ما هو التغيير المطلوب في الأردن؟ ولماذا يُحجم الملك عنه.. كفى المقامات طعوجة ومسكاً للعصا من الوسط.. وكفى الشعب اختباءً

يتردد على لسان الأردنيين مطلبُ “تغيير النهج” كأداة للإنقلاب على الواقع الأردني المتدهور وما المقصود بالنهج المطلوب تغييره وكيف، وبهذا قام حزب “الشراكة والإنقاذ ” بعقد حوارات لهذه الغاية وقد خلصتُ شخصيا منها الى أن كَون قطاعات الدولة مترابطة ويؤثر الواحد منها بالأخر ويتأثر به، سلبا أو ايجابا، فإن النجاح يلحق بها جميعها معا ويجعل من الدولة ناهضة ومحصنه، والفشل يلحق بها جميعها ويجعل من الدولة فاشلة. وحيث أن الخبرات والكفاءات موجودة في الدولة بل ومن صادراتها، فإن مرد الفشل يكون للإدارة الفاسدة، ومرد النجاح يكون للإدارة السليمة بصرف النظر عن موارد الدولة ومساحتها وسكانها.
إلا أن عامل الادارة هذا مرتبط مباشرة بنظام الحكم ونهجه السياسي باعتباره صاحب القرار في الإدارة وشخوصها ونوعيتها، حيث يصبح النهج السياسي الفاشل هو المسئول عن فشل الدولة، وهو المقصود بالتغيير. وهو نهج يَخرج عادة من رحم السلطة المطلقة. أما كيفية إصلاح النهج السياسي في نظام ملكي مطلق السلطة على الأرض، فلا يكون إلا بتطويره الى ملكية دستورية، وعندها تتحقق في حالتنا الاردنية دولة فيها النظام “نيابي ملكي وراثي”. وهو نفسه ما يسمى في علم السياسة “النظام البرلماني “. وهذا التغيير أو التحول للديمقراطية لا يكون الا بتوليد الارادة السياسية لدى الملك طوعا أو تطويعا.
حيث عندما تتولد هذه الارادة افتراضا ويعلنها الملك على الملأ تبدأ حكومة وطنية انتقالية استثنائية متخصصة لتحضير البيئة القانونية والسياسية اللازمة بدءا بإعادة كتابة الدستور في مساره الصحيح وصياغة قوانين ناظمة للحياة البرلمانية والحزبية المؤدية لحكومات سلطة الشعب التي وحدها تحقق المطلوب للدولة والمواطن، ويَترك الملك لتك الحكومة المؤقتة الولاية العامة والقرار السيادي على أن يكون مصانا من أي تبعية ومسئولية عندها، وتستمر هذه الحكومة حتى انتهاء مهمتها وتسليم السلطة للحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية.
الأردن اليوم دولةً وكياناً سياسياً وشعباً أمام تحديات داخلية وخارجية وجوديه، ومع ذلك يستجيب لها الوضع الداخلي القائم تماما، وما زال الملك أيضا يستجيب لها بثباته على بقاء الحال على حاله وتعزيزه. فهل الملك مستعد أو مهيئ لهذا التحول الذي به وحده يبدأ التغيير المطلوب لمواجهة هذه التحديات.
لقد بدأ حكمه كما ورثه بمفهوم تلازم المُلك بالسلطة، وواجه مباشرة الدسائس الأجنبية بأن مُلكه مهدد من داخل العائلة المالكة وعليه الانتباه، وأَّتبعوا ذلك بتعظيم الصعوبات الأمنية الخارجية والصعوبات المالية والاقتصادية على الدولة والمواطن، بينما بدأ الملك بدوره بتعزيز حماية ملكه بوسائل منها التعديلات الدستورية، وانحسرت ثقته وتعاونه بالأسرة الهاشمية وتركزت بأهل بيته، وتمحورت اهتماماته وأولوياته كما أريد لها، وسابت الدولة تأكل نفسها، واستطاعت الصهيونية الأمريكية من جعل نفسها وصيةً ومن التغلغل كمستشارين بالشأن الداخلي، وجعلوا من الديوان الملكي مركزا للحكم والقرار، ومن الحكومات والمؤسسات امتدادا وظيفياً له، وليس في الصورة في هذا الديوان قوة دسمة ظاهرة سوى مكتب ولي العهد أو الملك شخصياً من خلال القرارات الإدارية العليا، وما غير ذلك من موظفين هو ديكور إداري. ولعل الدسامة في جهة أجنبية عميقه وفي الظل. *
النقطة المهمة جدا هنا هو أن الدور الوظيفي للأردن أو لمفصليه لم يكن للحظة واحدة ينظر للقيادة الهاشمية إلا مؤقتة وينتهي حكمها مع تحقيق فكرة الوطن البديل التي تتطلب بأسهل سيناريوهات تنفيذها التخلص من الحكم الملكي، والتحول للنظام الجمهوري، الذي من خلاله يشعر سكان شرق الأردن بمكونيه الرئيسين الفلسطينيين والأردنيين بأنهم أصحاب دولتهم وفيها يمارسون حقهم في تقرير المصير. ومن هنا تم مؤخرا اختزال الحكم الهاشمي بشخص واحد، ومن هنا أيضا اضطلعت الصهيونية الأمريكية قبل عشرة سنين بهجمة إعلامية شرسة تطعن طعنا عميقا بسيرة القيادة الهاشمية السياسية بهدف فك عرى ثقة وتمسك الاردنيين والفلسطينيين بها وعزلها عنهم،
وشككت الهجمة بنوايا القيادة الهاشمية إزاء مصالحهم وبسياستها ازاء القضية الفلسطينية بالأمثلة، تمهيدا لتقبل آلية الوطن البديل بالتخلي عن الملكية الهاشمية، وقد كتبت بهذا في حينه الى الديوان والمخابرات والرئاسة باسم بيت الأردن للدراسات والأبحاث إثر صدور كتاب أفي شلايم (أسد الأردن)، ثم واصلتْ الصهيونية هجمتها بضغوطات اقتصادية تعيشها الدولة ومواطنو الأردن للأن، وتُظهر الملك على أنه غير راغب ولا قادر على فعل شيء للشعب. والملك يعلم بكل هذا، ولا أعتقد بأن اتفاقية وادي عربه ولا أي تحالف استراتيجي مع الغرب الصهيوني، ولا القبضة على الجيش والأمن والقضاء يمكن لها إسعافه، ولا حشد تسحيج العشائر والقبائل المتلفز لأمريكا.
لا أعتقد بأن الملك ضمن الظروف الخاصة به والعامة التي يعيشها ويجد نفسه فيها وضمن الوضع الداخلي يفكر بالتغيير. فهو يرى نفسه عند نقطة اللاعودة، وهو واهم في ذلك إن كانت عنده الرغبة فعلا. فلديه القدرة على التغيير إذا ما حسبها مع نفسه في غرفة مغلقة. فلمْ يحظى تاريخياُ دكتاتور بظرف الملك الهاشمي المواتي من حيث تمسك شعبه به وبمُلكه، وهو قوته الضاربة لو استغلها. فذلك الوهم يجعله ملتزما بتعزيز نهجه الداخلي القائم بتغييرات في هذا الاتجاه لا بغيره ولا أكثر، وباستبعاد شراكة داخلية في المناصب مع من لهم شرعية اجتماعية او سياسية وطنية تُشعره بضابط أدبي على سياساته وقراراته.
الملك حاليا يلعب على الوقت، وإن كان في رأسه خطة فهي شخصية. وأمريكا تعلم بأنه معزول عن كل أسباب قدرته على فعل شيء ضروري تريده منه، وهذا سر اندفاع الملك لتعميق علاقاته مع امريكا واللجوء اليها مع كل تصعيد ضد مكونات القضية، وسر “لاءاته” التي لا أجد لها معنى حقيقي إلا في سياق رسالة ضغط واستعطاف تفاوضية لأمريكا، وسر إثارة اسرائيل وأمريكا والأعراب لملهاة سدانة الأقصى وهو تحت سيادة الصهيوني، وسر تلقف الملك لهذه الملهاة وكأنها القضية الأهم التي تواجهنا. وفي المحصلة إما أن يرضخ الملك للمخطط الصهيوني في الأردن، ويتعايش ولي العهد مع المخطط كملك، وقد لا يُكتفى بهذا، وإما أن يُشمع الخيط بما حمل ويترك “الورى” على من بقى.
إن كان الملك غير قادر أو راغب بالتغيير لمواجهة محنة قاصمة لظهر الوطن والشعب والقضية، فهل لهذا الشعب من موقف جديد ؟ وإذا كان الملك يصد يد الشعب الممدودة له، فهل لهذا الشعب عندها من دور وواجب؟ وإن لم يكن له هذا فهل هو شعب مستأجِر في هذا الوطن ومنافق لهذا الدين ومتطفل على الكرامة والقيم التي ينشد بها ؟ هذا وطن نحن بدونه بلا هوية، وبلا حضور بين الأمم غير حضور الأذلة، فرادى وجماعات ولن نجد نحن حملة الرسالة السماوية صنما من هذه الأصنام لنعبده.
كفى الزعامات الوطنية والمقامات طعوجةً ومسكاً للعصا من الوسط، وكفا الشعب الاعتماد على غير نفسه والاختباء وراء تقصير تلك المقامات، فهو أشجع منهم وأنقى، إنه صاحب المصلحة الحقيقية والكتلة الحرجة التي يستمع إليها الملك وتعجز أمريكا عن مواجهتها، فالقادم الجديد يرى الجميع في الأردن بعين واحده. ألا يخرج هذا الشعب الى الشارع من المخيم والقرية والبلدة والبادية، إن خرج ستتبعه النخب المهترئة صاغرة وتتبعه النخب الحقيقية على شروطه تقوده، والسيادة والكلمة عندها ستكون له.