اقتصادي أو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي ، وعدم تسليم الولاية العامة لأصحابها واحتكار السياسة الخارجية والقرار ، وفشل الدولة ، كله نتيجة لهذا النهج المستجيب لمتطلبات الحليف الصهيو- امريكي ، الخارجية والداخلية والمنصبة بالضرورة على هدف الإطاحة بالقضية الفلسطينية وبالهوية السياسية للأردنيين والفلسطينيين .. فمسألة الإصلاح ومكافحة الفساد أمر مرتبط ببقاء النهج السياسي وتحالفاته الداخلية والخارجية واستحقاقاتها ، ولا منطق بالمطالبة بذلك ما لم تكن معطوفة على المطالبة بتغيير النهج وشعور الملك بالآمان، وإشغال الناس بذيول المشاكل تحرفهم عن المسار الذي يخاطب النهج السياسي، وكل ما يصدر عن الملك في ظل تمسكه بالنهج مرهون بالتنفيذ، والتنفيذ مرهون بنهج الحليف وأضع في هذا السياق المستوطنتين الاسرائيليتين في الأردن ،” الباقورة والغمر”.
أما القول بعدم استطاعة الملك من تغيير نهجه السياسي ،فلا سند له نظرا للخصوصية التي يتمتع بها والتي تؤهله لمواجهة خطر سيلحق بالدولة وشعبها وبالقضية الفلسطينية ، ويَلحق به شخصيا . والخصوصية هي أنه الوحيد من الحكام العرب الذي شعبه يتمسك به لأسباب ذكرناها كثيرا . وأن وقوف هذا لشعب معه كصاحب القضية وصاحب المصلحة والضرر المباشرين سيصنع فرقا سياسيا دوليا ايجابيا وحماية شعبية ودولية للملك وفرصة آمنة لتحالفات سياسية جديدة قادرة وراغبة في دعم الأردن . وإذا كان لدى الملك قول أخر ليسمعنا إياه ، فلا منطق ولا تفهم لاستمرار تحالفه مع العدو و الاعتماد عليه ،
ـ التحدي الثاني: هو رأب النسيج الأردني والمحافظة على سلامة تماسكه . فلدينا في الأردن ثقافة زرعتها بريطانيا طوبة طوبه للوقيعة بنا على أسس لا وجود لها بهدف تحويل عداء الشعب الواحد للعدو الوجودي المحتل الى صراع بيني، زرعتها بمفهوم من العدم معدوم النسب . وفي صورة المفهوم نرى، مواطنون مولودون أجدادهم في غربي النهر (فلسطين ) تدعوهم باسم فلسطينيين ككلمة حق يراد بها باطل، ومواطنون مولودون أجدادهم في شرقي النهر (الأردن ) أو في أي مكان أخر في العالم ومن أي عرق أو دين تدعوهم باسم اردنيين وأصبحنا أمام دمغتين لا مسميين، أين المنطق أمام المصابين في هذا الداء ،وكيف لا يكون الهدف سهل معرفته إذا استحضرنا وحدة الأرض والتاريخ على ضفتي النهر، ووحدة القومية والمصير والثقافة بكل مكوناتها.
وليكن واضحا ، بأن إعادة هيكلة لعبة هذه الثقافة التي تجري ببطء اليوم ، تأتي في سياق انتقال مشروع تصفية القضية لمرحلة متقدمه ، ولا علاقة لها بقرار داخلي صرف . وعلى الأردنيين بشرقهم وغربهم أن لا يفسروها على غير محملها ، ويعوا خطورة هذه الثقافة التدميرية وبأنهم محل لوضع ونزع الريش الملوث على رؤوسهم .
لا حياة آمنة لنا ، ولا لقضيتنا السلامه ، إن لم يخَلع كل اردني على الأرض الأردنية بالذات ، حذاءه ويصفع به هذه الثقافه الهدامة والمغايره للحقيقة وللواقع ولكل القيم القومية والوطنية والدينية والأخلاقية . ولتعلم كل بؤر الإفساد السياسي الرسمية والشعبيه المسوقة لهذه الثقافة بأننا لا نريد أن نسمع باسطوانة فلسطيني أردني المسمومة لا بالهمس ولا باللمس. كلنا اردنيون على هذه الارض، وكلنا فلسطينيون عليها، ومن يخرج عن هذه القاعدة فهو ليس من ملتنا ولا منا بل عدو بين ظهرانينا.
باحث وكاتب عربي

Leave a Reply