مطيع.. ومصانع تبغه.. انه مجرد كبش فداء.. وقمة جبل ثلج الفساد في الاردن.. وهذه هي حقيقة القصة

العريس في قضية التبغ ليس مسئولا حكوميا ولا موظفا عاما ولا هو عامل في سلطة من سلطات الدولة، ولا هو مؤتمن على القانون وتنفيذه، انما هو مواطن عادي استغلوه كما استغلهم. فالفساد في قضيته هو فساد في القطاع العام، وفي الواقعة مدار الحديث، كان فيها حاميها حراميها أدى لاكتشافها تزاحم الفساد وتنافس المصالح بين الفاسدين وحظ مطيع العاثر، فهناك آلاف مؤلفة مثله ومئات الألاف مستعدين لتلقف الفرصة التي أتيحت له.
لكن المهم والخطير في هذه الواقعة وشبيهاتها هو أن هناك مئة مسئول في الدولة بأختامهم الرسمية مع بضعة مؤثرين مقابل كل مطيع واحد، يلزم اشتراكهم في تنفيذ المهمه الفاسده للحاجة البيروقراطية. مع اعتذاري عن استخدامي لاسم مطيع وحده لأنه بالتأكيد أقل جرما ومسئولية ممن بيدهم القرار وساعدوه، فقد كان بعرفه (وهو صحيح) يتعامل بجرمه مع دولة ومسئولين لا مع عصابات ومافيا.
قبل الاسترسال بالمقال أقول أن الكرامة الإنسانية هي خارج نطاق إي قانون وأي حكم وأي عقوبه. والمساس بها جريمة كبرى، وأخرى بحق الإنسانية وبشرية البشر، ويجب أن تكون محل اعتبار المشرع والمنفذ، الظلم لا يواجه بظلم بل بالعدل والعدالة. فمرتكب أكبر جريمة يتصورها العقل لا يرتقي حكمها الى المس بالكرامة الإنسانية للمتهم أو المدان. فهذا إن صدر عن دولة قانون فإنها مصيبه. ما كان باعتقادي أمرا سليما بكل المقاييس أن تظهر صورة المتهم كما رأيناها أمام نفسه وأبنائه والناس، فهذه بحد ذاتها عقوبة لا ينص عليها القانون ولا قانون، إن دولة لا تحمي حق المستضعف وكرامته الإنسانية (ولا أقول الضعيف ) ليست دولة قانون ولا دولة مواطنة، فهل نحن في دولة ابارتايد؟
الفساد في الأردن تجاوز الظاهرة وتطور الى نهج حكم وذلك بحكم توسعه عموديا، ولكن على كل مسئول أردني ومواطن أن يضع نصب عينه وضميره ملاحظة هي الأهم، وهي أن الفساد كنهج في الاردن بالذات له خصوصية ينفرد بها، تجعل منه مسألة موت للدولة وشعبها، وهذه الخصوصية تأتي من سببين هما. الأول، أن الفساد في الاردن كونه موجودا في الصف الأول بشكل عمودي فهو دسم ومحمي ويصعب اكتشافه أو وقفه. والثاني أن الاردن بخلاف الدول النامية لا يوجد فيه مورد أساسي كالنفط كي يُغرف منه لتسديد عجز الموازنة وتغذية الخزينه، فتضطر عندها الدولة للجوء للديون ولبيع مقدراتها ثم لنهج الضرائب على المواطنين. وعندما تنضب الوسائل الثلاثة، وقد نضب منها اثنتان، تنهار الدولة حكما بالثالثة وهي الأخطر.
خطاب الدولة السياسي مضافا اليه التضخيم الإعلامي الذي استخدمته في مسألة الإنتصار العظيم بجلب الكبش محبطة جدا جدا لمن يتطلع الى الجدية وتوفر النية للتغيير ولمكافجة الفساد. إنه خطاب موجه للبسطاء من الناس فقط وهؤلاء تلاشوا أو يتلاشون.
هذا مواطن عادي مشترك في حادثة فساد موجود عندنا مثلها المئات، اخترق فيها وسخر الفاسدين في أجهزة الدولة، وما كان لها أن تحصل لو كانت الدولة ممأسسة وقانونها محصنا. فالرجل كان يتعامل مع شركاء يعرفون عن القضية أكثر مما يعرف، فهو في أهميته لنا كدولة يجب لا يمثل أكثر من شاهد رئيسي يسمي الفاسدين الحقيقيين الذين يحملون الأمانة وينفذون القانون وسهلوا له ولأنفسهم العملية.
ولو أعطي الأمان ولم يصار الى جعله مركز الحدث دون أن يشعر بضعفه وعدم حمايته ساعة اكتشاف الجرم لما هرب وأخذ يهدد ويبتز الدولة نفسها وأشخاصها من الخارج ويسمي أسماءها. حيثيات القضية وخيوطها وأبطالها يا سادة موجودة في عمان، وغياب هذا الشخص أو موته حتى، ما كان ليمنع ولا يعيق المحققين والقضاء من السير بالقضية وكشف المتورطين لأن الدوائر الحكومية هي محلها، ومسئولوها هم أبطالها وليس الكبش. وبالتالي فإن الجهد الذي بذل لجلبه والإحتفال به كنصر عظيم لا يمثل مجرد التحايل على مشاعر الناس بل يفسر على أنه يحمل في طياته هدف إخراسه أو استخدامه كي يبرئ المسئولين الحقيقيين. وهذا ما لا نريد أن نعتقده ولا أن يحدث.
فليست لدينا سابقة واحدة رأى فيها الناس رأسا واحدا من المسئولين الكبار ممن يشار اليهم بالبنان يحاكم في قفص اتهام. ولا من يسألهم عن مصدر ثرائهم. ولا نحتسب في هذا الإطار من حوكم من مدراء دائرة المخابرات لأن الخلفية كانت سياسة أو شخصية ومن أعمال الإنتقائية.
فهذا الرجل لم تتركه السلطات التركية وتسلمه بدون ملف استرداد قضائي متكامل حسب العرف الدبلوماسي إلا بعد أن وثقت شهادته كاملة بحضور شهود. لأن القضية أصبحت قضية رأي عام، والشعب يطالب به لا لكي يسجن ويهان وتنتهي القضية بل ليدلي بشهادته بحرية تامه ويكشف المتورطين. وواهم أو مضلل من يدعي بأن القضية جرم اقتصادي بمعزل عن بعدها السياسي.
ليهدأ الناس ويتغير خطابهم، فالفساد عندنا ليس مرتبطا بأشخاص ولا مجرد مسألة أخلاقية ولا قصر نظر من المسئولين عن وقفه أو ممارسته. إنه مسألة مرتبطة بالنهج السياسي المفروض على الأردن من الخارج في سياق الضغوطات الاقتصادية وإضعاف الدولة ورهنها ثم تدميرها وتفصيلها من جديد وهي راكعة ومرهونة للخارج.
وهذا النهج السياسي المخصص للأردن والذي اعتمد الفساد كواحدة من وسائله تمت ترجمته في الداخل الأردني إلى نهج حكم، فالفساد في الأردن منظومة مقننة تحمي نفسها بنفسها كالكارتيل بشركات لا يحس بها المواطن وقد لا يسمع بها تستولي على وسائل الانتاج والاستيراد والتصدير ولا يدخل منه شيئا لخزينة الدولة، وما كان لهذا النهج أن يستمر بلا فساد اداري يصنع السماسرة ويضعهم على رؤوس مفاصل الدولة.
نختتم ونقول، ولد الأردن كدولة في بداية القرن الفائت لدور يؤديه. وكل ما يجري في هذه الدولة هو لخدمة هذا الدور المرتبط بخدمة المشروع الصهيوني. لا هوية سياسية لأردني ولا لفلسطيني في هذا البلد ولا هوية عربية له أو فيه، والعربة تسير للهاوية ولا تتغير وجهتها إلا بتغيير وجهة الحصان، الملك بشعبه قادر جدا والشعب وحده قادر، وليست المسألة بأقل أو أكثر من تولد الإرادة السياسية للملك أو الشعب، فمن ينتظر من يا ترى؟ ليست أمريكا ولا أية قوة غاشمة قادره على فرض ارادتها على شعب رافض مهما حاولت ومهما استَخدمت.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply