يبدو أن الدور الرئيسيى لتنظيم داعش في سوريا والعراق قد انتهى كمرحلة أساسية في مؤامرة العصر على المنطقة العربية ، والدلالات على المؤامرة لا تقتصر على الانتظار اربع سنوات من التدمير والتفتيت والتهجير بدون مبرر نراه في نقص القدرات العسكرية لأمريكا أو للدول التي تواجه التنظيم اليوم ، بل نراها في طبيعة التسويات المطروحه التي تخلو من إعادة سوريا موحده جغرافيا وسكانيا ،ونراها في هذه المرحلة التي بدأت فيها الحرب لاخراج التنظيم من معاقله ، حيث نشهد اختلاف المصالح وتشكل تحالفات جديدة ، وانتشار الارهابيين ، وسلوك متطور لبعض الأطراف الإقليمية كالأكراد ، وتركيا التي أخذت في بداية الازمة موقفا حذرا من التحالف والارهاب واصبح في هذه المرحله تدخلا عسكريا مباشرا *.
لا أعتقد بأن انخراط تركيا وايران المباشر في الصراع في سوريا من قبيل التآمر المسبق . بل أن الدولتين تفاعلتا مع الازمة بصفتها مؤامره تستهدف إعادة هيكلة الدول العربية جغرافيا وسكانيا ،. فكان الدور التركي هادفا للدفاع المسبق عن أوحدة شعبه واراضيه من خلال منع قيام دولة كردية على حدوده . في حين كان دور ايران هو استغلال المؤامرة لتوسيع نفوذها في دول المنطقة العربية للمقايضه بشيء منه لحسابات أخرى، مستفيدة من السكوت الدولي عليها للإمعان في فوضى المنطقه ، ومن احتلالها للعراق ومن الوضع العربي المتردي الذي وفر لها استخدام الأقليات الشيعة في البلدان العربيه . *
إن العملية الجاريه في محاربة تنظيم داعش وطرده من معاقله في العراق وسوريا تحمل شكوكا ومخاطر تقوم على الطريقة التي تتم بها . فمن المفترض أن لا تكون حربا لتوليد حرب ، بمعنى أن لا تصبح عملية تحريك ومطارده ونقل لعناصر التنظيم من منطقة لأخرى او من دولة لأخرى . فهذا التنظيم ليس له دولة يلجأ أو يعود اليها أمنا ، بل له انصار وحواضن ومقاتلين منتشربن في المنطقه والعالم . والمفترض أن تكون الحرب عليه لها خصوصية استراتيجيه تضمن سد ابواب انتشاره قبل الهجمة عليه في معاقله او بالتزامن معها ، وفتح خطوط تفاوضية للاستسلام . لقد خرج هذا التنظيم من رحم القاعده للطريقة الفجة التي اخرجت فيها من افغانستان .*
السؤال في هذه المرحله هو ، هل المطلوب القضاء على تنظيم داعش فعلا والاكتفاء بالنتائج التي خلفها ، أم المطلوب استخدامه لمهمة أخرى ام وضعه في حالة البيات الشتوي . حيث أن لكل هدف من تلك الأهداف سلوكه الذي يدل عليه . ونحن في الاردن معنيين أكثر من اي دولة عربية بالتحقق للوقوف على الحقيقة . وان قبول الدول العربية بتثبيت نتائج سلبية على وحدة اراضي وشعب سوريا سيكون مؤشرا قويا على نجاح استخدام الارهاب ، ومثالا يحتذى في بقية الدول العربية . ومن لا يقرأ الأحداث سيكون من ضحاياها .*
إن شعار الاستسلام او الموت دون مقوماته خيار يعرض على من يرى في الاستسلام حياة له او فائده ، أوعلى من لا منفذ له للهرب . إنه ينطبق على بضعة لصوص محصورين في منزل لا على تنظيم ارهابي بوضع وحجم داعش يمتلك انصارا ومقاتلين وحواضن تحت امرته او تأثيره في بلاد واسعة ، فهذا الخيار طرحه لأبرياء naive. ولم يطرحه الدهالقه الغاطسين في المؤامرة ، فهم يعلمون اصول التعامل مع الحرب على تنظيم إرهابي إذا كانت مهمته قد انتهت وباتت النية في تصفيته .*
نشهد الآن حربا ضبابية على التنظيم دون خطة مرئية لكيفية القضاء عليه ، ولا لكيفية انتهاء الحرب . وما نراه تهجير للتنظيم أشبه ما يكون بقصة تهجير الهيكسوس المنظم من مصر باتجاه فلسطين التي نسخها اليهود بقصة الخروج ، والعلة أن من يوجهون الحرب هم عسكريون وسياسيون محترفون ، فعملهم بالضرورة واع ويشكل علامة حذر واستفهام علينا متابعتها . أعتقد بأن العرب ، والأردن بالذات معني بالدرجة الأولى في طريقة الحرب الدائرة على التنظيم . فهو الوجهه ، والمتأثر مباشرة مما يجري .*
نترقب على هامش الأحداث لقاءات حكامنا مع ادارة ترمب ، ونُزَور شعور الشعب إن قلنا بأن طلب حكامنا للقاء لا يشوبه كسب الرضا ورفع السوية الشخصيه ، وهذا ما يعكسه اعلامهم الرسمي . لكن الردود على الطلب جاءت على شكل استدعاء ، وإن صح هذا القول فسببه هو الاستغلال لوضعنا المهزوم .إنها الفرصة الأخيرة أمامهم لقول كلمة ” لا ” ولقلب الأجندة الامريكية المتمثلة في توجيهات واملاءات وتهديدات ، إلى فرض أجندتهم كشركاء لديهم قضية فلسطين ولهم مصالح وطنية وقومية استراتيجية يجب اشتراط احترمها . انها الفرصة الأخيرة لحكامنا لصنع فرق على مذبح المخاض السوري يحمون به انفسهم ودولهم ، وأن لا يكونوا جزءا من تنفيذ سياسات ترتد علينا …*
ولا أرى أجندة لمليكنا في اجتماعه مع ترمب أهم من بندين ، الأول هو الوقوف على تفاصيل الطريقة التي تدار بها الحرب الأن والتأثير فيها باتجاه منع تهجير المقاتلين تجنبا لتداعيات نكون ضحيتها ، فالخطر علينا سياسيا وليس ماليا . والثاني أن يواجه ترمب بنفس كلماته في القمة ” أن لا سلام ولا امن ولا استقرار في المنطقه والعالم ما لم يزول الاحتلال الصهيوني ويحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه غير القابلة للتصرف “.*
سيدي الملك ، تَذَكَّر دائما أن الضفة الغربية كانت وديعة وأمانة بأيدينا واحتلت منا .، ونحن الاردنيين والهاشميين واجبنا بعد أن لم تُقنع اتفاقية وادي عربه اسرائيل بازالة الاحتلال ، ان نقول ونفعل ” لا تصالح مع اسرائيل ولا تنسيق قبل إقامة الدولة الفلسطينية على كامل ما احتل منا ” . فك الارتباط لا يعفينا من مسئوليتنا الأدبية والقانونية في استعادة جزء من اراضي المملكه وإعادته لأصحابه . سيدي بالمنطق لن يكون هناك كيان سياسي اردني ما لم يكن هناك كيان فلسطيني سياسي غير منقوص الارض والسيادة .