لا خلاف بين اثنين أن المصير الذي ستستقر عليه سوريا سيكون له انعكاسات مشابهه على الدول العربية ولكن بلا مقاومة كمقاومة النظام السوري ولا صعوبات . . فالأنظمة العربية باتت كالأيتام لا كافل لها سوى لصوص اوطان ومال وسلب ارادات . سورية ليست هدفا معزولا بل وشم للمنطقة يحاول الكفلاء صياغته . إن ما يجري على الارض الان في سوريا وما يقال في مناطق خفض التصعيد بأنها جاءت في سياق صنع مناطق نفوذ هو كلام غير مقنع ولا وجود للمنطق في وضع نقطة بعده . وأثبتت تلك المناطق وإدلب بأن ما جرى في حلب ويجري اليوم لم يكن على المقاس السوري كما توقعه النظام ولا في حساب المعارضة السوريه كما حسبته . *
الكثيرون غضوا الطرف عما جرى في حلب على مفهوم أنها بداية النهاية للحرب الدائرة نحو اعادة اللحمة للأراضي السوريه واعادة السيادة والبناء . والكثيرون غضوا الطرف عن عمليات اخلاء القرى والمدن من سكانها في فرز سكاني واضح وسوقهم لادلب على أنه أيضا في سياق خطة عسكرية للتخلص من الارهاب والعنف وتوحيد البلاد وانهاء الازمة . والكثيرون غضوا الطرف عن عمليات عسكرية بعنوان مصطلح سوريا المفيده الذي ما كنا نتمنى ظهوره ولا قوله كمصطلح مدلوله غير وطني ولا مبشر لسوريا واحده ولا سوريا وطن ، لا مواقع ولا مغانم . *
السياسة الامريكية الترمبية في سوريا لم يحصل عليها تغيير او اختلاف عن سياسة اوباما . فصناع السياسة الامريكيه هم فعلا من يوجهون الرئيس لاتخاذ القرارات الكبيرة وهم من يحسب الرئيس حسابهم . ومن هنا ، من المرجح أن لا يتخذ ترمب اجراء كبيرا كالحرب او المواجهة العسكرية دون موافقتها المحسوبة . ولا نستطيع القول بأن صناع السياسة الامريكية يتركون المنطقه لروسيا بل ربما يتركون روسيا في مواجهة المنطقه وأزمتها . وروسيا تعلم أن سلوكها في سوريا هو بتفويض أمريكي غير مباشر . وبما أن الصهيونية هي قاعدة مثلث صناع القرار الأمريكي وأنها تمثل مصالح الكيان الصهيوني كما تفهمها هي لا كما يفهمها نتنياهو ، فإن ترمب كخلفه اوباما لن ينساق لتعجل نتياهو ورؤيته في سوريا وفي المنطقه أو إزاء ايران وحزب الله ، ولا يزكون خوض حرب بلا حسابات . ولا افتعال الازمات بلا حسابات . ولا ننسى أن مصالح ترمب مرتبطة بمصالح ساقي المثلث الاقتصادي والاستراتيجي . *
ربما علينا أن لا نقرأ حرب التصريحات والتهديدات بالمنطقة بمعزل عن الخطوة التالية في سوريا ، وأن نقرأ عباراة تقسيم سوريا الى مناطق نفوذ بأنها عبارة مضلله وغير مكتملة التبعات عندما نعلم بأن هذه المناطق هي داخل دوله واضحة المعالم الجغرافية وعضو في الأمم المتحده وموقعها لا يقبل الصومله . فالواقع أن مناطق خفض التوتر ما هي الا أوراق توافق امريكي وروسي مزيفة وعابره مهما كانت قراءة تركيا وايران لها . إنها تشكل فرشة ارضية وفرصة زمنية تمهد لتفاهمات بين الدولتين الكبرتين تمهيدا لمفاوضات تشمل كل الفرقاء . فالمفاوضات السورية في مسلسل جينيف خلال السنين الماضيه لم تكن في الواقع مفاوضات ولم تكن شروطها ومرجعيتها على الطاوله . بل كانت مجرد تكريس لتدويل الازمة وتعامل دبلوماسي معها على وقع القتال والتدمير والكشف عن أراء ونوايا الاطراف وتعظيم الخلاف السوري السوري .*
السؤال هو ، ما هي العقبات أمام روسيا وامريكا في المرحلة الحالية للانتقال لمرحلة تقسيم سوريه ضمن مفاوضات وقرارات تكون جاهزه امام مجلس الامن والجمعية العامه . لا أرى اكثر من عقبة الأسد كشخص وطموحاته باعادة سوريا لوضعها السابق ، وايران كتواجد في سوريا . وهاتان العقبتان ممكن تذليلهما في صفقة سرية امريكية روسية توافقية . ولا شك أن روسيا التي ستكون مستعدة للتخلي عن الاسد في الوقت المناسب لها ، ستتخلى عن ايران لانتهاء دورها في التحالف معها ، إلا أنها أي روسيا لن تكون طرفا مباشرا لجانب امريكا في مواجهة ايران بل محايدا في هذه المهمة التي ستورط فيها امريكا . *
ورغم أن اسرائيل تعيش تحت هاجس ايران نووية ، إلا أن امريكا لا تراه كذلك ، وترى امكانية في التعامل مع الموضوع من خلال تحسين الاتفاقية وضبط المراقبه . إنها ترى أن التواجد الايراني في سوريا وقطع خطوط الاتصال الجغرافية مع حزب الله هي المشكلة الحقيقية مع ايران ، فحزب الله هوالملف النوي الحقيقي . وترى بأن هذا التواجد الايراني هو الذي يشكل الخطر على مصالحها وعلى منظورها في تسوية الازمة وعلى اسرائيل . وليس الملف النووي الإيراني عقبة تحتاج لحرب ولا هي المشكلة الحقيقية ولا التي لا تسوى بدون حرب . ولا المفاوض الامريكي أصلا كان يفاوض بمعزل عن صانع ومتخذ القرار . لكنها تعلم بأن حربها ضد ايران ليست عبئا على امريكا بقدر ما هي عبئا كبيرا على اسرائيل . وإن فشلت التسوية السلمية للتواجد الايراني في الاراضي السورية بصفقة كبيرة تتخطى تداعيات الملف النوي ، فقد يصل صناع القرار في امريكا الى جعل خطر الحرب على اسرائيل بمسويات دنيا وعندها ربما يُتخذ قرار الحرب .*
سوريا والعراق انضمتا في المحصله الى مصر والسعودية ودول الخليج والاردن في الوقوع تحت الهيمنه والحماية الأجنبيه التي تخدم سياسات وبرامج ومصالح الدول ألأجنبيه . وتراجعت اولويات قضيتنا الفلسطينيه ومعها كل الاولويات الوطنية والقومية وحتى المزايده تبدلت بوصلتها لا من واقع عبثية الكلام بل من واقع تصادم هذه الأولويات مع مصلحة سلطة الأنظمه . وما كان بالطبع لهذه الهيمنة أن تكون لو لم يكن نهج تلك الانظمه قائما على مناهضة الديمقرطية والحفاظ على دكتاتورية السلطه التي تلغي ارادة الشعوب ، علمت ام لم تعلم الانظه فإن قتل ارادة شعوبنا هو مقتلها وفيه فقط حياة المشروع الصهيوني وتحقيق أطماع الطامعين بمنطقتنا ومقدراتها .وما كان لهذه الأنظمة أن تصل للسلطة لولا مشاركة بعضها بالمشروع الصهيوني ، واتكاء بعضها الاخر على مقاومته . *
امام التآمر على وحدة سوريا التي تدل عليه الاحداث والسياسات ، فنعلم بأن العجز وغياب المعلومة والانتظارهو ما يدور في دماغ المعارضه السوريه بعد وقف دعمها وإسقاط دورها العسكري ، ولكننا لا نعلم ما يدور في دماغ القيادة السورية . فنحن لا نرى استحقاقات لهزيمة او لنصر أو لضحايا وتضحيات ، ولا نسمع خطابا سياسيا يجلي الموقف السوري مما يجري . ولا قتال للجيش السوري يخرج عن تكريس وتحديد مناطق خفض التوتر. فهل أن هذا المشهد بوشمه الممتد للوطن العربي على مذبح المشروع الصهيوني وأطماع الطامعين لا يستحق موقفا وطنيا مشتركا من القيادة السورية والمعارضه ؟