حالة حزب الله من حيث الجاهزية العسكرية، والتعبوية الفكرية والسياسية المناهضة للكيان الصهيوني ومشروعه، والقادرة فعليا على المواجهة وردع الجبروت الأمريكي والصهيوني، هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تصل اليها ولو دولة عربية واحدة مجاورة لفلسطين المحتلة ولم يحدث هذا للآن، إنها الحالة التي تشكل الأرضية السليمة ومنطقية الحديث والعمل باتجاه سلامة القرار الوطني والتحرير، وسبق وأن قلنا بأن لبنان الدولة العربية الأضعف عسكريا وتسليحا أصبحت اليوم بفضل الله وحزب الله والإرادة الصادقة هي الدولة العربية الوحيدة العصية على الاستباحة الأمريكية والصهيونية والتي تمثل فعلا مقولة الصمود والتصدي.
فالدول العربية كلها باستثناء لبنان هي تحت ضغط الابتزاز السياسي وبحكم الساقطة عسكريا وتنطبق عليها أهم معاير الدولة الفاشلة المتمثلة بعدم قدرتها على حماية أراضيها وقرارها السيادي ولسنا بصدد الأسباب هنا، ولكن تبدو الطريق طويلة أمام تكريس وتعميق التراجع العربي وخضوعه لإملاءات أو رغبات العدو الصهيوني وحلفه، الى درجة أن بعضها انضمت الى هذا الحلف، بينما الدول التي لم ترضخ للصهيونية ومشروعها عاجزة عن فعل شيء عملي ويجري هدمها والحفاظ على تعطيل قدرتها.
وعلى الساحة الفلسطينية يتعمق العمل التآمري العربي الصهيوني وضغوطاته على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى المقاومة التي جعلها الحصار في حالة دفاع عن النفس والبقاء، بل وأن مسيرات العودة التي تشكل حالة انتفاضة شعبية ضد الاحتلال يجري تقويضها بأساليب احتيالية بنفس أسلوب الالتفاف على الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية، في حين يبدو لي أن جهود روسيا للمصالحة بين الفصائل لا تقوم على دعم المقاومة والتحرير بل لتمتين حضورها السياسي من خلال توحيد هذه الفصائل باتجاه البرنامج السياسي الذي تضطلع به الدول العربية نيابة عن إسرائيل.
ونظرة للخارطة السياسية الدولية كافية للتأكد من أن ايران هي الدولة المؤهلة لتكون الراعية للتلاقي والتصالح بين فصائل المقاومة كونها الدولة المنسجمة مع فكرة المقاومة الفلسطينية وعدم مشروعية وجود الكيان الصهيوني، والملتقية استراتيجيا مع طموحات الشعب الفلسطيني، وفي هذه الجزئية على فتح أن تتفهم هذا المنطق من ناحية وتتذكر من ناحية أخرى أن شرعيتها الفلسطينية مرتبطة بكونها حركة مقاومة وعلى حماس أن تضع في حساباتها بأن تركيا الدولة الصديقة لها والواقفة لجانبها وتدافع عن مقاومتها هي دولة ما زالت تعترف بوجود الكيان الصهيوني ولا تتفق مع استراتيجية المقاومة الفلسطينية ومراميها، مع أننا ندعم تطور تركيا السياسي بقيادة اردوغان نحو الاستقلال وتحقيق طموحات الشعب التركي باتجاه القطيعة التامة مع الكيان الاسرائيلي والمحور الصهيوني ونأمل أن يكون تطورها هذا في سياق تحول استراتيجي . *
نتفق مع الرأي القائل أن الحالة العربية لا تبشر بخير على المدى المنظور وتدعو لليأس المرفوض كونه خيار الانتحار، وقد أشبعنا التشخبص والأسباب بحثا، ولا حل إلا في أن يتغير أحد طرفي المعادلة، الشعب أو الحكام بأنظمتهم، إلا أن طاقة أو كوة أمل تفتح في كل ملمة تصيب الإنسان والدول والمجتمعات، وإن ايران مع أي تهمة توجه لها صحيحة أو دسيسة هي بحزب الله تبدو كوة الأمل والمؤتمنة على سلامة ودعم مشروع المقاومة الفلسطينية والعربية ضد الاحتلال والغزو الصهيو أمريكي.
إن هذا الأمل في ايران الذي نتكلم عنه هو في إطار دعمها لمشروع التحرير، أما الكلام عن أخذها الدور العربي بمهمة التحرير أو المشاركة المباشرة به فلسنا متأكدين منه، ويجب أن يكون محل نقاش وإجابات صريحة، حيث أن وقوف المقاومة الفلسطينية على الحقيقة ضروري جدا كي تكون قاعدة تحالفها مع ايران واضحه وشفافة من حيث طبيعتها ومداها، بمعنى هل هناك استراتيجية سياسية ايرانية تفضي الى استراتيجية عسكرية تهدف إلى تحرير فلسطين، وهل تحالف محور المقاومة قائم على فكرة تشاركية لتحرير فلسطين أم أن العامل المشترك به هو العمل السياسي والدعم الإيراني.
وأقول في هذا لاشك بأن في ضمير النظام الايراني كل الرغبة بنيل شرف الواجب العقدي والأخوي بأخذ دور المحرر لفلسطين بل ويشارك ايران في هذه الرغبة دول اسلامية أخرى، إلا ان لديها على سبيل النقاش وأعني إيران، محددات واقعية على شكل محذورات قد تمنعها من شن حرب مباشرة أو غير مباشره بواسطة حزب الله لا سيما في حالة عدم تهديد اسرائيل لأمنها القومي، وأهمها اثنتين، الأولى، ضرورة محافظتها على منجزاتها وسلامة مشروعها القومي حيث أن التدمير الذي ستحدثه بالكيان الاسرائيلي سيرتد عليها أيضا، وأن اسرائيل والغرب لا يستهدفون ايران كدولة وشعب بل كنظام معادي للمشروع الصهيو أمريكي في المنطقة وداعم عملي للمقاومة . الثاني / أن السياسة الدولية والقانون الدولي يعطي شرعية المقاومة والتحرير للشعب الفلسطيني بصفته الشعب الأصيل، وللعرب كأصحاب الوطن، ولا يتعامل بمشروعية المعتقد الديني في هذا المجال، إلا إذا فرض أصحاب هذا المعتقد أنفسهم باعتبار فلسطين كلها هي وقف إسلامي كما هي مكة والمدينة.
نحن كشعب عربي ليس فخر لنا أن لا نحرر وطننا المغتصب بأنفسنا وعار حكامنا يلحق بنا، ولا ننتظر غيرنا يقوم بواجبنا وبنفس الوقت نقدر عاليا كل دولة تقف مع حقنا وتساندنا بما تستطيعه رغم أن الدول الاسلامية كلها تتحمل المسئولية في تحرير فلسطين الأرض المقدسة في غياب التأثير العربي، ولكننا كشعب عربي من حقنا أن تكون عيننا على حزب الله العربي الهوية الذي تقف ايران خلف وجوده وقوته التي تشكل خطرا حقيقيا على الاحتلال ووجوده، فهل عين ايران على حزب الله ليمثل جزءا من مشروع التحرير؟ أم أنه مجرد ورقة ضغط سياسية وقوية تواجه بها أمريكا والغرب والاحتلال لإرضاخ هذه القوى التي تقف بوجه الطموحات الايرانية ومشروعها القومي، وبالتالي تقف حدودها عند تهديد الكيان الصهيوني ودعم المقاومة الفلسطينية.
نحن لغياب النقاش لا نستطيع أن نضع مسلمة تقول بأن قرارات ومصالح وأهداف واستراتيجية حزب الله هي صورة طبق الأصل عن مثيلتها الإيرانية، ولا أن نضع مسلمه بأن حزب الله ليس معنيا بتحرير فلسطين، ولا أن سلاح حزب الله النوعي هو لمجرد حماية لبنان، وبالتأكيد فإن هذا التسليح النوعي ليس مصمما للداخل العربي ولا صالحا لهذه المهمة وإلا لمسح سوريا بكل مهاجميها، ولكن نريد أن نسمع رأي حزب الله تحديدا بطبيعة مشاركته بتحرير فلسطين.
كاتب وباحث عربي