ماذا لو أقبل الأردن على ‘درع فرات’

المؤشرات الدولية السياسيه ، والميدانيه الاقليميه ، توحي بأن هناك حربا وشيكة في جنوب سوريا على الحدود الشمالية للأردن مع انتهاء معركة الباب . وأن الأردن سيخوض هذه الحرب بتوافق وتنسيق امريكي روسي . إلا أن هناك محاذير وتساؤلات ايرانيه وسوريه واسرائيليه تنبع من مصالح هذه الجهات ومخاوفها ، ومن شأنها أن تنعكس على جاهزية الأردن وهدفه المشروع بحذر . ويبدو أن الأردن بدعم من حلفائه لا يرى من عقبات سوى تحييد أو انسحاب فصائل المحور الإيراني من جنوب سوريا ، غافلا عن الحسابات الأخرى الخاصة بأهداف ومحاذير الحلفاء من هذه الحرب .
فكما هيأت معركة حلب لمعركة الباب بقيادة تركيا من خلال درع الفرات ، فإن هذا الدرع سيهيء لمثله في الجنوب السوري بقيادة الاردن . نعم ، هناك مصلحه خاصه للأردن بتأمين حدوده وأمنه كما هو الحال مع خشية تركيا على امنها واهتماماتها السياسية ، لكنها دفعت الثمن بمقايضات على حساب غيرها ، بينما قد يدفعها الأردن على حسابه مضطرا في كلا حالتي خوض الحرب او الإمتناع عنها . والموازنة هي بين الثمن بمردود إيجابي والثمن بمردود سلبي باهض
كانت تركيا قد بادرت بالانخراط في الأزمة السورية منذ بداياتها من خلال استخدام االفصائل السورية وأخذت مواقف معلنه من الأزمة وكلها كأوراق مقايضة لحساب مصالحها واهتماماتها . بينما الاردن كبلد مجاور لسوريا والعراق فقد تأخر واتخذ سياسة هلامية بل تأخر في اختراق فصائل الارهاب. ولكنه نشط متأخرا وامتلك قاعدة بيانات استخباريه واسعه عن التنظيمات وتمكن من اقامة تفاهمات مع بعض الفصائل المعارضة وقد كان هذا النجاح الاردني سببا في تقرب الدول المهتمة منه مثل روسيا . *
الصوره الميدانية الأن في جنوب سوريا تتقاسمها أطراف عديده تعكس تناقض الانتماءت والأهداف ، منها الجيش السوري وحزب ا لله ومنظمات الحرس الثوري الايراني ، وداعش والنصرة والجيش الحر ، وما سمي مؤخرا بهيئة تحرير الشام كخلطه من الفصائل .*
لقد استخدمت تركيا ورقة الفصائل التي كانت تحتضنها وتخلت عنها في مقايضات مع روسيا ولم يكن امام تلك الفصائل الا درسا سيئا لغيرها من الفصائل ، فقامت اثر التنسيق الروسي الاردني بهجوم واسع على درعا في رسالة احرجت الاردن وعززت الخطر على حدوده من ناحيه ، ووضعته محل اتهام من النظام السوري من ناحية ثانية . ولا نستطيع استبعاد أن يكون ذلك الهجوم المفاجئ بتحريض من دول اخرى في المنطقه سواء تلك التي لا تريد وقفا لاطلاق النار أو الرافضة للتنسيق الاردني السوري وكل ذلك لا يبشر بسلامة الوضع المقبل .
التساؤلات ليست في أهدافنا من المعركه التي قد نُقدم عليها في الجنوب السوري ، بل في معرفة أهداف امريكا وروسيا منها وخاصة فيما إذا كانت من أجل اقامة منطقة أمنه ، وهذا مرتبط بمعرفة جغرافية الحرب والمشاركين والمنسقين مع الاردن فيها وفي تحديد الجهه التي ستحل وتحكم المنطقه المحرره ، وبالتالي متى ستنتهي الحرب ، وما سيترتب علينا . والمنطق يقول أن على الاردن أن لا يدخل حربا قبل أن يعرف الأهداف السياسية للأخرين على الأرض ، وأن يفاوض على ذلك مسبقا.
إذا كانت هذه الحرب المحدودة تهدف لإقامة منطقة أمنة فقد تمتد الحرب من أجلها من درعا الى دير الزور . وعلى الأردن وكل وطني حر في العالم العربي أن يضع في حسبانه أن امريكا وروسيا وتركيا عندما يوافقون على المناطق الأمنة فإنما ليس لأنهم يحملون هم معاناة الشعب السوري والدول المضيفة للاجئين ، بل مدفوعين بمصالح وطنية لهم ، وليس بالضرورة في هذه المرحله أن يكون انسحاب الحلف الايراني من الجنوب السوري هو لصالحنا أو لصالح سوريا ووحدتها .
تقول الحكمه العربيه ” مجنون يتكلم وعاقل يسمع “. فنحن نشهد عمليا على الأرض نهايات داعش والإرهاب وإضعاف فصائل المعارضه وموقف النظام السوري ، ونشهد قناعة بالحل السياسي ووقف اطلاق نار وحربا أهلية في نهاياتها ، والمفترض المتبقي هو اقناع الأطراف السورية لتسوية الأزمة سلميا في سوريه موحده ضمن دستور ديمقراطي عصري . فما هو المعنى والهدف والمبرر لإقامة المناطق الآمنة في هذا الظرف وهذا الوقت المتأخر من عمر الأزمة.
ليس في هذا الظرف الميداني والسياسي سببا للمناطق الأمنه سوى فرز سكاني طائفي وعرقي ، وتنظيف مناطق جغرافيه من خلال معارك قادمة ومرعبه . ورسم واقع ديموغرافي جديد على أرض سوريا لتقسيمها من خلال فدرالية مفصله لنا ، متناحرة ومختلفة الانتماءات.
والمطلوب من الأردن أن يحسب جيدا التداعيات المحتملة أو المترتبه على المنطقة الأمنة على حدوده والكيفية والجهات التي ستديرها خلال الفترة الطويلة التي تسبق تقنين التقسيم بالمفاوضات . فقد تكون ملجأ متاخما للارهابيين وللمتآمرين ولضخ الأموال والسلاح ، وقد تكون المنفذ المعتم والرهيب لبلدنا وإدخاله في الطبخة من أوسع ابوابها