سئم المواطن الأردني من تشخيص الحالة في الأردن ومن الشكوى . وتبلد إحساس المسئول وتشكلت قناعات عند الشعب . الحكومات إن كانت لا تمتلك الولاية فوجودها عبثي لمن ينتظر منها خبرا للشعب أو ممارسة لواجباتها الدستورية الأصيلة، ولا منطق في حوارها أو مساءلتها. وإن كانت تمتلكها كما تدعي فهي بحكم المأجورة وفي صف المتآمرين على هذا الوطن ولا منطق أيضا في حوارها أو مساءلتها. لنتركها ونقول، نحن لا نتهم ولا نسيء بل نتساءل، هل الملك يعلم بالصورة الحقيقية لحالة الشعب وأفعال الحكومات وما يجري من انهيار ممنهج للدولة ؟ فإن كان يعلم فهو بالتأكيد لا يرى لنفسه مصلحة عند الشعب، ولا مع صمود الدولة واستقلالها . وإن كان لا يعلم فمن واجب الشعب وكل قادر على ايصال الرسالة له أن يفعل ذلك بالطرق الطبيعية . ومن مصلحة الملك أن يتقبل استلام الرسالة ويسمعها من أصحاب الرأي الأخر لا من بطانته ولا من سحيجة الوصولية . وإن استحال ذلك وقد استحال، فسيسمعها من الشعب بالشارع، ولن يفلت من سماعها وتحمل المسئولية.
مفارقة يتذكرها الشعب وينساها الملك . فحين مر الأردن بتجربة حراك الربيع العربي وخرج الشعب للشارع طالبا الإصلاحات الحقيقية، كانت الصوره أمام الجميع تتضمن سقوط أنظمه وعروش. وشاهدنا الملك يتوقف عن السفر وينشغل بهموم الشعب وينزل للشارع ويلتقي معهم ويحاوره ويتخذ اجراءات دستورية واقتصاديه وإدارية طالت الديوان وغير الديوان . وبعد أن أنتهى الربيع وذهب بريقه هنا وفشل هناك، لم نعد نرى الملك ولا الزخم الملكي، بل تم إدخال الشعب في نفق مظلم ما عهدناه من قبل، تُشَن فيه حرب على الدولة والمواطن . سلاحها ردة دستورية وضغوطات التهميش والإفقار والإذلال بأثر رجعي على شكل هجمات عنيفه ومستمرة بلا هدنه . وعاد الأردن للملك محطه لا يتوقف فيها مع الشعب الذي عاد للشارع يطالب بوقف الضغوطات على معيشته ووقف الفساد، ولكن دون تجاوب هذه المرة سوى تعميق الهجمات .
فهل هناك تفسير منطقي عند المواطن لهذه المفارقه التي تَحرك بموجبها الملك للأمام ثم تراجع بمثيلها للخلف . بالتأكيد نعم . ونحن لا نرتضيه للملك . لأن العروش تحميها الشعوب وتسقطها الشعوب . أما المستعمر فيغير الوجوه، ودعمه المزعوم خادع وفاشل .
اليوم نحن في مرحلة متقدمة جدا، امتد فيها تاثير سياسة الضغوطات الإقتصادية والمالية والضريبية والمعيشية على المواطنين الى القطاع الخاص . فالشركات والاستثمارات والمصانع والمعامل والمؤسسات والمحلات التجارية كلها بدأت تخسر وتُنهي عقود العمل مع الموظفين والعمال . وكلها رهن البيع او الرحيل او الإغلاق والتصفيه، وستواجه الدولة نقصا كبيرا في الايرادات وزيادة كبيرة في البطالة وزحفا للجوع وسخطا شعبيا . وستنتقل التأثيرات الكارثية خلال سنة الى القطاع العام وانهياره . بمعنى أن النظام والحكومات يتفرجون على انهيار الدولة، ويرسمون خطط الوهم الإقتصادية في الهواء، ويصرفون وعودا معيبة في انسلاخ كامل عن الواقع …
من لم يكن مقتنعا من الأردنيين، اقتنع اليوم أن السياسة ونهج التبعية هو السبب في ما نعانيه وننتظره، وبأن معاهدة وادي عربه جرَّت الويلات على قرارنا الوطني وعلى اقتصادنا وجوعت مواطنينا وهدمت دولتنا، وكذا فعلت وستفعل معاهدة كامب ديفيد وأوسلو بمصر وفلسطين . وعوقبت سوريا والعراق وليبيا واليمن لترضخ .. ففي الوقت الذي تصنع فيه الصهيونية الأمريكية منابع الإرهاب وتمويلها ويبتزون حكامنا بكراسي العار والدولار، فإنها تسد على شعوبنا قنوات التاريخ ومفهوم الدولة الوطنية ومنابع العيش والحياة . الأردن والأردنيون يواجهون سياسة صهيونية يجري تنفيذها بأيد محلية يقودها نهج التبعية والتركيع والإفقار، ولا خلاص إلا بالتخلص من هذا النهج
فقد الشعب كل أشيائه ولم يركع . واليوم لم يبق شيئا يخسره وذهبت أسباب الخوف والصبر فكيف يركع، ولم يعد أمامه الا أن ينتفض في الشارع على النهج ويسقطه، ولن يكون له هدف أقل من استرداد حقوقه ودولته ومقدراتها، والحفاظ على كرامته . ولن ينتظر الصهيونية وأتباعها أن يقطفوا ثمار اتفاقية الاستسلام بصفقة التصفية . الشعب الأردني ما خرج يوما عن عروبته ولا عن توأمه الفلسطيني، ولا ارتضى يوما باتفاقية وادي عربه ولا صلحا مع العدو الغاصب لفلسطين والمقدسات، ولن يقبل أن يُستخدم لتصفية القضية الفلسطينية . وكل الضغوطات على الشعب سترتد على صانعيها… البلد بحاجة الى حكمة الحكماء فيها .
قراءة التاريخ مجدية لكل الحكام العرب . وليس هناك حاكم أقوى من الشعب، فهو وحده غاية الدستور ووحده فوق الدستور. ولا حياة لدولة ديمقراطية أو ديكتاتورية فيها الحاكم يستهين بالشعب. الملك عبدالله الثاني أحوج الحكام العرب للحكمه. ما يجري في الأردن لا تفسير منطقي أو علمي له، بل إملاءات لأهداف سياسية وتنفيذها ليس في صالح مؤسسة العرش ولا الدولة . والشعب ضحيتها ويرفضها .
الملك مطالب بأن يرى ويجعل مصلحته مع الشعب، لا مع غيره . فلا يصح إلا الصحيح . استخدام الجيش والعسكر لقمع جماهير الشعب ما نجح يوما وما ارتد يوما إلا على الحاكم ونظامه . واستخدام قوات البادية في حراك للتو ابتدأ له مدلول تاريخي خطير جدا، فهذه القوات نعرف دورها الطبيعي ومكانه، وغير الطبيعي ومكانه واستخداماته، فالشعب أردني، وليس غريبا ولا مخترقا للحدود ويتقبل الحوار مع صاحب القرار . عمان ليست مسرح عمليات قوات البادية، وإدخالها في مواجهة مع الشعب جاء مبكرا جدا، وهذا لا يعني سوى رسالة مبكرة لا تبشر بخير . وهو خطأ استراتيجي نرجو الإبتعاد عنه . هتاف المتظاهرين بالأمس كان ( ليش نلف وليش ندور عبدالله انت المسئول ) يهتفه كل جالس في بيته من الشعب . ألا يستحق هذا من الملك مراجعة نفسه .
مشكلة الأردن والأردنيين ليست الملك، بل هي مع الملك ونهجه، لا مع حكوماته ولا مع قادة أجهزته فهؤلاء ليسوا بأصحاب قرار ولا ناصحين ولا مستشارين بل منفذين للأوامر. وكلهم ناضجين وبعضهم دهاة، ولذلك فإنهم بحكم المأجورين لا بحكم المسئولين ولا بحكم المغرر بهم. وعلى الملك أن يضع يده بيد الشعب ويعرِّب الجيش من جديد قبل أن يصبح الوقت متأخرا. فالنهج النافذ فاسد وفيه تدمير للدولة وإهانة للشعب، ووصل للكرامة الإنسانية.