إن الملعوب الطازج الذي جاء به ترمب على صعيد أسفار القضية الفلسطينية وتجاذباتها بين سلطتي الاحتلال وأوسلو كبير جدا ويشكل نقطة تحول تاريخي في السياستين الامريكية والاسرائيليه ، إنها “الصفقة ” . والصفقة بيع للحقوق وتخل عن المبادئ ونقيض التفاوض وتخل عن أسسه . فبالتفاوض تُستحضر مقوماته وتوضع أدواته السياسية والتاريخية والقانونية فوق الطاولة بين أنداد يجلسون وجها لوجه بميزان . *
بينما الصفقة فليست في الأصل لعبة سياسية ، وعندما تُسقَط إسقاطا على قضيىة سياسية أو وطنية فإنها تُسقِط وتًستبعد وتُلغي طبيعة القضية ومكوناتها وكل مقوماتها واستحقاقاتها التاريخية والسياسية والقانونية والوطنية .ولذلك فإنها تُبحث في الكواليس بعيدا عن تلك المقومات والمستحقات وعن الحقوق وكل ما يحكم تسوية النزاعات في القانون الدولي وفي الميثاق كجزء أصيل منه وتُخرج مجمل القضية من اطارها . *
ليس هناك من سابقة تاريخية كانت فيها الأوطان والشعوب والأقداس محل صفقة . ولا مكان للصفقة على الحقوق في القانون والعرف الدبلوماسي ، وهي في هذا السياق لا تُعقد ولا تُبرم بل توقع تحت الطاوله. وفي الحالة الفلسطينية فإنها إن طرحت وبحثت فستكون بين المحتل وبين نفسه لأن فلسطين الوطن وشعبها ليس محل وكالة للسلطة ولا لشخص او تنظيم . فالشعب الفلسطيني هو صاحب الحق ولم يستسلم يوما ولا تخلى عن حقوقه غير القابلة للتصرف .واسرائيل تعرف ان السلطة مجرد نسخة في رام الله عن نسخ اخرى في العواصم العربيه . وتسعى لحشد هذه النسخ لاقناع السلطة بتلقي الصفقة وبحثها .*
ولكن بالمنطق واليقين أقول أن الصفقة التي تتكلم بها امريكا واسرائيل ليست فكرة يرجى تنفيذها بل هي مسعى لبلع ملعوب بالغ الخطورة ، فماذا يكون الهدف ؟ ، وبهذا أقول :
خلافا لأزمة الشرق الأوسط بطرفيها العربي والاسرائيلي التي لم تعد قائمة على الأرض ، فإن القضية الفلسطينية ما زالت قضية ممأسسة على جدول أعمال الأمم المتحدة بفروعها ومؤسساتها ، ومؤرشفة في عواصم العالم وفي ذهنية المواطن العربي بأسسها الراسخة ، وأنها أثرَت القانون الدولي من خلال القرارات التي اتخذت والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي ابرمت في اطارها وهي بمجموعها تمثل الشرعية الدولية المعاصره للقضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية ولرفض الاحتلال .*
وبما أن الحلف الصهيو- أمريكي يعلم بأن هذا قد رسخ شرعية دولية للقضية ورتب التزامات دولية وعربية سياسية – قانونية – أدبية ليس بمقدور الدول تجاوزها ، ما دامت قائمه ، وليس لأية مفاوضات سياسية أن تتجاوزها ، وليس بالامكان على خلفيتها شيطنة المقاومة الفلسطينية القائمه والمحتمل قيامها ، فقد بات المطلوب صهيونيا في هذا الظرف العربي والفلسطيني والاقليمي هو اسقاط وإنهاء هذه الأسس والأرشيف لدولي المعاصر للقضية ومحوه . فكان الحديث عن الصفقة هو في هذا السياق . حيث بمجرد تسلم السلطة للصفقة ووضعها مدار بحث فلسطيني اسرائيلي سيكون الهدف منها قد تحقق ، ويعني للعالم بأن هناك شرعنة فلسطينية لموت حل الدولتين وتخل فلسطيني عن كل ما سبقه من أسس لتسوية القضية وانتهاء عهد المفاوضات المأزومة ، وبأن احتلال فلسطين فيه وجهة نظر وله حلول غير الانسحاب ، وبالتالي لم يعد هناك مسوغا قانونيا للمقاومة . *
بمعنى أن هناك مسعى صهيو- أمريكي لصنع طبيعة جديدة للقضية الفلسطينية وأسسا جديدة لطوي ملفها تقوم وتنطلق من بنود الصفقة إذا قبلت السلطة تسلمها ومناقشتها .. فيا للعار والسقوط نحو الهاويه عندما نتقبل تلقي هذه الصفقة . فماذا ينتظر الشعب الفلسطيني وهو يعرف أن السلطة الفلسطينية صنيعة اوسلو قد خلقت طبقة فلسطينية برجوازية “كبيرة ” سجانة للقضية وحاكمة للقرار الفلسطيني ويراها تتماهى مع طبقات انظمة الحكم العربية وتستمد الدعم منها ، والشرعية من الاحتلال ، وأنها بمثابة نظام عربي متعامل ومتراجع في حضن الاحتلال .*
أوسلو لا تستطيع التبرع بالقدس ولا وأد مكونات القضية الفلسطينية ولكنها أنهت المقاومة وقضمت من شرعيتها الدولية تحت مسمى المفاوضات التي تمثل مرحلة اسرائيلية هي الأخطر على القضية وما كان لها أن تكون في غير ظرفها وزمنها ورجالها وسياقها التارخي .فنهج السلطة ليس مفهوما الا في سياق التعامل ولا يعنينا منها اقوالها بل أفعالها . سياساتها شبعت فشلا ، وكل خطوة خطتها كانت للوراء ، تحمل معها القضية للهاويه وما زالت . فلا منطق في انتظار ضربة منها قاضيه . ماذا ننتظر منها وقد جرَّت سياساتها العدو لاختزال أعدل وأوثق قضية في التاريخ للحديث عن تصفيتها بصفقة . *
المسأله لم تعد تحتاج الى تنظير ولا الى طول تفكير . لم يبق أمام هذه السلطة إن كانت فعلا تشكل نقيض الاحتلال وتمثل طموحات الشعب الفلسطيني بمعزل عن التأثيرات العربية إلا حل نفسها والعودة الى مربع ما قبل اوسلو والانطلاق منه ، إنه مربع المقاومه بقيادة واعية ، الى أن يطلب المحتلون التفاوض على المرجعية التي يرتفع سقفها كلما ارتفعت وتيرة وانتاجية المقاومة التي لا تتوقف الا مع تحقيق هدف التفاوض . وعندها فقط نرد عليهم الصفقة بالصفعه . *