ان ما تناقلته الصحافة عما سمي بصفقة العصر، لا يتفق مع أطماع اسرائيل في هذه المرحلة ومستحقاتها. فاسرائيل اليوم أمام مستجدات ثلاثة تعظمت معها مطامعها ، وما كان يكفيها سابقا لا يكفيها اليوم .وأزمة الخليج ملعوب سياسي جاء في سياقه الحديث عن الصفقة لصنع واقع مواتٍ ، وعروض تُسوق لتنازلات عربية جديده لإنهاء صفحة المبادرة العربية ، ولتكون نقطة انطلاق صهيونية نحو تعظيم تصور الصهيونية لطوي ملفي القضية الفلسطينية والشرق الأوسط طبقا للمستجدات الثلاثة .*
المستجد الأول ، هو انهزام شعوب الدول العربية وانفراط العقد القومي بينها تحت وابل الإفقار والقمع والتهميش في الداخل والذي تبع سياسات شعار” البلد أولا ” ثم وابل القتل الجماعي والهدم والتهجير على يد الارهاب ومحاربيه على السواء ، والذي تبع سياسة توريط العرب في مسرحية الحرب على الارهاب . فلم تعد الشعوب العربية محذورا لاسرائيل ولا ضابط ايقاع لحكامها ، ولا فلسطين نشيدا مشتركا لها . ولعل شروط إعادة رسم صورة العرب والعروبة لن تتوفر قبل تحقيق المشروع الصهيوني وتساوي شعوبنا في العبودية .*
المستجد الثاني ، اداره أمريكيه لا سابقه لها في سياسة الادارات مع الحكام العرب ، سياسة “جزية الحماية “وبلطجه معلنه لا تعتمد المواربه والمجاملة والإحترام ، ولا تقيم وزنا لهم كحكام لدول ، بل رعاة اغنام في محميات . وهي فرصة لاسرائيل لطلب وتنفيذ ما كان محظورا دوليا وعربيا ووطنيا ،وللتذكير فإن ما حصلت عليه اسرائيل من مسألة تيران وانعكاسه المرعب على الاقتصاد المصري لم يكن واردا في الخيال .*
المستجد الثالث ، هو اضطرار الحكام العرب للكشف عن حقيقتهم وتسابقهم على افتداء العار بالشرف والأوطان ، حماية لمواقعهم من بوابة اسرائيل . وقد تحقق ذلك نتيجة لانكسار الشعوب وغيابها وعربدة ترمب وتهديده المباشر والمعلن للحكام بفقدان سلطتهم ومكتساباتهم . فاسرائيل لم يبق امامها من الانظمة عدوا ، بل حولت مهامها الداخلية لتغيير العقيدة السياسية لشعوبها .*
ومن هنا فإنه لا يمكن فصل لعبة الأزمة الخليجية المفتعلة وما يحاك في اطارها عن حاجة اسرائيل لوسائل جديدة لتصفية مكونات القضية الفلسطينية على أسس من المستجدات المشار اليها . والتي تجعل من الخيار الأردني هذه المرة طريقا لضم اسرائيل للضفة الغربية ، او لانفصال اسرائيل عن الفلسطينيين من جانب واحد كسيناريو يقوم على التهجير اوالترانسفير القسري.*
فالباعث لافتعال امريكا للأزمة ليس دعم قطر المالي للارهاب ، فليست السعودية ولا مصر موكلتان بتنفيذ هذه المهمة نيابة عن العالم ،ولا انقطاع الدعم القطري لحماس لا يعوض من غيرها . ولا افتعال الازمة منطويا على عمل عسكري ضد قطر ، فهذا يخضع لحسابات امريكية اسرائلية دقيقة وكابحه ، وقطر أكثر أماناً من السعودية ومصر . وترمب وغيره يفهمون أنها دولة قبلية مستهدفة من جارتها القبلية وتريد البقاء كغيرها ، ولا هدف سياسي لها سوى ذلك ، فلا فلسطين على قائمة أهدافها وأهداف جاراتها ولا العروبة ولا الاسلام . وعلاقتها العلنية مع المتناقضات ، امريكا واسرائيل وايران وتركيا هي لتأمين حمايتها وهي سياسة مستقرة منذ ثلاثة عقود بمعرفة الجميع ، وليس من مصلحة جهة من تلك الجهات استعداؤها أو مواجهة التوازن .*
. فالحقيقة من وراء الأزمة ، لا يتعدى خلق جو سياسي وقانوني لتشكيل حلف عربي داعم لاسرائيل لشيطنة حماس المقاومة عربيا ودوليا بالقانون ، ثم بالحرب المبررة عليها قانونيا وصولا لتحقيق مشروعها بسلاسة في ضوء المستجدات .*
إن مطلب اسرائيل العاجل والأهم في ظل المستجدات المشار اليها هو رأس المقاومه فكره وممارسه وممارسين . فالمقاومه الفلسطينية هي العائق المتبقي أمام اسرائيل ، والنيل برأسها يمهد طرقا ثلاثة امامها ، أولها حل مسألة غزه الكأداء لتكون هي الدولة الوحيده في المخطط الصهيوني ، التي ستحمل وحدها اسم فلسطين اعلاميا للعالم ، وثانيها تسهل عملية ابتلاع الضفة الغربية ، وثالثها إماتة الشعلة الشعبية العربية الوحيده المتبقيه وإفقاد الشعوب ثقتها بنفسها والاستسلام لليأس .*
وهنا فإننا لا نستطيع المجازفة في القول أن حماس تتغاضى عن المقاومة الفلسطينية وأهدافها الشامله ومبرر وجودها وتقوم بمقايضة كل ذلك بامارة في الصحراء على انقاض فلسطين . ولكننا نستطيع القول أن حماس في ورطة حصار حدودي وسياسي ومالي ، ومن واجبها التعامل مع هذا الملفات ، سيما وأن العِداء المصري لها يشكل مقتلا . لكن المفارقة التي تكشف عدم مصداقية عارضي المشروع وما يخطط لحماس بعد رفضه ، نراه عندما نرى التقارب المصري نحو حماس على طبخة فيها الامارات ودحلان المرفوض في ذات الوقت الذي تتحالف فيه مصر مع الشروط السعودية – الخليجية ، وتتعاطف فيه حماس مع قطر ومع ايران .