الحركة الوطنية في الأردن تعاني من التدخل

الشعب في الأردن تائه وحائر بين تيارين عريضين ليس منهما قادرا على إسعافه، الأول يشكل الحكومات والمؤسسات والأجهزة تحت مسمى المسئولين، والأخر يتشكل من الناقدين والحراكيين والمعارضين ومؤسسات المجتمع المدني بما فيه الأحزاب والنقابات، ومنه النخب الشعبية، التياران من حقهما أن يكونا أصحاب قرار في سلوكهما دستوريا، إلا انه ليس منهما من يمتلك القرار ومع هذا يتصارعان حول ما كان وما يجب أن يكون لتصحيح المسار واسعاف الشعب والدوله، مما يجعل من هذا الصراع فاسدا، أما الشعب الذي هو وحده فوق الدستور فيأخذ دور المراقب والشاكي العاجز ولا يثق بكلا الطرفين من واقع ما يجري أمامه، فهو ما بين منتظر وبين باحث عن نفسه بعيدا عن الإهتمامات الوطنية، بينما الملك هو المالك والحاكم والموجه ومالك الرؤى والقرار، وتخلى عن دور المرجعية الشعبيه، ولكنه الغائب الحاضر. وحبل التواصل مقطوع بين مكونات الدولة في ظل هذه الحاله.
الشعب هو القبان، إلا أنه في هذا الواقع بيضة القبان ولكن لا حساب لها في الوزنه، فنحن نعيش حالة فيها القوي يفترس الضعيف والباطل يسحق الحق والجاهل معلم على العالِم، في مملكة من خارج ممالك العصر رغم الأخطار التي ولدت من رحمها والأن تجهز على رقبتها، مؤسسات الشعب فيها مسخرة لغير غاياتها والفراغ السياسي في الشارع يعبث به غير أصحابه ولا حل يتراءى في الأفق الا أن يفرض الشعب وزنه الذي يجده في الشارع، فلماذا لا يفعل ذلك واليأس ليس من خصائص الشعوب . فليس هناك من قانون يمنعه ولا جهة رسمية تستطيع منعه من ذلك ولكنه ينتظر ساعة الصفر ولا تتشكل ولا تأتي فلماذا؟.
وبهذا أقول ربطا لموضوع المقال، إن الشعب يتعرض لهجمة داخلية تقضمه كشعب، تضاف الى هجمة ثقافية غربية يتعرض لها الشعب العربي على خلفية سياسية . فالغرب وسياسيوه ومفكروه يعتقدون أن الهجرة الإسلامية لأوروبا هي بمثابة الغزو الثقافي الاسلامي من واقع خوفهم من قابلية هذه الثقافة للهضم وتأثيرها التاريخي الكبير الذي وصل لحد أنها كانت سببا رئيسيا في انتشار الاسلام وثبات الفتوحات وبناء حضارة إنسانية،ويدركون أن هؤلاء الماهجرين المسلمين المتعاظم عددهم محميون مع ثقافتهم بحكم الدساتير والقوانين الديمقراطية السائدة في أوروبا والغرب عامة، وأنهم في ورطة، ويلاحظون بنفس الوقت أن لا حماية لهذه الثقافة في بلادها العربية المفتوحة على الغرب وصرعاته.
وهذا ما مهد الطريق لغزو ثقافي غربي مادي باتجاه ثقافة الانسان العربي في عقر داره السائبه، وقطعوا في هذا مرحلة كبيرة . فالعولمة وأدواتها ووسائطها الاعلامية أسهمت ونجحت بجر مجتمعاتنا نحو هاوية الثقافة المادية لفصل الأمة عن ماضيها وحاضرها ومسح ذاكرتها وثقافتها التي تزاوج بين المادة والروح كي لا يعود هناك شعب بقيمه .وأضرب مثالا حين اختطوا سياسة استخدامهم للفن الهابط ونجحو بتوجيه الجيل للتنافس عليه ليجعلوا بالمحصلة أعداد المطربين والراقصات والمطبلين في كل حقول الفن الهابط بصرعاته تفوق عدد جمهور المتفرجين نفسه، فكل متفرج يسعى لأن يكون نجما ليصبح الشعب كله نجوما وروادا في الكار.
إن هذه الفكرة وهدفها يتم إسقاطه على شعبنا بطريقة أخرى في مجال السياسة والحراك والعمل الوطني لإعدامه من داخل نفسه، وبما يفسر سبب تردد وانتظار شعبنا الذي لا ينتهى لينزل للشارع، وأصبحت بفعل فاعل أعداد كبيرة من الشعب ممن هب ودب تنزل لمزاد صنع الزعماء السياسيين والحراكيين والمنظرين في عملية تخريب وتشويش جامحه. ومع كل زيادة تحصل في عددهم تزداد المنافسه وأعداد النازلين لمزاد الزعامة السياسية، وكأن المطلوب هو أن يتطفل الجميع على الساحة السياسية وأن يطاول الأقزام العمالقة ويصبح الغث والغث زعماء وقادة متنافسين ومنافسين، ولا يعود هناك شعب يمارس ثقله في الشارع.
لا شك إطلاقا بأن هناك جهات ً لديها الإمكانيات تشجع على هذه الحالة التخريبية بمفهوم اختراق الساحة وتعطيل عمل ودور النخب السياسية والقدوات الوطنية العريقة، وإفساد العمل السياسي وتعطيل العمل الشعبي الواعي . فنحن نشسهد النقابات المهنية صاحبة العراقة في العمل الوطني تتخلى عن هذا الدور ولا تتحرك أو تقوم بحراك الا للحصول على حقوق ومزايا مالية لها . بل أن نقابة المعلمين التي تمثل أخطر مهنة وأكثرها حساسية تمارس الاضرابات على خلفية مالية تخدم حالة المعلمين لا حالة التعليم، ولا تتحرك أو تضرب مثلا لتعديل المناهج وتغيير السياسة التعليمية . نحن لا ننكر ذلك على مستحقيه ولكن لتكن خطوة نحو الذات تقابلها خطوة نحو الله، وأن نُبقي للأوطان التي تحضننا وتحضن هويتنا وكراماتنا حيزا في ضمائرنا . *
ومن هذا الواقع أقول، شاء الله أن يكون الأردنيون في بقعة لا ماء فيها ولا شجر ومحط أطماع العدو الصهيوني، فجعل من الشعب ثروة البلد لعله يكون قادرا على حماية هذا الوطن وحماية نفسك . فطيب الكلام يكفي ممن لا يعملون أو لا يستطيعون أو لا يريدون تحمل مسئولياتهم في العمل الوطني . لكنه لا يكفي من القادرين على العمل والمنخرطين به لأنه نفاق له مفعوله العكسي، بينما للمدعين به والمستجيبين لتخريبه هو لبوس خيانة . فالغاية السامية هي ارضاء الضمير ونفع الناس والأوطان بما يرضي الله وليس ارضاء النفس ولا الناس . فالله قادر على أن لا يكون انسان في ضيق ولا أمر عِوجَ على الأرض . لكنه الناموس الذي وضعه لحكمة في أن يكون الخير والشر على الأرض بين خلقه الخطائين، ولكنه أودع في الانسان عقلا وضميرا ودستورا مكتوبا .
بعد هذا أقول، إننا في الوقت الذي نقدم فيه احترامنا للأجهزة الأمنية، فإننا نناشدها بأن تقدر معنا عظم مسئولياتها الوطنية في الحفاظ على أمن الوطن وسلامة الدولة مما يحاك في الظلام من قبل العدو الصهيوني وأعوانه في الخارج والداخل، وأن تكون الناصح الوطني للملك، والمصرة على تنفيذ النصيحة بحكم أهمية الإحتفاظ بالملك والحفاظ على الأردن، وأن تجعل تركيزها على واجباتها الدستورية، ولا تكرس شيئا من وقتها وجهدها في غير مكانه المقدس، بأن تنأى عن إقحام نفسها بأية صورة كانت في الحراك الشعبي والعمل الوطني الدستوري وتتركه لأصحابه وقادته الذين يعرفهم الشعب بحسه وبتجربته، وتحميهم . وهذا بدوره يمثل إسهاما كبيرا في ترسخ لحمة الشعب الواحد في هذا البلد المرابط والمستهدف بأن يكون طعما يؤكل لصيد وطن المقدسات التوأم بترابه وشعبه.

Leave a Reply