استمرار النظام والشعب دون التغيير في أحدهما يقود الأردن للهاوية.. فكيف الخروج من الحاله؟

لم يعد للأردنيين اليوم أية مرجعية وهذا واقع يشعر به الجميع، فلا الديوان ولا الحكومات ولا المؤسسات ولا القانون عادت مرجعيات شعبية وطنية، ولا الدستور عاد شريعة بين طرفين، بل حتى العشائر والقبائل لم تعد مرجعيات اجتماعية أو غير اجتماعية، فقد جُرد الأردنيون من البوصله بعد أن جُردوا من اعتباراتهم المواطنية ومن أية كلمة بحق وطن يُرتهن ومقدرات تباع ودولة تفشل ومستقبل غامض في درجة سوئه، ولا النظام مرجعيته وطنية، لا نريد هنا الحديث عن هذا الحاضر بل نريد الحديث عن كيفية الخروج منه سالمين.
وبهذا علينا الإعتراف أولا بأن كل الوسائل التعبيرية التقليدية الممكن أن يسلكها شعبنا في مواجهة هذه الحالة لتغيير مسار الدولة قد سلكها من خلال الإحتجاجات والإضرابات والإعتصامات والمظاهرات والبيانات والرسائل الموجهة مباشرة للملك شفويا وخطيا، وكلها فشلت إما بالتطنيش أو بالالتفاف عليها، وعلينا العلم بأن الدولة تعاملت مع تلك الحراكات الشعبية والوسائل الاحتجاجة بأساليب تخلو من العنف المتوقع من دولة دكتاتوريه أو من أية دولة عربية، ومرد هذا ليس الكرم ولا اختلاف في طبيعة حكامنا بل أن هناك قناعة تامة لدى الملك بعدم وجود أي تهديد شعبي أو داخلي حقيقي لنظامه، وبأن الشعب يريده ملكا مهما فعل، وهذه حقيقة وقائمة فعلا.
أقول بأنه إذا استمرت سياسة النظام أو الدولة هكذا، واستمر معه سلوك الشعب على حاله دون أن يتغير أحد الفريقين فنحن الى الهاويه، ولا أعتقد بأن المراهنة على تغير الدولة لنهجها مراهنة ناجحة، ولا بوادر على ذلك، وما مواقف النظام وقراراته السياسية الايجابية بشأن القضية الفلسطينية أو الأردن إلا مواقف وقرارات معزولة عن الواقع القائم وعن أسباب تحقيقها أو تنفيذها مما يفقدها المصداقية، فهي في واقعها التقييمي غير جادة ولا تعني شيئا ما دام ميزان القوة السياسي والتحالفي والعسكري بين الأردن من ناحيه وأمريكا واسرائيل من ناحية أخرى قائما نفسه، وما دامت تصريحات الملك الإيجابية بالشأن الداخلي لا تتعدى حقن التخدير يتبعها تعميق المرض ليتعاظم إحباطنا بالوضع الداخلي وبالمشاكل التي تعصف بالدولة وبعلاقة مكوناتها ببعضها.
ففي سعينا للخروج من هذه الحالة، علينا أن ندرك مرة واحدة بأن مشكلتنا ليست في الحكومات وبتصنيفها بين وطنية وغير وطنية، فلن تستطيع أية حكومه ولو على رأسها كامل الأوصاف أن تغير من الواقع شيئا في ظل بقاء النهج نفسه، فالمطالبه بحكومه وطنية هي مطالبة غير مفهومة وعليها علامات استفهام، بل أن الحكومة الوطنية يسعى اليها الملك نفسه عندما تتولد لديه الأرادة السياسية بتغيير النهج وعندها فقط تصبح المطالبة بالإصلاح السياسي وبمكافحة الفساد وإزالة الإختلالات في الدولة أمرا منطقيا وقابلا للتحقق، فوراء كل ما يعاني منه الأردن من مشاكل مستعصيه هو النهج وتحالفاته الخارجية والداخلية واستحقاقاتها.
إذاً، تبقى المراهنة على الشعب قائمة في أن يتغير ويغير من سلوك الاحتجاجات والمظاهرات والاضرابات والبيانات ويتخطاها كوسائل استهلكت، وأخرها البيان المحدد بنقاط ليس فيها ما لم يقال ولا ضير في ذلك، إلا أنها جاءت معزولة عن سياقها السياسي المتمثل في النهج القائم وسبقها عليه، وكمن يضع العربة أمام الحصان، أقول عندما يتمكن الشعب من أن يعبر عن وجوده تعبيرا منظما ومقنعا ومؤثرا فإنه عندها فقط يكون طرفا في المعادلة السياسية القائمة وقادرا على فرض التغيير الحقيقي، فهذا التغيير هو الذي سيحفظ الأردن دولة وشعبا ويحافظ على سلامة ثوابت القضية الفلسطينية وتحقيقها وإسقاط مشاريع التصفية، وهو وحده الذي يحافظ على مؤسسة العرش الهاشمية القائمة، هذا هو الهدف، فكيف تنجح المراهنة على الشعب للوصول إليه؟
لدينا في الأردن أحزاب، يفهم قادتها على أقل تقدير بأنه لا يمكن أن يكون لها دورها الطبيعي في تحقيق الفكرة الحزبية إلا في سياق دولة ديمقراطية أو في دولة نظامها في حالة تحول ديمقراطي ونحن نفتقد لهذا، ويفهمون أن شرعية وجود أحزابهم يأخذونها من حكومات وأجهزة الدولة ونظامها، وأنها بالتالي لا يمكن أن تكون إلا على قياس النظام القائم أو في خدمته بشكل أو أخر وأقلها تفريغ العمل الحزبي من فكرته وأخذ دور الديكور الديمقراطي، وعليه فإن هذه الأحزاب التي فضلت أن تكون على أن لا تكون لأسبابها، هي اليوم في مواجهة مع الحقيقة المرة التي تعايشت مع صنعها، ومطالبة بأخذ دور أخر تفرغ فيه نفسها في عمل وطني تشاركي فاعل.
إلا أن لدينا في الأردن شخصيات وطنية حرة ومؤثرة وعصية على التطبيع مع حالة الفساد السياسي والاداري والمالي السائده، ومنعتفة عن وظائف الدولة ومالها، وقد اكتسبت حق الرموز الوطنية ومنها رؤساء وزارات سابقين ونواب ونقابيين وحزبيين، وهذه الشريحة قادره على أن تفعل الكثير والمنتج.
وللوصول للهدف المنشود في ظل ما سبق من ظروف يَفتقد فيها الشعب لأية مرجعية حقيقية ، فإن الخيار الماثل أمامنا هو أن تقوم النخب الوطنية الحرة بقيادة رموزها المشار اليها بإنشاء حاضنه شعبيه كمرجعية وطنية من خلال مؤتمر وطني مؤطر تنعكس فيه وحدة الأردنيين جميعهم انعكاسا حقيقيا في بناء وبنية قاعدة هذا المشروع بمعزل تام عن سياسة التصنيف والعزل الوطني القائمة منذ إنشاء الدولة، وتنضوي تحت جناحي هذا المؤتمر من تشاء من قامات الوطن والأحزاب والنقابات وكل المؤسسات المدنية بصرف النظر عن كينوناتها وأطرها القائمة، فلا تعارض في ذلك طالما أن هذا المؤتمر الوطني هو من يمثل المرجعيه للقرار الوطني الشعبي.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply