إن الفشل العسكري للارهاب وللمعارضه السورية ولمحور أمريكا الاقليمي والعربي على الارض السورية لا يمكن أن نعتبره انتصارا لسوريا وأمة العرب إذا لم يكن انتصارا مرتبطا بفشل امريكا وبهزيمة مخططها الصهيوني في سوريا وفلسطين والمنطقه . فالأزمة السورية عندما طوُّرت مباسشرة الى حرب امريكية بالوكالة على سوريا ، فإنما كان ذلك في اطار تحقيق المخطط الصهيو- امريكي لاعادة تفتيت وهيكلة منطقتنا جغرافيا وسياسيا وثقافيا وولاء بشكل ومضمون استعماريين . ولا يمكن أن نعتبرها مجرد حرب على المواقف او تصفية حسابات مع أنظمة .*
ولا يمكن أيضا أن نضع في سياق هذه الحرب دول أوروبا كلها في سلة واحده ونضع أمريكا في السلة نفسها ، ولا نتفهم في نفس السياق احلال مصطلح الغرب محل امريكا والصهيونية التي تمثل التناقض الأساسي والوجودي لنا كعرب وكمسلمين . ولا أن نُحَجم المشروع الغربي سياسيا وتاريخيا الى مشروع لحكم الاخوان المسلمين . *
نحن نقول ، ليخسر من يخسر ويربح من يربح ولنضحي بما نضحي إذا كان الثمن هو وأد المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية والحفاظ على سوريا دولة حرة وموحدة ارضا وشعبا ، ومقبرة للربيع الصهيوني المستولد من رحم الربيع العربي ، ورسالة لحكام العرب بأن مصالحهم الشخصية ومصالحنا الوطنية تتحقق بالمواجهه مع الصهيونية لا بالاستسلام اليها .*
لقد كانت الحرب في سوريا سالكة بصمت والنتائج تجري لمستقرها حتى حضر التدخل الروسي وأسهم في عولمة الازمة السورية وفي خَسْف الميزان العسكري وصُنْع توازن سياسي حُجم ليكون حكرا على الدولتين الكبرتين . وأصبحنا الآن أمام مفارقة نادرة عندما نشاهد أن انتصار المحور الروسي بأطرافه على كل الاطراف المقاتله ضد سوريا وضد نظامها لم يقترن بالنتائج السياسية المترتبة على هذا النصر أوتلك الهزيمة ، بل اقترن بكوابح التقدم وبتصريحات وببوادر لسلوكيات غير مشجعه . *
والتساؤل المنطقي هنا هو ، هل فعلا كَسر المحور الروسي امريكا ومحورها وجعلها تتخلى عن استهداف سوريا والمنطقه وعن فكرة الشرق الأوسط الجديد الصهيونية ؟ ، أم أنه انتصار عسكري محدود ومرسوم ومشروط دلَّ عليه انفراط عقد عرب المحور الامريكي و” تسيِّيب ” المعارضه كتسييب لمأجورين ؟ ، وهل بتنا أمام اتفاق سياسي روسي امريكي يجري التفاهم عليه بين الدولتين الكبرتين لتأمين مصالحهما ، وعلى حساب من ؟ . ..ولخطورة وأهمية الموضوع فإن الاجابة السليمة مطلوبة . وأنها لا يجب أن تخضع لمجرد التحليل النظري والتصوري بل أيضا على التحليل القائم على تطورات المشهد السوري والفلسطيني المتطور على الارض بعيدا عن الأهواء السياسية الشخصية .*
فالمعركة الحقيقية بيننا وبين الحلف الصهيو- امريكي بطبيعتها وقواعدها ومحَلها هي غيرها عندما تنتقل لتصبح بأيد امريكية — روسية . حيث أن المشروع الصهيوني ومطامعه يشكل قضية أمريكية لا تخضع لميزان الربح والخساره ، وأمريكا مستعدة في سبيلها أن تخوض حربا على حساب المصالح الامريكية العليا نفسها . بينما علاقة روسيا بنا وبقضايانا لها حدود تقف عند مصالحها او عند الاضرار بها أو حين تتضارب أهدافنا الاستراتيجية على المحك مع أهدافها الاستراتيجية . فنظرة روسيا لإسرائيل سياسيا واستراتيجيا لا تتفق أو تتطابق مع نظرتنا ، وليست القضية الفلسطينية او القضايا العربية قضيتها.*
.
وعلينا أن نفرق في هذا بين التصريحات الواقعية أو الحقيقية وبين التصريحات الدبلوماسية والسياسية للحكام ، وأن لا نتخذها حجة أو دليلا لنا . وإن كنا متأكدين من انعدام القيم الاخلاقية لدى امريكا في سياساتها الخارجية لا سيما عندما تتعلق باسرائيل ، فعلينا ايضا أن نكون متأكدين بأن القيم الاخلاقية لروسيا ولمختلف الدول لا تتقدم على مصالحها العليا في السياسة . *
أمريكا لا تقبل هزيمة عسكرية امام روسيا في سوريا وغيرها ، وروسيا لا تقبل الرضوخ لهزيمة عسكرية لا على خلفية مصالحها ولا على خلفية مركزها الداخلي والدولي . ولا مخرج للدولتين من هذا الوضع غير التفكير بحل توفيقي بينهما يؤمِّن مصالحهما اولا . إلا أنه ليس لأمريكا مصالح مهدده في المنطقه سوى مصالح ومطامع اسرائيل ، مما يجعل من الحل التوفيقي في اطار الأزمة السورية في هذا الظرف يتجاوز اسطوانة الحفاظ على أمن اسرائيل الى ترسيخ احتلالها ومصالحها في بلادنا . وسيكون من المستبعد القبول بعودة سوريا موحدة ارضا وشعبا بعيدا عن لعبة الفدرالية المفصلة للعرب حصرا .*
وإن كنا لا نعرف المدى الذي تتوقف عنده المطامع الصهيونية المطلوبة امريكيا ، فإننا نعرف بأن لا توفيق ولا توافق بين حقوق الفلسطينيين وأمال السوريين والأمة كلها وبين المشروع الصهيوني وأطماعه ، وبأنه لن يكون لها حساب في أي اتفاق امريكي روسي في ظل سياسة صديقنا الروسي التقليدية المستقرة إزاء اسرائيل ، ومحتويات سلة التقايض بين الدولتين ، وفي ظل أن القرار السياسي السوري بات يحكمه الواقع الروسي والتدويل السياسي للأزمة إضافة على كل ما تقدم ذكره .*
فالانتصار العسكري لم يكن سوريا خالصا ، والحسم العسكري موقوف في ثلاجه ليستخدم كفزاعه ، وكلما طال الزمن دون حسم على خلفية اختلاف او اتفاق الدولتين الكبرتين يزداد احتمال دخول اسرائيل للأراضي السورية كطرف مباشر ومعلن وتتكرس الصوملة لعقود قادمه ، . فلا نحلمن نحن العرب يوما أن نحافظ على اوطاننا وحقوقنا واسترجاعها الا بالاعتماد على أليات التحرر والتحرير ، وعندها سنكون ، ويكون ما تقدمه لنا روسيا وكل صديق منتجا . فما لم يتوقف المشروع الصهيوني ويفشل في فلسطين أولا سيتحول الوطن العربي كله الى مشاع وشعبه الى عمال في الات المستعمرين وحكامه الى جباة وسجانين . *
سوريا مطالبة اليوم بالاصرار على جعل كل التضحيات ثمنا واستحقاقا لوحدة اراضيها وشعبها ولإفشال المخطط الصهيوني وأن تواجه الصديق كما العدو على هذا المذبح .. .سوريا النظام مطالبة بأن تتذكر بأن كل مواطن عربي وقف ويقف معها كان منطلقا من أماله ورهانه عليها كدولة تأخذ شرعيتها السورية والعربية الشعبية من مواجهتها للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية ، وبأن هذا المواطن يتطلع الى أن تكون فلسطين والجولان في صلب توجهاتها المستقبليه جنبا لجنب مع التوجهات الخمسة التي ذكرها الرئيس الأسد في خطابه الأخير بمؤتمر وزارة الخارجيه .