أين ستضعنا المواجهة الأمريكية الإيرانية

ليس منطقيا ولا صحيحا أن يكون حرص اوباما وادارته على الكيان الصهيوني ومصالحه أقل منه لدى ترمب وإدارته، فتبني امريكا لهذا الكيان وسياساته في فلسطين والمنطقة هي سياسة امريكيه مستقره باستقرار عوامل وجودها . وستبقى سياسة ثابتة ما دام التأثير الصهيوني على القرار الامريكي قائما نفسه ، وما دامت نظرة الامريكيين لدولتهم قائمة على مفهوم “البزنس ” دون أن تربطهم بها رابطة وطنية أصيله كوطن أصيل ، لا كمهجر.*
فالأمر يحتاج لأجيال قادمه حتى يتشكل جيل امريكي ينسى انتماءه لأصوله الاوروبية أو المتوزعة على بقية القارات ، وتنشأ فيه عقيدة الانتماء لامريكا كوطن . عندها قد يتشكل عندهم الشعور الوطني والكرامة الوطنية التي لا تسمح لخمسة ملايين يهودي يتحكمون بثقافة وسياسات وقرارات دولتهم ، ولا باسقاط ميزان الربح والخسارة الاقتصادي عندما يتعلق الامر باسرائيل . *
إن ما نعتبره اختلافا في سياسة الادارات الامريكية ازاء اسرائيل ما هو الا اجتهادات واختلاف في توقيت وطريقة خدمتها لاسرائيل . تماما كما تختلف القيادات الصهيونية نفسها في الطريقة المثلى لخدمتها . ولنتذكر أن قسما من الصهاينة كانوا يرون ضرورة ابقاء الاردن مشمولا بوعد بلفور كجزء من فلسطين كما جاء في صك الانتداب ، لكن القيادات الصهيونية في بريطانيا خالفتها فيما بعد وأخرجت الأردن منه ليكون المستوعب للمحاذير السكانية والاقتصادية للاحتلال كخطوة اساسية تضمن إنجاح قيام اسرائيل في فلسطين كمرحلة اولى وأساسية .
نحن اليوم أمام فصل جديد من سياسة أمريكا إزاء ايران، وعلى الشعوب العربية أن تتأكد كما هم قادتها متأكدون بأن الاستهداف الصهيوني إذا كان حتى لجزيرة نائية على كرتنا الارضيه هو بالضرورة مجرد استهداف سياسي مرحلي لا أكثر ، هدفه يتجاوز الاضرار بالمصالح العربية الى تعبيد طريق الصهيونية في حربها الممنهجة على الوجود العربي بمكوناته المادية والمعنوية وبما يشمل وزنه السياسي والعسكري وصولا لثقافة الإنسان العربي وذاكرته التاريخية .
حان لنا أن نَخرج من لعبة الصهيونية، ونعلم بأن أي صراع بارد كان او ساخن تقوده امريكا ضد أي دولة في المنطقه هو قرار صهيوني لخدمة اسرائيل في الإيغال بمشروعها الاحتلالي لفلسطين والاستعماري في المنطقه العربية ، وأن المستهدف الحقيقي ليس تلك الدولة بل العرب ، فهم التناقض الاساسي لها . ولا أدعي هنا بأن العامل الاقتصادي لمادتي النفط والغاز الاستراتيجيتين لروسيا والغرب وخطوط نقلهما لا أو لم يلعب دورا في نشوء الصراعات في المنطقة وخصوصا في العقدين الاخيرين ، ولكني أدعي بأن الاصابع الصهيونية تستثمر كل حدث أو اتفاق أو اختلاف وتحرف اتجاهه لخدمة المشروع الصهيوني ، وأمريكا في هذا جاهزة .
فكما استفادت اسرائيل وخسر العرب من كرم سياسة أوباما ومن قبله من الرؤساء مع ايران حين أخطأت بفهم الرسالة واستغلتها لمشروع قومي مآله الفشل وإنهاكها وتدميرنا ، فستسفيد اسرائيل وسيخسر العرب من سياسة ترمب في مواجهة ايران . وما الفرق في السياستين الامريكيتين الا في مقتضيات الخطة أو الاجتهاد حول مصلحة اسرائيل . فالمواجهة الساخنه التي نتوقعها بين امريكا وإيران لن تكون في صالحنا ولا في صالح قضية فلسطين بل حربا عليها على أقل تقدير.
ولكن التساؤل هو ، هل ستنقلنا المواجهة الامريكية الايرانية من تحت الدلف الى تحت المزراب ، أم اننا الان تحت المزراب وأن المطلوب أصبح أن تتقبل شعوبنا العيش تحت الدلف المؤبد بتتقبلها للكيان الصهيوني واحتلاله وهيمنته على العرب واراضيهم التاريخية بهويات مختلفة عن الهوية العربية ؟.
ليس لاسرائيل قضية وجود مع ايران، وليس أي منهما تناقض أساسي للأخر ، بل لديها قضية مرحلية مع سياساتها ، ورغبة في اعادة برمجتها لخدمة اطماعها . فقضية اسرائيل المركزية هي مع العرب ، تناقضهم الأساسي . فايران كانت حليفة لها كتركيا ، واليوم لم تعد اسرائيل بحاجة لاسترجاع ايران الشاه ، فالدول العربية كلها راكعه . ولا تقبل بايران قوية تشاركها أو تنافسها على الذبيح العربي ، بل تحتاج الى ايران كسيحة ومتمردة ، فقد يكون هناك حاجة ليافطة دولية عنوانها الارهاب الشيعي ، كما كانت الحاجة لما يسمونه الارهاب السني .
إن الاستهداف العسكري لايران إذا حصل فسيكون استحقاقا لمرحلة قادمه . ولكنه يتطلب حسابات ثقيله على اسرائيل وعلى العرب وإيران ، وإذا ما حصل فربما يكون محدودا ومحددا باتجاه مشروعها النووي . وإن طبيعة الموقف السياسي لإيران سيكون مؤثرا إيجابيا أو سلبيا في الأزمة ، وإن وقع الصدام فإن الرد الايراني سيعمل أيضا فرقا بالنتائج . فهل يكون الاحتفاظ “بحق الرد ” أم سترد مباشرة أم بالوكالة ؟ . وفي كلا الحالتين الأخيرتين سيكون الصدام استهدافا للتوازن العسكري بالمنطقه ضحيته العرب .