الطخ في العبدلي والعرس في دابوق …(.رشدوا حجب الثقه )

إن حجب النائب ثقته عن الحكومات الأردنية ، سيبقى في حالة بلدنا عملا عبثيا وغير واع ، إذا استند على بياناتها الوزارية وشخوص الرؤساء أو على ما يَعِدون . فليس هناك من واع لديه أدنى قناعة بأن رئيس الحكومة وحكومته لديهم سلطة ، أو برامج وسياسات من رؤوسهم ، أو أن ما يطرحونه هو البرنامج المزمع تنفيذه حقا ، أو انهم يمتلكون حرية القرار في أية مسألة سوى الإدارية أو الإجرائية ، أو أنهم أصحاب للقرارات المؤثرة التي يصدرونها سواء تلك التي يقبلها الشعب او يرفضها . أو أنهم قادرين على النصح والتأثير أو التغيير أو المشاركة في صنع القرار محليا . وأقول محليا لأن قراراتنا تصنع بإرادات خارجية فاعلة ، في غياب فاعلية الشعب .
إن قرار النائب الوطني الحر بحجب الثقة يجب أن يكون رشيدا، هادفا وله معنى سياسي حتى يكون منتجا ، ولن يكون رشيدا أو منتجا إلا إذا كان هذا الحجب عقلانيا وله من الواقع ما يبرره وطنيا ودستوريا . ولا يكون هكذا إلا إذا كان قائما على السند الصالح ، ومُسَبَب منطقيا . فليس من المنطق في الحالة الأردنية أن تكون حكوماتنا محلا لاختلاف الرأي في التقييم والتوقعات والقدرة على تنفيذ مسئولياتها الدستورية وهي فاقدة لأهليتها . فهذا هراء وظلم ، وفيه اختباء وراء الحقيقه .
إن السند المنطقي لحجب الثقة عن الحكومات في حالتنا يُفترَض أن يكون قائما على الطريقة التي تُعَيَنُ بها الحكومات وتأتينا معها فاقدة لأهليتها ولولايتها الدستورية ومعزولة عن الارادة الشعبية أو التأثير الشعبي ، والتي لا تكون بموجبها إلا حكومات ذل وإذلال . والكُلُ، حكوماتا ونوابا قد شاهدوا الملك في لقاءاته الشعبية الأخيرة وهو يتخلى فيها حتى عن توجيه الحكومات لتلبية مطالِب الناس كما كانت العاده التي ما كان لها أصلا أن تكون ، ويوجههم بدلا من ذلك الى الديوان لتسوية مشاكلهم وطلباتهم .
فَعَن أية حكومات نتحدث ونُقَيم ونلوم ونحاسب ونتأمل . إن حكومة تولد قاصرة هي كالطفل القاصر ، والحديث يكون مع الوصي عليه ، وكذا الرسالة له وحده توجه . إنها كلمة واحدة ، تُشكِل استحقاقا نيابيا وطنيا ، حجب وراء حجب لكل أشكال هذه الحكومات ، دون الخوض اطلاقا ببياناتها الوزارية ، أو بمطالبات .
إن إمساكَ النائب الحر للعصا من وسطها في ظروفنا يفقده صفته ،فهذا ليس ليس زمانه ولا هو المطلوب ولا الصحيح . ولا هو تأدية للأمانة ، والرجال مواقف . مستثنيا منكم عدد أصابع اليد ، أقول كفاكم نوابنا ، مراهنات على المناصب والمنافع تُدفع أثمانها من قِيَمنا ومن حقوقنا ، كفانا متاجرة بالوطن ومظاليمه . أنتم في الظروف الطبيعية من تُراقبون وتُسائِلون وتُشرِعون . لا من تَتَرقبون وتَتَسولون وتُشارِعون . كلكم تخاطبون الميت وبعضكم يجلده . كلكم تمتنعون عن مخاطبة الحي وبعضكم يتخذه قبلة . كلكم تَخطبون وأنتم تعلمون بعقم خطابكم ومن تخاطبون ، فاليأس من قدرتكم على امتلاك ولايتكم يتملككم وأنتم قابلون ، فعلى هذا استُقدِمتم فأنتم طامعون .
لقد حولتم النيابة من مسؤولية وطنية الى فرصة عمل عند رب عمل في السوق ، كسوق عكاظ فيه قُبة وشِعر منثور . فيه بائعون ومشترون بالمقايضة لأجل ، رهن التسليم بوعود . والبضاعة في هذا الموسم هي “الثقة ” . فالمتاجرة اليوم فيها وعليها بشروط سمعناها ، ليس منها ما يخص ولاية النواب ولا الحكومة ، ولا الوطن فيها ولا قضاياه المستعرة بأجلى صورها ، خطرا وامتهانا ، عفوا فهذا ليس هما̋ للتجار . وأهازيج العرس الديمقراطي الوطني انتهت إلى مزحة في ساحات تُرِكت تئن على وقع الخلافات مع المأذون الذي اختار الإبِل وفاز بها وساقها .
إن ابتلاء شعبنا بوباء الاستيزار في بازار المزايدات قد هانت نتائجه أمام ابتلائه بوباء الرئاسة بعدما هُزِئت هي الأخرى . ليت الطامحين الجُدد يكتفون بقَسم النيابة بلا ثان ولا ثالث . إنهم يركبون الموجة متأخرين ، فالمصطفين على الدور كثر ، وقد دَفعوا عربوناتهم من زمن أمام صاحب الحَل والعَقْد الحقيقي ، لا أمام أصحاب الحِلَل والعقود ممن تخاطبونهم . ونهج الدِين لا يحتمل الانتقائية ولا التخصيص ، ولا نهج المبادئ يحتمل المساومه ، فالكعكة تتآكل بكثرة الأفواه المفتوحة والبطون التي لا تشبع . وضاقت على المستجدين الحيلة مهما جاؤا باكتشافات يستحقون عليها براءة اختراع لم يًسبقهم اليها طامح او طامع ، مؤداها ان المسؤولين والحكومات في غاية الأمانة والعفة والنزاهة ، وأن ناس الشعب هم السُراق . إني أشك بوجود جاد في هذه الأمة .