هل ما جرى في مجلس النواب الأردني مفتعل ويؤشر على أزمة؟ أين وجهة الصراع الصحيحة لشعوبنا في ظل تغييب مفهوم الدولة؟

العنوان أسئلة محورية متعلقة بحرمان العرب من الدولة بمفهومها الحديث وارتباط ذلك بالوضع القطري العربي والكلي المأزوم حتى شاخت هذه الدول في طفولتها بكل أعراض الموت. فالناظر الى كيفيه عمل جهاز الدولة في أوطاننا يدرك انه ليس امام دوله من نتاج التطور الطبيعي للتاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا من نتاج تطور وتنظيم المجتمعات.
لا شك بان عناصر مكونات الدولة من الارض والسكان والسلطة موجودة في كل الدول العربية لكن طبيعة تشكيلها والنظرة اليها وميكانيكية عملها والروابط بينها لا يشكل مفهوما حديثا للدولة المعاصرة وليس منها ما يؤخذ على محمل الجد. فالأرض غير مصانه ولا هناك ما يؤمن حمايتها، ولاهي خط احمر للسلطة، والسكان فاقدين لاعتباراتهم وحقوقهم السياسية والانسانية. والسلطة فيها كلها تعاني من ازمة في الشرعية.
دول تسير سير الدمي ولا نلحظ القوة المسيرة لها. فالمراسلات تخرج بأوراق مروسه، وقرارات تتخذ بلا اليات. والسلطات شكلها ثلاثي ومضمونها واحد، قضاء مسير من الهه الأرض، صحافة موجهة او مرشيه، جيش عرمرم بلا عدو خارجي، نفقاته متعاظمة ومحل نهب دولي ومحلي. سياسة خارجيه يعجز عن تحديدها صانعها ويجهلها منفذها، دستورها أسير الانتهاك وباتجاه واحد. دول أدوار تتلون مع لون الدور.
فمجرد توفر عناصر الدولة من ارض وسكان وسلطة لا يعني تحقيق فكره الدولة الحديثة وفلسفة وجودها، بل لا بد من ان تصاغ وتترابط تلك العناصر الثلاثة بما يحقق مفهوم الدولة. فإذا تحققت سلامه عنصر الارض كوطن من قبل العنصرين الاخرين، فإن التركيز بعد ذلك ينصب على تحقيق المفهوم برسم العلاقة بين السلطة العامة والسكان، فهذا المفهوم المتكامل وحده الذي يقضي على أرضية السقوط ويؤسس لأرضية النهوض ويضمن بقاء الدولة وحمرة خط الوطن والشعب وحقوقه الأساسية. وتكون فيه المحددات لطبيعة السلطة هي السلطة بحد ذاتها وليس الاشخاص، وتكون المؤهلة لتحقيق شروط مواطنية المواطن والعدالة الاجتماعية في وطن مصان.
أقول في المحصلة بالشأن العربي، عندما نرى أنظمة عاجزه عن الإلتزام بخيارات الأمه وتطلعاتها، ونرى حقوق الدولة والحكمة فيها والفكرة والخطة والنهج ليس من نتاج حوار الناس ولا من المعتقدات العامة والجهد العام، ونرى مشهدا مسرحيا نادرا في علاقة السلطة بالسكان وقضاياهم بأنظمة من العبيد او الرعيان بالوراثة أو الاستئجار، يقابله شعب حر بالولادة والتوجه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه عندها هو
كيف لهذه الدول أن تبقى قائمة، ومن هو حاميها من السقوط السريع، ومن الذي يجعلها تتعايش مع سرطانات بلا علاجات، ولماذا ولمتى؟ السؤال محلول بالمنطق، إنه السيد لا عبيده. والحل هو في توجيه ادارة الصراع ليكون بين الأحرار من أسياد الأنظمة وهم الصهيونية الغربية ممثلة بأمريكا، وبين الشعوب الحرة بالولادة، يبدأ بكنسهم من سدات الحكم في بلادنا. فالصراع لا يكون إلا بين الانداد والمصالح المختلفة..
لعل الأردن كدولة وكشعب هو مركز المعاناة سياسيا واقتصاديا ويدخل في قلب الحدث على قدميه من البوابة التي يريدونها للجحيم ونريدها للنعيم. دم الأردن وطنا وشعبا ودولة لن يضيع بين القبائل. لا التغابي ولا التذاكي ينفع أو يمر. الأردن وفلسطين والقضية وحدة واحدة في أزمة حقيقية. وبالمقابل فإن الملك والحكومة والنواب يتحدثون كلاما حلوا لكنه ساقط على الأرض وخادع لا ننتظره من مسئولين، لأنه كلام يفتقر للقدرة على تحقيقه. ومن لا يستطيع حماية نفسه لا يجدر به الادعاء بقدرته على حماية الأردن أو فلسطين أو القضية. الملك منا ونريده لنا وهو اليوم في وضع لم يعد فيه يتحمل المسئولية وحده، بل يتحملها معه كل من حواليه بالتكافل والتضامن إذا لم يصدقوه القول بكلمة لا ويقفون لجانبه في كل استحقاقات كلمة لا. ليس من منا من يقبل الإنتظار لوقوع جرم جنائي سياسي أخلاقي تاريخي بحق شعب ووطن ممتدين بشريا وجغرافيا، رأسه فلسطين ورقبته الأردن وجسده الوطن العربي.
ما حدث في جلسة مجلس النواب بالأمس لا يبشر بخير. لقد افتُعِلت فيه قضية لا أساس لها. وهذا يعني بأنها هادفة. لكنها أشعرتني بأنه مجلس عشائر وفزعات، لا مجلس شعب ودوله تواجه أخطارا خارجية وداخلية. إنهم يفرون من الواقع والحديث عن الواقع، ويكرسون لعبة الموت في خطابهم العنتري منه والخجول. ورئيس مجلس النواب يعلم بأن كلام النائب حين مارس حقه في التعبير عن نفسه وعن رأيه السياسي لم يكفر بل قال حقيقة موجعة واختصر شجاعته وبالغ في التهذيب عندما قال أن العرب تخلوا عن فلسطين. فالحقيقة أن العرب يهجمون مع اسرائيل على الفلسطينيين. لقد كنا نتوقع من نواب المجلس أن يُخرِجوا ممثل دولة الاحتلال من عمان لا أن يسحبوا خناجرهم على النائب المحترم ويختلقون بوعي أو دون وعي ذريعة لإرهاب الصوت الأخر في المجلس. فشعب فيه فتيان مدنيون تحت الاحتلال والفاقة والإضطهاد ينزعون سلاح العسكرييين المحتلين ويواجهونهم به…..لا يُخذل….
إن ما حدث في المجلس من لغط هو برأيي معطوف على كلام رئيس المجلس وتفسيره الخاطئ أو المقصود، فهو يعرف بأن الرعاية الأردنية للمقدسات تحتضر فعلا عندما تكون امريكا واسرائيل راغبتان بإيقافها أو باسترداد منحتهما، وعندما تكون من متطلبات صفقة القرن أو جزءا من وسائل الضغط على الملك. وعندما يكون الموقف الرسمي الفلسطيني كداعم أساسي للرعاية الأردنية ومشرعنها لها في موقف ضعف وتحييد…. فهل أرداد رئيس المجلس أن يهدر أو يهمر على أمريكا زلفى؟.
أمريكا تعرف الصوص وتعرف مرقته وتعرف انها لم تترك للأردن ورقة ضغط إلا وجعلتها لها. أعتقد بأن رئيس المجلس قد أساء اختيار الوسيلة، وربما يتسبب بانعكاسات سلبية إذا ما استغلت اسرائيل ودول عربية أخرى ما حدث، ونرجو أن لا يكون لما حدث أي صدى على وحدة جبهتنا الداخلية ووحدة شعبنا المستهدفة، بل إني أشهد بوعيه. المرحلة تتطلب مجلس نواب دولة أردنية عربية، مجلس شعب وقضية، لا مجلس عشائر ومغانم. لن نخرج من تداعيات المرحلة إلا بالتغيير العميق، أو بشعب حر ومنتفض على السيد وهو الأمريكي والإحتلال.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply