لا يختلف موقف الملك لغاية هذه اللحظة عن موقف عباس إزاء ما جرى ويجري بحق القضية الفلسطينية واستباحة مكوناتها وحقوق الشعبين الاردني والفلسطيني في نطاق صفقة القرن. فقد رفضا ما أنجز منها بفعل واحد هو تحريك عضلة اللسان مع الإبقاء على نفس السياسة عمليا مع اسرائيل وأمريكا التي لا تطلب منهما أكثر من ذلك. ويرفضان سلفا القادم في الصفقة قبل اعلانها بنفس السياسة، والقادم هو التهيئة للتوطين والوطن البديل. والفارق بين موقفيهما وموقف مواطنهم العادي هو أن المواطن يرفض مثلهما ولكنه يستحثهما على فعل شيء”.
غزة تحكي قصة حكام العرب، وتلخص القضيه وتلخص معها معاهدات سلام الأنظمة مع الكيان المحتل، وعلى رأسها أوسلو. غزة تحكي قصة وفكرة المقاومة وتحميها. العدوان الأخير على غزة في ليلة رمضان له معان كبيرة، ولم يوقفه إلا مخرجات معادلة المقاومة والصفقه. لقد قلنا سابقا بأن الصفقة مصطلح إعلامي امريكي لسيرورة تصفية القضية في مراحلها الأخيرة وأن ما تبقى للعرب في مواجهتها هو الأهم والحاسم. إنه فلسطين الشعب والوطن، إنه المقاومة. فالساحة الشعبية الفلسطينية ستبقى الخنجر في ظهر هذه الصفقة. أما الساحة الشعبية الأردنية فهي حبيسة لاءات الملك التي لا معنى حقيقي لها ولا تستقيم مع الواقع، إنها لاءات تشكل نداءا منقوصا لشعبنا بالركون لها. وشعبنا ليس بهذه البساطة ولا يغامر بنفسه وبوطن.
عباس بالنسبة لاسرائيل والصفقة، لم يبق لوجوده ولسلطته في الضفة أي مبرر سوى مهمة واحدة إذا انجزت يرحل الى عمان، فقد يكون له دور هناك أو مستقر. والمهمة هي المساعدة على انهاء المقاومة الغزية. ولننظر بعمق قليل لتصريحه الذي يمثل ردة فعله على العدوان الصهيوني الأخير على غزة. فقد كان خطابا مزدوجا للشعب في الضفة وغزة. الأول، حين اكتفى بشجب العدوان وهذه مخزاة نتركها. الثاني عندما لم ير بأن الحل هو عنده، بل بلوم المقاومة ومطالبتها بالتوحد معه تحت عنوان وحدة الشعب الفلسطيني،الذي لا يمر ملعوبه على المقاومة.إنها كلمة حق ولا بد من توحد الشعب الفلسطيني، إلا أنها كلمة تحمل نفس المعنى منذ الانشقاق الغزي وهو الوصول إلى رأس المقاومة المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى.
إن تكراره النداء الوحدوي مع كل عدوان غاشم على الشعب الفلسطيني في غزة له نكهة خاصة في هذه المرحلة تؤكد استجابته الواضحة للصفقة ومتطلبها وتمريرها على الصعيد الفلسطيني. لقد كان مفترضا ( لو لم يكن وجوده في رام الله لمهمة اسرائيلية يؤمن بها ) أن يكون هذا العدوان فرصة له يستغلها في مواجهة الصفقة ليفك ارتباطه مع الاحتلال وأوسلو ويرفع يده الاسرائيلية عن شعب الضفة. فالسؤال الذي يجب أن يتردد على لسان كل فلسطيني هو، كيف وعلى أية شروط أو أساس يريد لحماس وفصائل المقاومة أن يتصالحوا معه في الوقت الذي فيه وجوده ووجود سلطته قائما في رام الله على أخذ دور الاحتلال في ترسيخ احتلاله ورفض مبدأ المقاومة وكبحها بنفس وسائل الاحتلال وبالتنسيق معه. إنها بالتأكيد المصالحة في سياق مراهنته ومراهنة اسرائيل على رأس المقاومه وهو المطلوب الوحيد العاجل له في هذه المرحلة.إلا أن صمود المقاومة أوقف العدوان لضرر نتائجه على سيرورة الصفقة قبل اعلانها.
هذه الرسالة العباسية الأوسلوية يجب أن يلتقطها شعب الضفة ويرد عليها. إن مصيرهم كما ترسمه الصفقة سيكون أسوأ بكثير من مصير شعب القطاع. شعب الضفة سيغادر وطنه في محصلة الصفقة للمجهول بدرجات سوء هذا المجهول، أو يبدأ المقاومة في وقت غير ملائم كما هو قبل الصفقة، وشعب القطاع سيبقى في فلسطين ما بقيت المقاومه. لقد كان لصمود المقاومة في العدوان الأخير وطبيعة ردها عليه وإدارتها السياسية والاعلامية للمعركة بما فيه تهديدها بتوسيع نطاق استهدافها إن استمر العدوان، أثراً تجاوز وقف العدوان الى التأثير البالغ الأهمية على الحد من اندفاع امريكا واسرائيل بالمضي بالصفقة ومفرداتها وعلى إفشالها. بل وكشف فشل العدوان على غزة المحاصره عن الخطر الماحق على الكيان إن تجرأ على مواجهة حزب الله
صمود المقاومة رسالة لعباس و للحكام العرب أذناب الصفقة ومعربيها ليعيدوا حساباتهم. فالتخلص من المقاومة الغزية التي تشكل “الخمرة ” التي بقيت من عجنة المقاومة الفلسطينية وفلتت من قبضة اوسلو، لن تموت. وستبقى العقبة الكأداء أمام الاحتلال وشرعنته، والموجودة في نفس وضمير كل فلسطيني وعربي ومسلم وحر في هذا العالم كحق مكفول بقانون الارض والسماء. وعلى قواعد فتح بالذات تقع مسئولية وطن وقضية وشعب ومقاومة. فهم المطالبون الأن وليس غدا بقدح شرارة ثورة شعب الضفة بوجه عباس وسلطته وكنسهم.ألا يحسب هذا الشعب وتحسب فتح معه الحكمة من تمسك اسرائيل والسلطة من ورائها بحبس مروان البروغوثي العصي على أي تبادل أسرى مهما كان هذا التبادل مهماً لاسرائيل. هل يقبل رواد المقاومة والتحرير اختطاف حركتهم وشعبهم.
أما على الصعيد الأردني فهناك رجاء وأمل من كل ذرة تراب في هذا القطر ومن كل مواطن اردني الى الملك أن يوقف الخطاب الفاقد للأسسه وأسس تفعيله وبالتالي مصداقيته على ارض الواقع. ويترك ما يزيد الشعب إحباطا وأخرها ترميم كنيسة القيامة وكأن البابا ومسيحيوا العالم عاجزون عن ذلك. إن لسان حال الأردنيين المسيحيين منهم قبل المسلمين يقول ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع. نحن نواجه أخطارا داخلية وخارجية تطال وجودنا برمته وليست صيانة دور العبادة وسدنتها أولويتنا فيما نواجهه، ولا تمثل جزءا من حراكنا وخطابنا. إننا نحن العباد شعب يموت بوطن يحتضر والحديث النبوي الشريف يقول ” لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل انسان بريء. فكيف بذبح شعب ووطن.
ثقة الشعب بالدولة لم تعد موجوده، وثقته بالملك تتأكل وينسحب تآكلها على البسطاء الذين لم يكونوا يتعاطون في السياسة من قبل. ياصاحب القرار ليس في الاردن في المحصلة من يخليك من المسئولية التي تحتكرها، وأمريكا وإسرائل أول المتربصين بك. ونحن الشعب أصحاب الأرض والقرار والقوة التي ترضخ لها أمريكا، ما زلنا حماة مُلكك الحقيقيين، ولكنا لا نفتديه بالوطن وبحريتنا. وانت ولا شك تعلم ذلك، وإن كانت عينك على استخدم قانون القوة والقمع فهذا لا يحل مشكة بل يفاقمها. الجيش والأمن الأردنيان موجودون داخل كل أسرة أردنية، وثقافتهم من ثقافتها ومعاناتهم من معاناتها، وليس فيهم من يراك بلا مسئولية أو مرتاح للوضع، وليس فيهم من هو آمن على مستقبله ومستقبل أسرته، وليس فيهم من لا يعرف بأن امريكا واسرائيل عدو وبأن معاداتهما أسلم لك ولنا وللأردن من صداقتهما بكثير، فالمراهنة على الجيش والأمن لن تفلح في الحالة الداخلية حين يجد الجد ويرون الحقيقة حضرت لتواجههم بكل أخطارها على وطنهم وأسرهم، على خلفية واحدة هي تحمل مسئولية ذبح فلسطين وشعبها.
شخصيا، إن كنت ككاتب أشك وأشكك في وطنية عباس ودوره بموجب معطيات عليه التعامل معها، فإني لا أشك ولا أشكك في وطنية الملك، ولكني متأكد لغاية هذه اللحظة بأنه يعيش ويتعامل مع حالة العاجز عن المواجهة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وحالة المضطر لسياسة اللعب على الوقت، وهو يعلم بأنه الوقت الضائع. بينما هو الوقت الذي يمكن فيه قلب النتائج كلها. نحن لا نرى مبررا لعجزه الذي إن استمر سيأتي عليه وعلينا، إنه عجز بلا أرضية بوجود شعب يمد له يده وقادر على قلب الطاولة على رؤوس من يريدون شرا بنا وبه وبوطننا وبقضيتنا المقدسة، ليس دينيا فقط بل حياتيا وقيميا لنا كشعب.
ومن هنا فإن نخب هذا الشعب بمكوناته مطالب بأخذ زمام المبادرة لنصرة نفسه ووطنه ونصرة الملك رمزا هاشميا وعامل استقرار حاسم نحن بحاجة له. فالسياسات على مدى عمر الدولة حاربت تبلور هوية اردنية سياسية وطنية ملتصقة بالدولة وقرارها. وفشلت الأحزاب والنقابات بفعل شيء عندما جرى تدجينها وأصبح وطنيوها ومعظم قادتها يتعاملون بشكل أو أخر مع الجهات الأمنية للوصول للقيادة او الحصول على حظوة في منصب، وأصبح خطابهم مزدوجا بين مصالحهم الشخصية والوطنية. فأفشلوا النقابات ولم تعد صاحبة شأن في القرار الوطني ولا حتى في شأنها الخاص حين لا تستطيع النقابات عقد اجتماع وطني في قاعاتها لفئة وطنية إلا بقرار أمني.
إن المبادرة الوطنية المطلوبة ربما تكون السهم الأخير الذي ينطلق وكأنه من جعبة الملك لكل من يتحدى مُلكه ومصالحنا الوطنية والقومية من خلال استكمال صفقة القرن. وإننا نتوقع إطلاق هذه المبادرة الشعبية في هذا الشهر الفضيل كحراك سياسي واع وراشد وحريص على أمن الأردن وتعزيز الجبهة الوطنية والداخلية، وإضافة نوعية للحراك القائم وترشيد خطابه.
ونتوقع من قوى الشد العكسي في جهاز الدولة أن تصطف معنا بالفكرة دون تسحيج مضلل فالتاريخ لن يرحم مقصر فكيف يرحم متآمر.