ليكون الكلام في المقال مسببا علينا أن نتذكر أولا بأن ليس هناك حاكم عربي واحد أقل دموية من الأخر. والمحك في هذا هو مجرد الشعور باهتزاز الكرسي الذي اغتصبه. وليس فيهم من لا يلجأ للصهيونية أو يهادنها ويقايضها بشكل أو أخر إن افتقد لدولة حرة صديقة تدعمه في سلطته. وليس فهيم مدين لشعبه في حكمه ولا من يقدم مصالح قطره وشعبه على سلطته، وليست فلسطين غاية لأحد منهم بل وسيلة لهم جميعهم إما للبيع أو للإستخدام المحلي. وغاية حكام البيع من تحالفهم الخضوعي مع اسرائيل أو الصهيونية ليس حبا أو إيمانا بالمنطق الصهيوني، بل لتأمين الحكم والحماية لحكمهم.
الأردن وفلسطين في هذه المرحلة تحت نيران الصهيونية مباشرة وفي مواجهة مباشرة مع استحقاقاتها المتمثلة بصفقة التصفية والقائمة على استحقاقات هزيمة الأنظمه العربية وسقوط جيوشها وتجويع شعوبها. النظام الأردني وسلطة أوسلو وحدهما من يستطيع تقديم الخدمات السياسية والقانونية والأمنية المباشرة للإحتلال وللتصفية، ولكنهما نظامان لديهما ثلاث خاصيات ليست في صالحهما. الأولى أنهما يمثلان أضعف الحلقات في النظام الرسمي العربي بالنسبة لإسرائيل وأمريكا. والثانيه أنهما يحكمان شعبين هما أصحاب المصلحة المباشرة والحقيقية بالقضية الفلسطينية والأقرب لبعضهما. الثالثه أن خزينتيهما وشعبيهما يتعرضان لضغوطات مالية واقتصادية استراتيجية وممنهجة ولقضم في مقدراتهما سواء بالبيع أو الخصخصه أو بالمستوطنات والسطو.
اسرائيل تعلم بأن إخضاع الحكام العرب وأنظمتهم لا يحل لها مشكلتها، فهي تدرك أن الشعب هو مربط الفرس وبأنه لا اتفاقيات ولا تطبيع ولا حل ولا استقرار إلا بالشعب ومع الشعب. فمشكلتها معقدة جدا. ولذلك لجأت ألى استراتيجية تغيير ثقافة ومفاهيم وثوابت الشعب، وتركيعه بقطع سبل الحياة أمامه وإشعاره بعدم الأمان وجعله يفكر بلحظته لا بمستقبله. وما هدفها من الحكام العرب الخاضعين إلا المساعدة في مهمتها.وقد ساعدوها بكل ما استطاعو أو يستطيعونه، وما زالوا يحاولون. ولا مصلحة لهؤلاء الحكام من خضوعهم سوى الحفاظ على الكرسي الذي لا يشبهه أي كرسي في أية دولة في العالم.
في هذا الوقت الذي هيأت فيه اسرائيل أو الصهيونية كل الشروط الدولية والعربية الرسمية والمادية على الأرض الفلسطينية وجاءت بصفقة التصفية كعنوان للمرحلة، تجد نفسها في أزمة صعوبات في قطف الثمار تتعلق بانعكاسات الحالة الداخليه لترمب والدولية لابن سلمان وبعجز وفشل النظامان الأردني وسلطة عباس عن مساعدتها في المشاركة المطلوبة رغم الضغوطات عليهما . ومن الطبيعي أن يترتب على هذا الفشل متعدد الأطراف صنع معادلة جديدة بين إسرائيل وبين الأردن والسلطه. إن الطرفان الأردني والفلسطيني في ورطه، فالمطلوب منهما ليس مجرد أنه فوق طاقتهما ونقطه، بل إنه أيضا ينعكس على حكميهما واستقراره إن نفذاه. لكنها ستضطر لرمي أزمتها في صفقة التصفية عليهما وتمضي، وحصار رام الله ينطوي على رسالة تهديد لعباس.
المشكلة الكبيرة والمستعصية أمام اسرائيل بصفقة التصفية هي التخلص من العبء السكاني في مدن الضفة الغربية أولا، ومن عبء مواجهة انتفاضتها ومقاومتها القادمه ثانيا ، لأنها ترى غزة محصورة، وتعتقد أن اللاجئين في الشتات والدول العربية إن لم يوافق الأردن على توطينهم الأن علنا فإن اسرائيل ستعتبرهم موطنين خارج فلسطين قيد تقنين حالة التوطين والتعويض مع مرور الزمن. فهاجس اسرائيل هو استباق وتحاشي مواجهة انتفاضة الضفة التي ستكون مسلحة بتواصلها مع غزه. إنها تعلم بأن الشعب الفلسطيني في الضفة هو القادر على هز الكيان الصهيوني داخليا ودوليا وإفشال مخططه. ولعلها تأكدت من الخطورة حين رأت مقاومة غزة تزحف للضفة وأن السلطة لن تكون قادرة على استيعاب الوضع ومستحقاته الأمنية، والسياسية دوليا.
أصبح المطلوب أمريكيا واسرائيليا من الأردن هو تلبس السيادة على سكان الضفة الغربية في مساحة ضيقة دون السيادة على الأرض، بشراكة عباس أو بدونه، بعد اقتطاع مساحات وضم المستوطنات وتهجير من هم خلف الجدار، وبقاء الجيش الاسرائيلي في وادي الأردن. وستتولى اسرائيل وسائل التعامل مع السلطة ومصيرها وتتفرغ لغزة وحماس وللداخل الفلسطيني. بينما ستتولى أمريكا وسائل الضغط على الملك. الملك وعباس يقفان وحدهما، وليس من الأنظة العربية من هي قادرة على اسعافهما بل سيشكل بعضها ضغطا كبيرا على الأردن. واسرائيل أخذت ما لها وما تريده من وادي عربه ومن أوسلو ولم تعد هاتان الاتفاقيتان تعنيان شيئا لها ولا ضمانة للحكم الهاشمي أو لسلطة عباس.
امريكا واسرائيل بحاجة ماسة لاستخدام الملك واستخدام الأردن لاتمام الصفقة باستيعاب المكون السكاني للقضية. وأتمنى أن يقتنع الملك بأن المسأله التي تعجز عنها اسرائيل سيعجز هو عنها.إنها مسألة لا تنفع ولا تسري فيها القرارات والقوانين. فنحن عندما نتكلم عن فلسطين والأردن لا نتكلم عن دول وحدود، فهي ليست من صنع التاريخ ولا من صنع أهلها. بل نتكلم عن وطن اسمه فلسطين فيه وله شعب هو من يقرر مصيره ومصير نفسه، والأردن وطن فيه وله شعب هو من يقرر مصيره ومصير نفسه، ويقرر نموذج بلده، وبخلاف ذلك لن يكون سنغافوره، بل دمار وخراب على الجميع.
عنوان المرحله واضح وصارخ، إنه ليس اقتصاديا ابدا، بل سياسي وخطير، لندع التذاكي والتغطية على الحقائق، حل الدولتين شبع موتا والحديث عنه بعد كل ما يجري مستهجن ولا لزوم له. فالأردن ليس عاجزا عن مواجهة الحقيقة. وخيارات الإنقاذ واسعه أمام الملك. إنه وكل الأردن هدف للمعسكر الصهيوني الحليف، ومن غير المفهوم للمواطن الأردني أن لا يرى الملك يبحث في تلك الخيارات. المواطن العادي يتساءل، لماذا يواجه الأردن كل هذه الضغوطات والتهديدات من حلفائه وأصدقائه المزعومين ولا يتغير. الجبهة الداخلية الأردنية لن تبقى مفككه كما خُطط ويخطَط لها، فسيوحدها الخطر الواحد. إن إفشال صفقة التصفية، وتأمين أمن الأردن وأمانه نظاما ودولة وشعبا، كله مرتبط بمبادرة الملك بتغيير النهج السياسي وتحالفه السياسي ومد يده ليد الشعب الممدودة اليه.
الحراكات الشعبية في عمان بالذات هي صمام الأمان المتبقي للأردن وهي رسالة الملك الفاعلة لمعسكر التصفية وللعالم، والتي ستساعده على التغيير الإيجابي. صوت الشعب حق للشعب وواجب عليه وهذا الصوت هو السند الحقيقي للملك ويجب حمايته، ولا ضغط دولي يتحقق لصالح الأردن وللقضية الفلسطينية إلا بصوت الشعب هنا وفعل المقاومة هناك. وعلى الأجهزة الأمنية والمخابرات بالذات أن تنظر الى الحراكات بتقوى الله وبعين الوطن ومستقبله، وبعين الناظر لدولة تُجَر للمقصله. أوقفوا الدس الإعلامي والتخريبي ضد الحراكات ولا تسمحوا بتشويهها ولا بشيطنتها ولا تحولوها لمسألة خلافية ولصدام مع أجهزة الدولة وقطع حبل الوصل معها.
كاتب وباحث عربي