الحراك الأردني أعرج وبلا هدى.. ولا حل بدون “ملكية دستورية”

الشعب الأردني هو اليوم أمام استحقاقات مؤامرة عمرها من عمر الدولة، لا نرى أي فعل من النظام لمواجهتها بل نرى أفعالا في الداخل الأردني وإصرارا على تركيع الدولة والشعب لها، الشعب في معاناته اليوم يقف بلا كبير وبلا آليات وبجبهة عرجاء.
الأردنيون يعلمون بأن حالتهم السياسية لا تختلف في سوئها عن مضمون حالة أشقائهم في الأقطار العربية ولكنهم لا يعلمون بأن الاستقرار والأمن الذي يعيشونه للأن هو هش ومصطنع، وكل السلبيات التي يعاني منها الأردن والأردنيين أو ما يعتقدونه من إيجابيات هو من صنع المعسكر الصهيوني ولخدمة مخططه، وبأنهم على أبواب دفع استحقاقات تسليم الوديعة وهي قطرهم الى الصهيونية لتقنين احتلال فلسطين وطوي ملفها، وأنهم على ابواب مواجهة لحظة الحقيقه.
شعب لم يُعبأ يوماً سياسيا، وكُرِّست فيه وعُمِّقت النزعة القبلية والعشائرية والفردية والنفعية والأبوية، وجُعِلت ثقافته الوطنية كلها تلقينية مبرمجة، ولم تتشكل هويته السياسية المرتبطة بالأرض الأردنية بل ارتبطت بالملك، وهذه الجزئية هي الأسوأ والعامل المشترك بين مكونات الشعب، تمت مزاوجتها بالاختلالات الإدارية في أجهزة الدولة والفرز الوطني والتمييز وغياب العدالة الاجتماعية واستخدام الثنائيات، وكلها عوامل تفريق وتمزيق للمشاعر الوطنية والوحدة الوطنية وصنع جبهة داخلية مفككة.
عندما تفقد الدوله الإقتصاد والمال ومقدراتها، تنهار من الداخل، ولا تزول بل تهبط عن مستوى الدولة الفاشلة كثيرا وتمر بفترة عصيبة وفوضى عارمه بلا نظام مستقر ولا مؤسسات، وهي حالة تستدعي عندها تدخلا خارجيا لبناء الدولة على المقاس المطلوب إلى أمد طويل، وهذا ما هو أمامنا، دولتنا التي من صادراتها الخبراء في الاقتصاد وشتى المجالات تستورد اليوم خبراء من الخارج لتستعين بهم على ذبح اقتصادنا وتركيع مواطنينا.
فمشكلتنا سياسية بامتياز وأدواتها اقتصادية، مسلسلها اليوم في مشهده الأخير الذي ساحته الشعب الأردني، والنظام يبدو مستمرا في الاستسلام ولم يعد له عمل سوى البطش بهذا الشعب ليزغرد للقادم، وتقوم بهجمة مسعورة على القطاع الخاص بعد أن قضت على القطاع العام، وأخرها قانون الضريبه الأخير، النظام وصندوق النقد الاستعماري ومعسكر التصفية يواكبون تآكل القوة الشرائية شريان دورة الإقتصاد، وانهيار السوق المالي مرآته. ويشهدون إغلاق المؤسسات والشركات الخاصة ووقف الاستثمارات وهروبها وتعاظم البطالة والفقر، وينتظرون انهيار قطاع العقارات والاسكان لتكتمل الصورة المطلوبة ثم يرفع الغطاء عن الدينار ليساوي سنتات.
الشعب بلا كبير في حراك خجول يهيم بعضه في الشارع الخاطئ والدوار الخاطئ والهتافات الخاطئة التي لا علاقة لها بالمشكلة، فالتجاهل والإيحاء والطبطبة وتحميل المسئولية للذيل دون الرأس وموروث (إياك نعني واسمعي ياجارة) كلها سلوكيات ما زال يتبعها، ولا يكفي القول بأنها غير مجدية ولا أمينة ولا مقبولة، بل إنها سلوكيات سلبية مطلوب اتباعها في هذه الظروف التي يتعرض فيها الأردن والأردنيون والقضية لأسلحة التدمير الشامل، فضياع الطاسة مطلوب ومنح الأمل الخادع مطلوب بهدف سلاسة استمرار التدهور على إيقاع خاطئ يجري التعايش الشعبي معه الى أن يجد نفسه غريقا يبحث عن قشة ولا يجدها الا في صفقة التصفية.
لا غنى عن الحراك السياسي الواعي الذي يسير على قدميه الإثنتين ويعرف ما يريد باتجاه هدف محدد إذا تحقق تحققت كل مطالباته، إنه الحصان أمام العربة، فالأردن لن يكون مصانا وقويا ولا شعبه حرا وآمنا من جوع وخوف ولا يحقق ذاته الشخصية وكرامته الوطنية وحقه في امتلاك السلطة، وكذلك الملك لا يكون أقوى من تحدي الطامعين ولا رمزا دائما يحفظ توارث الدم الملكي الهاشمي، إلا بتحقيق “الملكية الدستورية.” والأردنيون أحوج الدول والشعوب اليها، وهي مطلب شعبي واستحقاق دستوري، وعلى الملك أن يعيد حساباته ولا يتركها للزمن، بل يباشر بالتأسيس لها.
لكن الشعب الأردني لن يتقدم خطوة للأمام ولن يكتمل له حراك باتجاه تحقيق الهدف ما لم يستوعب حقيقة كررناها بصيغة دبلوماسية وقلنا بأننا جميعنا في هذا البلد اردنييون عندما يتعلق الأمر بالأردن وكلنا فلسطينون عندما يتعلق الأمر بفلسطين، ويبدو أن الرسالة لم تصل، وأقولها الآن بأكثر وضوحا، لأنها الحقيقة الحسية الماثلة التي يتصالح فيها الأردنيون مع أنفسهم وضمائرهم ويصلوا بها الى بر الآمان، فلا شعب أردني بدونها ، ولا حراك فاعل ومؤثر ولا فلاح، ولا تغيير للأفضل ولا مستقبل أمن بدونها، ألا وهي استيعاب فكرة أن كل من يحمل الرقم الوطني في هذا البلد إسمه أردني وحقوقهم وواجباتهم واحده بلا أدنى تمييز وهذا واقع . فجميعهم في الأردن أردنيين، والفلسطينيون وإن كانوا في فلسطين والشتات إلا أن الأردنيين في الأردن جميعهم منهم ولهم، والقضية الفلسطينية هي قضية الأردن ولأردنيين الوطنية وليس القومية.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply